رواية زواج في الظل الفصل الثاني 2 - بقلم ياسمين عطيه
في بيت بسيط مكوّن من أوضتين وصالة وحمام ومطبخ، رجعت ليلى وهي جواها صراع رهيب. أفكار متضاربة شغلت دماغها، مش عارفة القرار اللي خدته ده صح ولا غلط.
ليلى لنفسها (بتنهيدة): أكيد صح… أنا عملت كده عشان ماما، وعشان أميرة. حتى لو مش صح، أنا معنديش حاجة أخسرها. دي فرصة مش هتتكرر تاني في عمري. لو اتجوزت زي أي بنت، حياتي هتبقى زي حياة أميرة… متجوزة مين؟ أكيد واحد زيي، بيبيع مناديل في الإشارة! وبعد السنة؟ هفضل زي ما أنا، لكن لو نفّذت المهمة دي، حياتي كلها هتتغير، هضمن مستقبلي ومستقبل أهلي.
صوت جوّاها همس بسخرية: “غبية! بتضيعي منك فرصة إنك تبقي عروسة، وزي كل البنات، تبقي زوجة وتنامي مطمنة في حضن راجل بيحبك. بتضيعي فرصة إنك تكوني أم في يوم من الأيام.”
ليلى (بعناد لنفسها): اللي اتجوزوا خدوا إيه؟ ما أنا هتجوز وهلبس فستان وهيتعمل لي فرح!
الصوت الداخلي ضحك بسخرية: “بتكدبي على نفسك! ده كله شكلي قدام أمك، لكن في الحقيقة مفيش حاجة من ده هتحصل. وبعدين إيه ضمانك إنهم هيعملوا لك فرح أصلًا؟”
ليلى (بسرحان وخوف): ممكن يكونوا بيكدبوا عليا؟ لا… أكيد لا.
قاطع تفكيرها صوت باب أوضتها بيتفتح. دخلت فوزية أمها، وهي بتبص لها بقلق.
فوزية (بتضحك بخفة): مالك يا بنتي؟ اتجننتي ولا إيه؟ بتكلمي نفسك؟
ليلى (بارتباط وكسوف): لا أبدًا، يا ماما… كان في موضوع في دماغي بس قلت أسيبه لبُكرة. افتكرتِك نمتي.
فوزية (بتنهيدة وهي بتفرك عينيها): لا، ما نمتش، كنت بخلص شغل على إيدي.
ليلى (بضيق): مش قلت لك يا ماما بلاش شغل بالليل؟ عينيك بقت تعباكي.
فوزية (بحزن): هنعمل إيه يا بنتي؟ أكل العيش مر. المهم، إيه الموضوع اللي كنتِ عايزة تكلميني فيه؟
ليلى (بتحاول تخفي توترها وبتبتسم): بصراحة… في واحد بشوفه كتير، كل فترة والتانية. دايمًا بيبص لي، والنهاردة كلمني وقال لي إنه عايز يتقدّم.
فوزية (بتربّط على رجلها بقلق): مين ده؟ استني نسأل عليه الأول. هو أي حد تشوفيه في الإشارة تقولي هتجوزّه؟
ليلى (بتحاول تقنعها بحماس): لا يا ماما، أنا سألت عليه، وهو ابن ناس ومحترم، شغال عند ناس أكابر جدًا، ومبسوطين بيه لدرجة إنهم هيدوله شقة جاهزة للجواز.
فوزية (باندهاش): الدنيا دي مخبّية كتير! بس انتِ متأكدة من الكلام ده؟ وهو ساكن فين؟ يمكن كل ده كدب وياخدك يبهدلك؟ أنا ما عنديش غيرك إنتِ وأختك، وعايزة أشوفكم مبسوطين. كفاية اللي شافته أميرة في جوازها، مش هشيل همّك إنتِ كمان.
ليلى (بتحاول تهديها وهي بتبتسم): لا يا ماما، ما تقلقيش. إن شاء الله خير.
ليلى (بصوت هادئ وهي تفرق يديها ببعض) بخوف:في حاجة كمان يا ماما هو الصراحة مستعجل على الجوازة، وعايزنا ندخل الخميس الجاي.”
أم ليلى (بصدمه وقلق):”الخميس الجاي؟ اللي هو بعد يومين؟ ده، لا، أنا قلبي مش مرتاح. استني يا بنتي، لما نروح نسأل عليه في المكان اللي هو شغال فيه، وأطمن الأول. إحنا هنشتري سمك في ميه؟ وبعدين، ما فيش ضمان إن الشغلانة دي حقيقية.”
ليلى (بخوف وهي بتتكلم مع نفسها):
“أمال لو عرفت إنه هياخدني ويسافر على طول ومش هتعرفي تشوفيني ، هتقولي إيه؟”
أم ليلى (بصوت حاد):إنتِ فين؟ أنا بكلمك يا بنتي!”
ليلى (بابتسامة مطمئنة):
“أنا هنا يا حبيبتي، ما رحتش في حته، ما تقلقيش. لو شفتيه، والله نفسك في هترتاحي ليه جدا،ده جميل قوي، بقولك قمر.”
فوزيه (بقلق):”طب إوزنيها بعقلك. إنتِ بتقولي عليه قمر، وده يعتبر ظروفه أحسن من ظروفنا. ما تزعليش مني يا بنتي، ما انتيش قليلة ولا بقلل منك، بس هو هيبص لك ليه؟ ليه، إشمعنا أنتِ؟ ما هو ده اللي قالقني ومخلي الفار يلعب في عبّي
ليلى (بتضحك عشان تخفف التوتر): ما تقلقيش يا ماما، كل حاجة هتبقى كويسة. يمكن ده عويض من ربنا على اللي إحنا شفناه.
فوزية (بتتنهد): مش مهم أنا ارتاح، المهم إنتِ تبقي مرتاحة. هم هيجوا إمتى؟
ليلى: بكرة الساعة خمسة.
فوزية: تمام، أكون خلصت شغلي، وأختك كمان هتكون خارجة معايا. تحبّي أقول لجوز أختك ييجي في القعدة؟
ليلى (بسرعة): لا، بلاش نُعطّله عن شغله. هو هييجي يتكلم معاكي، وهتتفقوا على كل حاجة.
فوزية: تمام يا حبيبتي، تصبحي على خير.
ليلى: وإنتِ من أهل الخير، يا ماما.
فوزية: مش هتتعشي؟
ليلى: لا، كلت حتة قُرصه وشبعت. روحي نامي وما تتعبيش نفسك.
ليلى (لنفسها وهي بتحاول تطمّن روحها): أكيد أنا أخدت القرار الصح.
—
فيلا واسعة، الفخامة فيها بتنطق في كل ركن. عكس الجو البسيط اللي كانت فيه ليلى، هنا المكان كله بينطق بالثراء، بس رغم كده، مفيش راحة! في أوضة أنيقة، قعد أركان على كرسي مكتبه، واضع رأسه بين يديه وهو بيحاول يستوعب اللي بيحصل. الإضاءة الخافتة في الأوضة زادت من جو التوتر، وكان واضح إنه مش في مزاج
عدلي (بهدوء بس نبرته حاسمة): أنا عارف إنك مش راضي عن المهمة دي، بس مفيش اختيار تاني، يا أركان.
أركان (بيتنفس بعمق وهو بيحاول يسيطر على غضبه): مفيش اختيار؟ إزاي يعني؟ أنت بتطلب مني أدفن نفسي حي، أعيش حياة مش حياتي، وأبقى واحد تاني!
عدلي (بعينين ثابتة): بالظبط، لأن ده المطلوب منك دلوقتي. مش عايز أحلف لك إن نجاح المهمة دي هيكون نقطة تحول كبيرة ليك.
أركان (بيضحك بسخرية): نقطة تحول؟ أنت بتكلّمني كأني لسه في أول الطريق، وأنا خلاص أثبتت نفسي.
عدلي (بنبرة جدية أكتر): أثبتت نفسك، ماختلفناش… بس دي مش مهمة عادية، دي عملية تحت الطاولة، ولو نجحنا فيها، هتبقى اسمك في مكان تاني خالص.
أركان (وهو بيحرك رقبته بتوتر): أنا فاهم أهمية المهمة، بس الزواج؟ ليه لازم يبقى بالشكل ده؟
عدلي (بيتنهد، بيحاول يشرح لحد عنيد): عشان لازم تكون جزء من المكان، جزء من حياتهم، متغلغل جوّاهم. العصابة دي مش هتثق في حد جاي من برّه، لازم تبقى واحد منهم، تبقى شبههم، تعيش وسطهم.
أركان (بيتكلم بحدة): وإنت شايف إن جواز مزيف لمدة سنة هو الحل؟
عدلي (بحزم): الحل الوحيد، مش مجرد حل.
أركان (بيسند ضهره للكرسي وبيغمض عينه بإرهاق): وأنت واثق إنها مش هتعمل مشكلة؟
عدلي (بحزم وهو بيبص لأركان): دي أنسب واحدة للمهمة دي، وأنا مش بقول كده من فراغ. أنا مراقبها من فترة طويلة، عارف تحركاتها، طريقتها في الكلام، تعاملها مع الناس… البنت دي من الطبقة دي فعلًا، بتتكلم لغتهم، وبتفكر زيهم، وده بالظبط اللي إحنا محتاجينه عشان المهمة تنجح.
أركان (بشك وهو بيضيق عينه): وإنت متأكد ؟ يعني مش هتكون عبء؟
عدلي (بثقة وهو بيميل لقدام): بالعكس، هتكون عنصر قوة، وهتسهل عليك تندمج وسطهم من غير ما تثير أي شكوك. أنت فاكر العملية دي مجرد تمثيل؟ لا، دي لازم تكون واقعية 100%، وأي غلطة ممكن تكشفنا.
أركان (بيتنهد وهو بيعدّل جلسته): تمام… بس أنا مش مسؤول لو حصل أي حاجة غير متوقعة.
عدلي (بابتسامة جانبية وهو بيحاول يطمنه): متقلقش، أنا واثق فيك، وواثق إنها
المهم… الخميس الجاي هيبقى كل شيء جاهز. فكر في ده كويس، لأن بعد ما تبدأ، مفيش رجوع.
أركان (وهو بيتمتم بصوت واطي): مفيش رجوع من الأول أصلاً.
عدلي (بنبرة جادة): الفرح هيتم يا أركان، ولازم يكون فيه صور، مش مجرد قسيمة جواز.
أركان (بيرفع عينه ببرود وهو مستند على كرسيه): وإيه لازمة المسرحية دي؟ الجواز على الورق كفاية.
عدلي (وهو بيرمي الملف قدامه على المكتب): لا، مش كفاية. إنتوا داخلين وسط ناس مش سهلة، ومفروض إنكم متجوزين بقالكم سنة بس، يعني لسه عرسان جداد، طبيعي أي حد يقابلكم يسأل عن صور الفرح، عن تفاصيل اليوم ده، عن أي حاجة تثبت إن جوازكم مش مجرد ورقة في السجلات.
أركان (بهدوء، لكنه بيركّز في كلامه): أنا فاهم احتياجات المهمة، بس أنا عندي حدودي، ومش ناوي أتجاوزها.
عدلي (بنبرة هادية لكن حازمة): حدودك دي لو هتضر العملية، يبقى لازم تعيد حساباتك.
أركان (بيتأمل الملف للحظات، قبل ما يتكلم ببرود واضح): ويارا؟
عدلي (عارف هو بيسأل ليه، فبيجاوبه مباشرة): يارا محتاجة وقت، لكن في النهاية، هي مش هتسيبك.
أركان (بهدوء، لكن في نبرة وراها حاجات كتير): أنا مش عايز أعمل حاجة زي دي.
عدلي (وهو بيتنهد): مش مطلوب منك تعمل حاجة مش محترمة، ولا حاجة خارج شغلك… بس الفرح ده جزء من التغطية بتاعتك، وأي تفصيلة ناقصة ممكن تكشفك، وإنت أكتر واحد عارف ده.
أركان (بيرمي القلم اللي كان بيلعب بيه على المكتب، وبيقوم واقف وهو بيحط إيديه في جيوبه، نبرته تقيلة وباردة كعادته): تمام… بس متتوقعش إني هتصنع مشاعر مش موجودة.
عدلي (بابتسامة خفيفة وهو بيحس إنه أقنعه): محدش طالب منك حاجة أكتر من إنك تلعب الدور صح.
أركان (بهدوء وهو بيبعد عن المكتب): هتصرف.
في المساء في بيت ليلى
في صاله صغيرة بس منظمة، وفيها لمسات بسيطة تدل على تعب السنين. فوزية قاعدة على الكنبة، وشها متجهم وعيونها كلها قلق، بتبص ناحية الباب كل شوية. ليلى قاعدة جنبها، بتحاول تظهر هدوء، بس جواها زلزال مشاعر متلخبط.
فوزية (بصوت قلق وهي بتتكلم مع بنتها): مش مرتاحة للموضوع ده، يا ليلى. إحنا ناس على قدنا، والناس اللي في المستويات دي ما بيجوش يتجوزوا بنات زينا.
ليلى (بتحاول تطمنها): ماما، هو أركان راجل كويس، مش زيه زي الباقيين، وبعدين هو مش جاي لوحده، أبوه معاه، ودي حاجة تطمن.
فوزية (بتكتم التوتر وهي بتظبط طرحتها): نشوف، ربنا يستر بس.
• بعد دقائق، بييجي عدلي وأركان…
عدلي وأركان ماشيين في الحارة بهدوء، لبسهم بسيط، كأنهم ناس مستواهم عادي، أركان لابس قميص غامق وبنطلون عادي، عدلي لابس بدلة بس شكلها مش ملفت. الحارة هادية، والعيال الصغيرة بتلعب عند مدخل البيت.
فوزية بتفتح الباب بحذر، نظرتها كلها تفحص وترقب. عدلي بيتكلم بهدوء وبابتسامة بسيطة وهو بيحاول يكسب ثقتها.
عدلي (بهدوء محترم وهو بيحط إيده على صدره تحية): مساء الخير
فوزية (بصوت متحفظ): أهلًا، اتفضلوا.
أركان بيدخل وراه، نبرته هادية، مش ودودة بزيادة، لكنه واضح إنه شخص متزن. بيقعد قدام فوزية وهو بيبص لها مباشرة، مش بيتجنب نظرتها.
عدلي (بهدوء وهو بيبدأ الكلام): إحنا ناس لا بنلعب ولا بنلف وندور، جايين نتكلم في الحلال، وأركان شاف ليلى وعجبته، وعايز يتجوزها.
فوزية (بشك وريبة وهي بتبص لهم): وماله؟ شاب وسيم وأهله أكيد ناس مستريحين… ليه بنتي بالذات؟
أركان (ببرود لكنه واضح): عشان مختلفة، مش زي أي حد.
فوزية (بنبرة مش مقتنعة): مختلفة في إيه يعني؟
عدلي (بابتسامة بسيطة): عندها شخصية وبنت محترمه وعندها اخلاق، عارفة حدودها،ومكافحه ودي حاجة مش سهلة تلاقيها دلوقتي.
فوزية بتسكت لحظة وهي بتبص لبنتها، بتحاول تفهم المشهد أكتر. ليلى بتاخد نفس وتحاول تبان متماسكة، بس قلبها بيدق بسرعة.
فوزية (بصوت أخف حدة): والجواز إمتى؟
عدلي (بنبرة هادية لكنها حازمة): الخميس الجاي، لازم يتم بسرعة.
فوزية (بصدمة): الخميس؟! ليه الاستعجال؟
عدلي (بحسم وهو بيبصلها بثقة): مفيش حاجة تستدعي التأجيل، وأركان مسافر شغل بعد الجواز بفترة قصيرة، فمش عايز يسيب ليلى قبل ما يكون في بينهم صلة رسمية.
فوزية (بتبص لليلى بتردد): إنتِ موافقة، يا بنتي؟
ليلى (بهدوء، لكن في عينها خوف داخلي): أيوه، ماما.
فوزية بتاخد نفس طويل، مش مقتنعة تمامًا، لكن كلام عدلي وأركان منطقي، والأهم إنها مش عايزة تكسر بنتها لو هي راضية. بعد تفكير بتقول:
فوزية (بنبرة مترددة): خلاص… بس على بركة الله.
• بعد ما مشيوا وفي أوضة ليلى
أميرة قاعدة على السرير، وهي بتقشر تفاحة وبترفع حاجبها وهي بتبص لاختها بريبة.
أميرة (بتتريق): يعني إنتي عايزاني أصدق إن جالك عريس بالسرعة دي؟ وهو يا عيني كان مستني اللحظة اللي يشوفك فيها ويطلبك فوري؟
ليلى (بتحاول تمسك أعصابها): أميرة، هو نصيب، متحاوليش تعملي فيها محققة.
أميرة (وهي بتغمز بعنيها): نصيب إيه بس، يا بنتي؟ إنتي بتخبّي حاجة، وأنا مش هسيبك غير لما أعرف القصة الحقيقية.
ليلى (بتتنهد وهي بتحاول تهرب من الموضوع): مفيش حاجة، بلاش تفكير مالوش لازمة.
أميرة (بتغمز بضحكة خبيثة): هنشوف… بس أنا هراقب الوضع، ولو لقيت حاجة غلط، هبقى أول واحدة أعرف.
ليلى بتبتسم بس جواها توتر، لأنها عارفة إن أميرة مش سهل تضحك عليها، وإنها ممكن تحس بأي حاجة غريبة.
فريدة كانت قاعدة في الصالون، وعينيها مليانة حزن، مش قادرة تستوعب اللي بيحصل. لما شافت عدلي ومنصور داخلين باللبس اللي مش لائق بمكانتهم، ارتسمت على وجهها ملامح من القلق والتوتر.
فريدة (بتنهد وبصوت منخفض):
“إزاي ده يحصل؟ ده مش المفروض، مش ده مستوى ابني. ليه تلبسوا كده؟ ليه تحطوا نفسكم في الموقف ده؟”
كانت كلماتها مليانة ألم، مش سخرية. فريدة كانت بتحس بقلق على أركان، ودايمًا خايفة عليه. عشان هي ما كانتش شايفة الجواز ده مناسب له، حتى لو كانت عارفه إن ده جزء من المهمة اللي مش قادرين يهربوا منها.
فريدة (بتكمل بحزن):
“ابني مش مفروض يكون في موقف زي ده، ماينفعش يكون كده. أنا مش قادره أتخيل إزاي هيعيش معايا في حياته بعد ما يتجوز واحدة زي دي. ده مش مكانه، مش دي اللي تستحقه.”
أركان حس بالألم في صوتها، بس حاول يهدئها.
أركان (بصوت هادئ، لكن حازم):
“أنا فاهم قلقك يا ماما، بس ده جزء من المهمة، ومفيش بديل.”
دخل جد أركان، وزير ، ووقف في المنتصف.
الوزير (بصوت حاسم):
“فريدة، كفاية كده! خلي الموضوع ده يخلص بسلام. . دي مهمة قومية، والمهم إنها تتحقق. مافيش وقت نضيع فيه في سخافات زي دي.”
فريدة حاولت ترد لكن عماد، والد يارا، تدخل هو كمان.
عماد (بهدوء، لكن بنبرة حازمة):
“أنتِ حقكِ تكوني متوترة، فريدة، بس ده مش وقت تتكلمي في الحاجات دي. يارا كانت وستظل جزء من العيلة. أنا موافق على الجواز ده، ولقيت إنه هيفيدنا في المهمة اللي بنخطط ليها من سنين. لو الموضوع ده مش عاجبك، فالمهمة أهم.”
كان الجو متوتر، وكل واحد فيهم كان يحاول فرض رؤيته، لكن في النهاية، كانوا متفقين على الشيء الأهم: المهمة
وجينا للحظه الحسمه وبدايه قصتنا في
فرح شعبي في الشارع كان مليان بالأضواء، الموسيقى عالية، وضحكات الناس بتملأ المكان. كان فرحًا بسيطًا بس عامل ضجة، لأنه مش مفهوم. ناس بتهمس، وناس بتبص باستغراب، وناس بتتريق من ورا الضهر. كل واحد عنده حكاية عن العريس والعروسة، وكل العيون عليهم.
أركان… العريس اللي سرق الأنظار
واقف بطوله وهيبته، البدلة السودا الكلاسيك زادته جاذبية، واللون الأبيض اللي في قميصه كان بيبرز ملامحه الوسيمة. شعره مسرح بدقة، ولحيته المشذبة كانت بتديه طابع القوة والوقار. عيونه كانت ساكنة، باردة زي العادة، مفيهاش أي لمعة فرح، وكأنه واقف على خشبة مسرح بيمثل دور العريس اللي مش عايز يكون هنا. كان ممكن يتصور في مكان مختلف، مع شخص مختلف، في لحظة حقيقية، مش جزء من خطة مرسومة.
ليلى… العروس اللي انقلبت حياتها في لحظة
بفستانها الأبيض البسيط اللي كان مناسب لقوامها، كانت أجمل مما تخيلت وملامحها النعمة، والميكب الرقيق زادها نور. كانت جميلة… بس مش سعيدة. جواها خوف، قلق، إحساس إن الليلة دي مش البداية اللي كانت بتحلم بيها، بل بداية لشيء مجهول. عيونها بتدور في الفرح، بتشوف نظرات الناس، بتسمع الهمسات، بتحس بالسخرية في بعض العيون، والغيرة في عيون تانية.
فوزية… الأم اللي قلبها مش مطمن
كانت واقفة في ركن، نظراتها بتتنقل بين بنتها وبين العريس اللي مش فاهمة إزاي جه يتجوزها.من غيراهله وقفه قلقانة، مش قادرة تصدق إن بنتها في اللحظة دي، مش مستوعبة إنها هتسيبها وتروح لبيت راجل مش عارفة عنه حاجة. ليلى بنتها الصغيرة، البنت اللي عمرها ما كانت تتخيلها في فرح بالشكل ده، وسط ناس غريبة، من غير أهل العريس، من غير أي مشاعر بين الطرفين.
أميرة… الأخت اللي مش مقتنعة
وقفت جنب ليلى، كانت بتحاول تبين إنها مبسوطة، بس الدموع فضحتها. كانت حاسة إن أختها بتتسحب من حياتها لحاجة مش مفهومة، وده مش عادي. ليلى كانت دايمًا جنبها، وفجأة، هتروح لشخص مش عارفين عنه غير إنه غامض جدًا.
الناس… الهمسات اللي مش بتسكت
• “العريس ده جابته منين؟ ده أكيد مش من هنا.”
• “العريس ده مش مصري، ده أكيد من برا وجاي ياخدها ويسافر.”
• “أكيد الفلوس لعبت لعبها، البنت دي أكيد مسكت عليه حاجة!”
• “وقعت عليه فين؟ ده
• “يا اختي تلقاه جوازه بيعه وشاروه”
كل كلمة، كل همسة، كل نظرة كانت بتقطع في ليلى، وبتزيد البرود في ملامح أركان. هو عارف إن الليلة دي تمثيلية، لكن ليلى… ليلى جواها كان حاجة تانية.
الرقصة الرومانسية… تمثيلية ولكن!
الموسيقى الهادئة بدأت تعلو في الفرح ، وكعادة أي فرح، لحظة الرقصة الأولى للعروسين كانت لازم تحصل. الناس كلها منتظرة اللحظة دي، مستنين يشوفوا العريس والعروسة وهما بيرقصوا سوا.
ليلى وقفت قدام أركان، قلبها بيدق بسرعة، مش عارفة تتعامل مع اللحظة دي إزاي. هي حتى مش عارفة تحط إيديها فين. لكن أركان، كعادته، كان هادي، بارد، ثابت. مد إيده ليها، نظرة صامتة منها، وبعدها حطت إيدها بتردد في إيده الكبيرة.
أركان (بصوت واطي وهو بيشدها ناحيته): “امشي معايا، متتوترتيش.”
حط إيده التانية على وسطها، خلى المسافة بينهم مش كبيرة أوي، بس مش قريبة كفاية عشان تبقى لحظة حقيقية. لكن ليلى، في اللحظة اللي حست فيها بلمسته على ضهرها، حسّت بشيء غريب. حاجة مش مفهومة، مش راحة، مش خوف، حاجة وسط بين الاتنين.
اتحركوا مع بعض على أنغام الموسيقى، مشهد قدام الناس يوحي إنهم في حالة رومانسية، لكن في الحقيقة، كل واحد فيهم كان في دوامة أفكاره.
ليلى (بصوت واطي وهي مش قادرة ترفع عينيها فيه): “إحنا بجد في اللحظة دي؟”
أركان (ببرود وهو بيبص بعيد): “دي لحظة ولازم نعديها.”
لكن اللي ماخدوش بالهم منه، إن وسط الرقصة، ولحظة ما ليلى اتلخبطت في خطواتها، أركان مسكها بسرعة، شدها ناحيته، خلاها أقرب مما المفروض يكون.
ليلى (بأنفاس متسارعة، وهي حاسة بقربه المفاجئ): “أنا… آسفة…”
أركان (بهدوء، لكن نبرته كان فيها شيء مختلف): “أنتِ مش متعودة على الحاجات دي، عادي.”
لكن عادي دي ماكنتش عادية. عينيه اللي كانت ثابتة ببرود طول الوقت، للحظة بقت مختلفة. كأنه شاف حاجة، كأنه حس بحاجة، لكن بسرعة رجّع الماسك اللي دايمًا بيخليه متحكم في كل حاجة.
الجمهور كان بيصفق، الناس كلها شايفة إن الرقصة دي فيها رومانسية، فيها حب. لكن الحقيقة… كانت فيها توتر، فيها صراع بين قلبين مش فاهمين هم فين بالضبط.
بعد الرقصة، المصور جه يطلب من العروسين ياخدوا صور للذكرى. أركان كان واقف بثبات، مبتسم ابتسامة محسوبة، وليلى جنب منه، مش عارفة تتعامل مع اللحظة دي إزاي.
المصور (بحماس): “يلا صورة بوسة على الجبين كده للعروسة، عشان الذكرى!”
ليلى اتجمدت مكانها، فتحت بُقها تحاول تعترض، لكن قبل ما تتكلم، أركان قرب منها، وفي ثانية، حط إيده على خدها، لمسها لمسة خفيفة، وانحنى ناحيتها.
بوسة خفيفة على جبينها… لكنها كانت كافية إنها تحسسها إنها مش قادرة تاخد نفس.
ليلى (في سرها وهي مغلقة عينيها): “إيه اللي بيحصل؟ ليه إحساسي مختلف؟”
الناس صقفت، الصور اتاخدت، لكن اللي ماكانوش يعرفوه إن كل صورة كانت بتاخد حاجة من قلب ليلى، وتسيب وراها علامة استفهام كبيرة.
أما أركان، فكان ساكت… لكن في عقله، كان فيه سؤال مش قادر يهرب منه. “ليه الموضوع ده مش مجرد تمثيل زي ما كنت متخيل؟”
الختام… بداية المهمة
الزفة بدأت، والمهمة بقت رسمية. هي وهو… تحت سقف واحد، في طريق واحد، بس ولا واحد فيهم عارف نهايته هتبقى إيه.
لحظة وداع ليلى لوالدتها فوزية بعد الفرح
الفرح خلص، والناس بدأت تمشي. ليلى كانت واقفة جنب أمها، ماسكة إيدها بقوة، مش قادرة تسيبها. فوزية عينيها كانت مغرقة دموع، بتحاول تخبي قلقها بس مش قادرة.
فوزية (بصوت مرتعش وهي تمسك وش بنتها بإيدها): “خدي بالك من نفسك يا بنتي… أنا قلبي مش مطمن.”
ليلى (وهي بتحاول تبتسم عشان تطمّنها): “هكون كويسة يا أمي، هكلمك كل يوم، وأول ما يبقى في فرصة هاجي لك.”
فوزية بصت ناحية أركان، اللي كان واقف بعيد شوية، ملامحه جامدة، مش باين عليه أي إحساس. رجعت تبص لبنتها تاني، وهمست بصوت خفيف:
فوزية: “لو حسيتي بأي حاجة مش مرتاحة ليها، ارجعي لي يا ليلى. متخليش أي حاجة تجبِرك على حاجة أنتِ مش عايزاها.”
قبل ما ليلى ترد، عدلي قرب منهم، وكان واضح إنه مستعجل.
عدلي (بهدوء لكن بحسم): “يا حاجة فوزية، الطريق للصعيد طويل، ولو جيتي معانا دلوقتي، مش هتقدري ترجعي بسهولة. هنمشي على الشغل على طول، ومافيش حد هيقدر يرجّعك للقاهرة في نفس اليوم.”
فوزية اتشدت أكتر، قلبها واجعها، كانت عايزة تروح معاهم، تطمّن إن بنتها وصلت، تشوف مكانها الجديد، بس كلام عدلي كان منطقي.
فوزية (بتنهيدة تقيلة): “خلاص… طالما هتكلميني كل يوم، يبقى هرتاح شوية.”
ليلى (بسرعة وهي بتضغط على إيد أمها): “طبعًا، هبقى أكلمك أول ما نوصل.”
فوزية سحبتها في حضنها، ضمّتها بقوة، وكأنها خايفة تسيبها. ليلى حسّت إن دي أصعب لحظة في الليلة كلها، أصعب حتى من لحظة كتب الكتاب.
أركان قرب منهم، وقال بصوت هادي لكنه واضح:
أركان: “لازم نمشي دلوقتي.”
ليلى سابت إيد أمها ببطء، وخدت خطوة للخلف. فوزية بصّت لها بحزن، ثم بصّت لأركان نظرة طويلة، كأنها بتقرأه، بتحاول تفهم إيه اللي مستني بنتها معاه.
فوزية (بصوت مهزوز لكنها بتحاول تبتسم): “ربنا يسعدك يا بنتي… ويوفقك.”
ليلى حسّت بغصّة، لكنها اكتفت بابتسامة حزينة، ثم لفت ناحيته ومشت معاه. كانت بتبعد عن حياتها اللي تعرفها، وعن أمان أمها… ورايحة على حياة ما تعرفش عنها حاجة.
وقبل ما ليلى تركب العربية جنب أركان، فوزية سابت بنتها وأخدت خطوتين ناحيته. أركان وقف مكانه، ملامحه زي ما هي، هدوءه المعتاد، لكنه رفع عينه وبص لها باهتمام لما شاف نظرتها.
فوزية (بصوت مليان مشاعر، وهي بتبص له بثبات): “أركان… أنا اديتك بنتي، كبدي وقلبي، اللي ربتها إيدي دي… مش عايزة منك حاجة غير إنك تحافظ عليها. هي مالهاش غيري، وأنت بقيت راجلها النهاردة.”
أركان ما ردش على طول، فضل ساكت لحظة، كأنه مستني يسمع باقي الكلام. فوزية كملت بصوت أهدى، لكنه مليان إحساس:
فوزية: “أنا ما أعرفش عنك حاجة، وما أعرفش ليه ربنا كتب لها الجوازة دي، بس اللي أعرفه إن الست وصية في رقبة الراجل، وخصوصًا لو كانت غريبة عن أهله، ومالهاش حد يحامي عنها.”
ليلى بصّت لأمها بعيون مليانة دموع، مش قادرة تنطق. أركان عدّل وقفته، وحسّ للحظة إنه واقف قدام اختبار مختلف عن كل اللي عدى عليه قبل كده.
فوزية (بصوت أخف، لكنها بتتكلم من قلبها): “أنا مش هقولك خليك طيب معاها، ولا هطلب منك تحبها… بس أوصيك عليها، زي ما القرآن قال: فأمسكوهن بمعروفٍ أو سرحوهن بإحسان، لو كان ليها نصيب معاك، خليك راجلها، ولو ما كانش ليها نصيب، رجّعها لي بكرامتها.”
أركان سكت لحظة، وبعدها قال بصوت هادي لكنه حاسم:
أركان: “ليلى في أمان.”
كانت جملة قصيرة، لكنها خرجت بثقة، بنبرة حقيقية. فوزية بصّت له نظرة طويلة، كأنها بتحاول تكتشف إن كان كلامه ده وعد حقيقي ولا مجرد كلام. بعد لحظة، تنهدت ومسحت دموعها، ثم بصّت لبنتها وهمست:
فوزية: “روحي يا بنتي… وربنا يكون معاكي.”
ليلى ما قدرتش تمسك نفسها أكتر من كده، حضنت أمها بقوة، كأنها مش قادرة تسيبها. فوزية شدتها لحضنها، ثم أخدت خطوة وفتحت لها باب العربية بنفسها، كأنها بتقول لها: “روحي… وكوني قوية.”
أركان وقف، راقب المشهد بصمت، لكنه حسّ لأول مرة بثقل المسؤولية اللي اتحطّت على كاهله. يمكن دي مهمة… لكن ليلى مش مجرد “مهمة”.
لحظة الوصول إلى فيلا عائلة أركان
وصلت السيارة قدام الفيلا الضخمة، بابها الحديدي الأسود اتفتح بهدوء قدامهم، وكأنهم داخلين عالم تاني. ليلى حست إنها بقت في مكان مش بتاعها، مش شبهها، حتى الهوا اللي هنا مختلف.
فريده (بوجه متجمد وصوت هادي، لكنه بيلسع): “وأخيرًا… العروسة وصلت.”
عينيها كانت بتجري على ليلى، من فوق لتحت، بتمسحها بنظرات كلها رفض، كلها غضب مكبوت، وكلها استنكار. ابنها… أركان، الضابط اللي شافته عمره ما يتنازل، واقف جنب بنت… كانت بالنسبة لها ولا حاجة.
ليلى (بصوت متوتر، وهي بتاخد نفس عميق): “مساء الخير.”
فريده ما ردتش، بس بصت لعدلي، ثم أركان، وقالت بحدة: يارب تكونوا مبسوطين ثم سبتهم
الجزء الثاني من البارت الثاني
زواج في الظل
مشهد ليلى وأركان في غرفة النوم بعد الفرح
ليلى دخلت الأوضة بخطوات مترددة، الفستان الأبيض الطويل كان لسه عليها، تحس بثقله وكأنها لابسة حاجة مش بتاعتها، حاجة مش شبهها. كانت حاسة بتوتر غريب، مش لأنها لسه متجوزة، لكن لأنها متجوزة بالشكل ده، بالجواز ده، بالمهمة دي.
أركان دخل وراها، قفل الباب ووقف عنده لثواني، حط إيده في جيوبه واتكأ على الباب، كان هادي بس عنيه بتراقب كل حركة فيها.
أركان (بهدوء): “مش ناوية تغيري ولا إيه؟”
ليلى (بحرج خفيف وهي بتشد الفستان): “أصله… السوستة مش راضية تفتح.”
رفعت إيدها لظهرها تحاول تفتحها بنفسها، لكن معرفتش، لفّت بنظرات قلق ناحية أركان.
ليلى (بصوت واطي جدًا، كأنها مش قادرة تقولها بصوت عالي): “ممكن… تساعدني؟”
أركان ساب الباب وقرب منها، كانت بتحاول متبصش له، لكنه كان شايف ارتباكها واضح جدًا، ضحك بخفة وهو بيقف وراها.
أركان (بنبرة مستفزة خفيفة): “أكيد متأكدة إنك عايزاني أساعدك؟
ليلى (بغضب مرتبك وهي مش قادرة تلف عليه): “هتفتحها ولا لأ؟!”
قرب أكتر، إيده لمست الفستان عند ضهرها، كان ملمس القماش ناعم جدًا، لكن أيديه كانت ثابتة وهو بيسحب السوستة ببطء.
أركان (بصوت هادي فيه نبرة ساخرة): “على فكرة… دي لحظة خاصة جدًا، بتبقى في الأفلام لحظة رومانسية…”
ليلى (بعصبية وهي لسه مش قادرة تتحرك): “ده مش فيلم، يلا خلص!”
أركان سحب السوستة ببطء، كان حاسس بارتجاف خفيف في أنفاسها، ولما السوستة فتحت، وقف لثواني، قرب أكتر وهمس عند أذنها.
أركان (بصوت هادي جدًا): “خلاص… بقى سهل عليكِ تخلعيه.”
ليلى حسّت برجفة غريبة في قلبها، مش عارفة ده خوف ولا ارتباك ولا حاجة تانية مش قادرة تسميها، لكن بدون ما ترد، سحبت نفسها بسرعة ودخلت الحمام، قفلت الباب وراها وهي بتحاول تسيطر على ضربات قلبها.
أركان وقف مكانه، ابتسم بخفة وهو بيرجع يقعد على السرير، مال برأسه على المخدة وهو بيقول لنفسه بهمس ساخر.
أركان: “شكلها هتبقى أيام ممتعة جدًا…”
بعد دقايق
أركان وقف عند باب الحمام، خبط عليها بخفة وقال بصوته البارد المعتاد:
أركان: “يلا يا ليلى، غيري بسرعة… مستنينا تحت.”
ليلى حاضر طالعه اهو بسرعه
راح ناحية الدولاب، سحب الجلابية والعمة اللي عدلي جابها، بص لهم بملل قبل ما يغير هدومه بسرعة.
بعد دقائق، خرجت ليلى من الحمام، كانت لابسة الجلابية الواسعة، باين على ملامحها الضيق من اللبس، رفعت عينيها وبصت لأركان، لقيته هو كمان لابس الجلابية، بس رغم إنه واضح عليه إنه مش مرتاح، إلا إنه كان واقف بثبات، ملامحه مفيهاش أي تأثر.
أركان (ببرود): “يلا، ننزل.”
ليلى سحبت نفس عميق، مشيت وراه، وهي مش قادرة تصدق إن حياتها من اللحظة دي، هتبدأ تتحول لحاجة غريبة جدًا…
لقوا عدلي واقف قدام أوضة جانبية، فتح الباب بإشارة من إيده وقال:
عدلي (بصوت منخفض لكن مسموع بوضوح): “ادخلوا.”
دخلوا الأوضة، كانت إضائتها خافتة، على المكتب الصغير قدامه كان فيه ظرف بني، أول ما قعدوا، سحب الظرف وطلّع منه بطاقتين شخصية، قسيمة جواز، وملف تاني.
عدلي: “من اللحظة دي، أركان الجارحي مات… ليلى ماتت… أنتم بقيتوا سعيد عبد الحميد ومراته هنية حسن. سعيد البواب الجديد، ابن الست امينه اللي كانت في بيت منصور من سنين، وهنية بنت عمّه اللي جت تخدم معاه بعد ما ماتت أمّه.”
ليلى لمست البطاقة بحذر، بصّت في الصورة بتاعتها، حسّت للمرة المليون إن دي أكبر من مجرد مهمة، دي حياة تانية بالكامل. أركان خد بطاقته، لكنه ما قالش حاجة، عينه كانت ثابتة على عدلي، مستني يسمع باقي الكلام.
عدلي: “أنتوا ولاد ست اسمها امينه كانت شغالة عند منصور بس، ماتت من كام سنة، كان ليها ابن ومحدش كان يعرف غير اسمه عشان هو المفروض اتربى في مصر مع جدة ابوه فما حدش شافه قبل كده ودا مبرر للهجتكم المصريه اطمنوا واصلا سعيد مات من قريب فمحدش هيكشفكم ولا حد هيعرف اي حاجه ولو دوروا مش هيلاقوا حاجه ، وانتم هتدخلوا البيت عشان تشتغلوا فيه بدلها… واضح؟”
أركان أومأ برأسه، وليلى بلعت ريقها بصعوبة وهي بتاخد نفس عميق. عدلي كمّل، نبرته بقت أخطر:
عدلي: “محدش هناك يعرف أنت ابن مين، ولا اتربيت فين، ولا شفت إيه في حياتك… سعيد عبد الحميد، بواب غلبان، شاف الشقاء، وبيحمد ربنا على لقمة عيشه… تحت أي ظرف، ما ينفعش تطلع عن الدور ده، فاهم؟”
أركان (بهدوء قاتل): “فاهم.”
عدلي لفّ نظره ناحية ليلى، اللي كانت متوترة، لكنها مستعدة تسمع.
عدلي: “وانتِ، من النهاردة، هنية، الشغالة اللي بتشتغل عند الناس دي، غلبانة، متعودة على الأوامر، وكل حاجة عندها (حاضر يا هانم، حاضر يا باشا)… أي كلمة زيادة أو نظرة غلط ممكن توديكِ في داهية، مفهوم؟”
ليلى (بصوت خافت لكنها حازمة): “مفهوم.”
عدلي راقبهم لحظة، بعدها مال بجسمه لقدام، واتكلم بصوت أوطى لكنه أخطر:
عدلي: “أنتوا داخلين عش الدبابير… الهدف مش بس تعرفوا هما بيعملوا إيه، لكن الأهم إنكم تعرفوا فين المخدرات؟ فين السلاح؟ ومين الشركاء داخل البلد وبره؟ كل معلومة صغيرة ممكن تنهي المهمة بنجاح أو تنهي حياتكم للأبد… فاهمين؟”
ليلى قفلت إيديها على بعضهم، بينما أركان كان هادي، ملامحه زي ما هي، لكنه كان مستوعب الكلام. عدلي سكت لحظة، وبعدين رمى القسيمة المزورة قدامهم.
عدلي: “وأهم حاجة… أنتم متجوزين عن حب… محدش هناك يشك ولو للحظة إن الجوازة دي ورق، لازم تتعاملوا كأنكم عرسان جداد، بحب واحترام قدام الكل، وإلا هتشّكوا في نفسكم قبل ما حد يشك فيكم.”
أركان مسك القسيمة، نظر ليها لحظة قبل ما يحطها في جيبه، ليلى اتنهدت بخفة وهي بتحاول تهضم اللي سمعته، لكنها عرفت إن الحياة اللي كانت عايشاها خلصت خلاص، والمهمة بدأت رسميًا.
عدلي سحب شنطتين سودا كبار من جنب المكتب، رماهم قدامهم على الأرض وقال بصوته الحازم:
عدلي: “افتحوا الشنط دي، من اللحظة دي، لبسكم لازم يكون مناسب لدوركم.”
أركان فتح شنطته، لقَى جلابية رمادي غامقة وعِمّة بيضاء، جنبهم كان فيه شبشب جلدي قديم الطراز، كأنهم طالعين من فيلم قديم. عينه رفّت للحظة قبل ما يرفع حاجبه ويبص لعدلي، لكن ما قالش حاجة.
أركان (ببرود): “إيه الحلاوة دي؟”
عدلي رمقه بنظرة حادة، فردّ أركان بابتسامة جانبية لكنه بدأ يلمس القماش ويفهم إن ده واقع لازم يتعايش معاه.
أما ليلى، ففتحت شنطتها بتردد، عينيها اتسعت وهي بتلمس الأقمشة، كان فيها عبايات سوداء وجلاليب طويلة، طرح سادة، وسبحة خشب صغيرة محطوطة جنبهم، كأنهم بيأكدوا على الشكل التقليدي. لكنها، وهي بتقلب في الهدوم، فجأة شدّت حاجة خليت جسمها يتشنج.
ليلى (بعصبية وهي تسحب قميص نوم حرير فاتح اللون): “إيه ده؟!”
رفعت عينيها لعدلي بصدمة، خدودها احمرت من الغضب والإحراج في نفس الوقت. بصت ناحية أركان اللي كان بيتفرج على المشهد ببرود، لكنه رفع حاجبه بشوية استغراب.
ليلى (بحدة وهي تبعد القميص عنها): “أنا مش فاهمة… ليه الحاجات دي موجودة هنا؟”
عدلي تنهد، وبهدوء ردّ عليها:
عدلي: “قلت لكم قبل كده، محدش ينفع يشك فيكم لحظة واحدة. يعني إيه واحدة متجوزة ولسه عروسة وما عندهاش الحاجات دي؟ ده لو حد دخل الأوضة ولقى شنطتك فاضية غير من هدوم الشغل، هتكون مصيبة! لازم كل التفاصيل تبقى طبيعية، فاهمة؟”
ليلى شهقت باستنكار، لكنها ما قدرتش تلاقي رد، بصت ناحية أركان مستنية يشوف المصيبة اللي هي فيها، لكنه كان واقف ببروده المعتاد، عينيه ثابتة عليها لكنه ما نطقش ولا كلمة.
أركان (بهدوء وهو بيطالعها): “ما هو عنده حق.”
ليلى لفّت عليه بغيظ، لكن عدلي قاطعهم بصوته الحازم:
عدلي: “أنا ما عنديش وقت للدراما دي، خدي الحاجة زي ما هي ومتعمليش أي تصرف غبي يخلّي حد يشك في الجوازة دي، فاهمة؟”
ليلى أخدت نفس غاضب، سابت القميص بسرعة وكأنها خايفة تلمسه تاني، وبعد لحظة ترددت، لكنها قفلت الشنطة وهي بتعضّ شفايفها بضيق.
أما أركان، فكان بيبص لها بنظرة جانبية، حسّ أنها مخنوقة من اللي بيحصل، لكنه ما قالش حاجة، لأنه عارف إن مهما قال، مش هيغير حاجة من الواقع اللي هما داخلين فيه.
عدلي (بصوت جاد): “ما ينفعش حد يشك ولو لحظة في دوركم… إنتي خدامة، يعني لبسك لازم يكون بسيط وملتزم، وأنت، أركان، بواب… يعني ما ينفعش تبان عليك أي علامة من علامات المستوى اللي كنت عايش فيه.”
أركان لفّ الجلابية في إيده، حسّها غريبة عليه، لكن عقله كان مبرمج إنه يقدر يلبس أي قناع طالما المهمة تتطلب كده. ليلى، على الجانب الآخر،هي اصلا متعوده على لبس العبايات والطرح دي حياتها مفرقتش شكل العبايه إذا كانت فلاحي ولا مصري اهم حاجه لبس يستر
عدلي سحب ظرف صغير، فتحه، وطلع منه خاتمين دهب، رماهم لأركان وقال:
عدلي: “دول دبل الجواز، لبسوهم فورًا… الجوازة دي قدام الكل جوازة شرعية، محدش يشك لحظة إنكم مش متجوزين بجد.”
أركان مسك الدبل، قلبهم بين صوابعه، ثم رفع عينه وبص لليلى اللي كانت متوترة جدًا. قرب منها، وبهدوء مدّ إيده بدبلتها وقال بصوت هادي لكنه قاطع:
أركان: “البسيها.”
ليلى بصت في عينيه، كان هادي جدًا، بارد كالعادة، لكنها مدّت إيدها، لبست الدبلة بإحساس غريب، كأنها فعلاً دخلت حياة جديدة مش عارفة هتخرج منها إمتى.
أما أركان، فلبس دبلته بدون تردد، لكنه حسّ إن الحمل بقى أتقل على كاهله.
عدلي وقف، رفع حاجبه، وقال بآخر تحذير ليهم:
عدلي: “غلطة واحدة… غلطة واحدة بس، ممكن تخلص عليكم … مستعدين؟”
أركان رد بنفس هدوءه القاتل: “جاهز.”
وليلى رغم خوفها، رفعت راسها وقالت بصوت أقوى من قبل كده: “أنا كمان.”
عدلي أومأ برأسه، ثم قال بحزم: “يلا، نتحرك.”
عدلي بص لهم برضا، ثم أشار على الباب وقال بآخر تحذير:
عدلي: “يلا، خدوا نفسكم العميق الأخير قبل ما تبدأوا حياة جديدة… المهمة بدأت رسميًا.”
بخطوات واثقة، خرج أركان من الأوضة، بينما ليلى بلعت ريقها قبل ما تلحقه، وهي عارفة إن اللحظة دي هتغيّر كل حاجة في حياتها للأبد.
عدلي: “فيه نقطة أخيرة… هتسافروا مواصلات زي أي حد من طبقتكم الجديدة، مفيش عربيات، مفيش رفاهية، هتركبوا القطر وبعدين ميكروباص لحد المكان المطلوب. ده جزء أساسي من المهمة، إنكم تبانوا طبيعيين تمامًا وسط الناس.”
ليلى بسخريه :متعوده يا باشا
أركان بص لها ببرود قبل ما يعدل العِمّة اللي كان ماسكها بإيده، وقال بهدوء ساخر:
أركان: “تجربة جديدة، هعيشي معاناة الشعب لأول مرة.”
عدلي تجاهل سخريتهم وكمل بصرامته المعتادة:
عدلي: “أول ما توصلوا، هتلاقوا مستنيكم هناك واحده اسمها بطه أنتم مجرد ناس غلابة جاية تدور على لقمة العيش، يعني تتكلموا على قدكم، وتفتكروا كويس أن أي كلمة غلط ممكن تكشفكم.”
ليلى أخدت نفس عميق وهي بتحاول تستوعب الوضع، أما أركان فكان متماسك، عينه باردة وكأنه خلاص استعد للدور اللي هيلعبه.
وبعد مرور كام ساعه وصلوا البلد واقفين قدام فيلا كبيره مش زي ما كانوا متخيلين. مكان مراقب حواليه حراسه واقفين بسلاح بعد كل خطوه تمشيها دخلوا من بوابة حديدية، وكان في استقبالهم ست كبيرة في السن، لابسة طرحة قديمة وملابس منزلية. كان شكلها رحبت بيهم
بطه: “اتفضلوا… ده بيتكم دلوقتي… هشرح لكم كل حاجة.”
دخلوا للفيلا، وبعد ما فتحت بطه الباب الكبير، دخلوا لقوا المكان عبلره عن اوضه صغيرة،وفيها سرير صغير ودلاب وحمام صغير، وفي الزاوية كانت المطبخ الصغير اللي مافيش فيه غير بيتهجاز وحلتين وطبقين ومعلقتين بس.
“بطة” قاعدة على كرسي خشب قديم في الاوضه بتفتكر الماضي على فكره امك كانت صاحبتي الروح بالروح الله يرحمها، كانت ست أمينة بمعنى الكلمة… مش بس اسمها، لا، دي كانت أمانة بجد، وكانت غالية عند الحاج منصور، قد إيه كان بيثق فيها! كانت مميزة عن أي حد، يمكن علشان كانت تعرف أسراره، يمكن علشان كانت بتخدمه بإخلاص، بس اللي متأكدة منه إنها لو كانت لسه عايشة، كانت هتبقى في مكانة كبيرة عنده.” وكملت كلامها وهي تهز رأسها ببطء:
بطة: “علشان كده، أول ما الحاج منصور سمع إنك عايز تشتغل عنده، وافق من غير ما يفكر! بس اسمعني كويس… اللي بيدخل بيت الراجل ده لازم يكون قد المسؤولية، مش أي حد يقدر يستحمل!”
الحاج منصور مش أي حد… ده الراس الكبيرة هنا، الكلمة كلمته، والإشارة من إيده ممكن تقلب حياة بني آدم، عنده ولاد زي الاسود، “خليل” و”فؤاد”، دول مش بني آدمين، دول وحوش! وكل واحد فيهم عنده مراته اللي دماغهم زي السم، “نوال” مرات خليل، و”صباح” مرات فؤاد… دول يا ابني ما يعرفوش الرحمة، الستات دول ممكن يجيبوا أجلك لو لعبت معاهم غلط.”
قربت منه وهمست بحدة:
بطة: “اسمعني يا سعيد، لو عايز تكمل هنا وتفضل عايش، خليك زي أمك… أمين، ومميز، وخليك دايماً تحت عين الحاج منصور، لأنه لو حبك، حياتك هتبقى نعيم، ولو غضب عليك… يبقى الله يرحمك من دلوقتي!”
كملت وهي بتتكلم بصوت هادي لكنه مليان تحذير، كأنها بتحكي عن شياطين مش عن بشر.
بطة: “بص بقى يا سعيد… عيلة الحاج منصور دي مش أي عيلة، دول ناس لهم حسابات خاصة، وكل واحد فيهم ليه طبع يفرق عن التاني، بس في الآخر كلهم شياطين في صورة بني آدمين!”
بطة: “خليل، الكبير، عنده ولدين وبنت… “طاهر”، “سليم”، و”صفية”… طاهر ده أكبر واحد، وده عقرب سام، وشهمته مابتظهرش غير لما يكون عايز حاجة، داهية بجد، وعارف إزاي يوقع اللي قدامه في شر أعماله من غير ما حد يحس! سليم… ده العكس تمامًا، شخصيته غامضة وساكت على طول، بس لما بيتكلم كلمته بتوجع، ولو اتحرك، يبقى وراه مصيبة!”
وقفت، وقربت من سعيد، بصت له كأنها بتحاول تتأكد إنه مستوعب اللي بتقوله.
بطة: “أما فؤاد، عنده ولدين وبنتين… “مروان”، “عادل”، “رغدة”، و”نسرين”… بس اسمعني كويس، أخطر واحد فيهم هو مروان! الولد ده عينه زايغة، بيلعب بالبنات لعب، وكل ما يشوف واحدة جديدة، لازم يحاول يوقعها في شباكه، ودي مصيبة لازم تاخد بالك منه زيادة عن اللزوم! مش بعيد يلف حوالين مراتك من أول يوم، فخلي بالك كويس، وما تسيبهاش قدامه لوحدها أبدًا!”
شدّت طرحتها بحركة عصبية، وأكملت بصوت أخفض شوية:
بطة: “أما عادل، فده نسخة من أبوه، دماغه ناشفة وما يحبش الهزار، طول الوقت متحفّظ وما حدش يقدر يعرف هو بيفكر في إيه، بس في اللحظة اللي يغضب فيها… يبقى موتك على إيده. البنات؟ رغدة ونسرين… الاتنين مدلّعين قوي، عايشين في برج عاجي، شايفين نفسهم أحسن من أي حد، ولو واحدة فيهم حطتك في دماغها… الله يكون في عونك!”
سكتت لحظة، وبعدها بصّت له بحدة، وقالت بتحذير أخير:
بطة: “الناس دي لو حبّوك، حياتك هتمشي زي الفل، ولو كرهوك، مش هتشوف الشمس تاني… فخد بالك يا سعيد، وخلي دايمًا ودنك معايا، لأني الوحيدة اللي هتعرف تقول لك إمتى تتكلم وإمتى تسكت، وإمتى تهرب لو لزم الأمر!”
يلا تصبحوا على خير بُكرة إن شاء الله نكمل الكلام مش و هعلمكم الشغل كله، وهعرفكم على الحاج منصور وهل البيت كله وخلوا بالكم من الحاج منصور… الراجل ده له احترامه، وكلامه مابيتردش، فخلي بالكم وإنتوا بتتكلموا معاه، وكل كلمة تطلع من بقّكم تكون بحساب!”
بصّت لسعيد نظرة تحذير، وبعدها التفتت ناحية هنية وكملت:
بطة: “والستات هنا لازم يكونوا مؤدبين، لا ترفعي عينك في حد، ولا تفتحي بقّك بكلمة مالهاش لازمة… شغلك في المطبخ وخدمة الستات، وكل واحدة فيهم طباعها تختلف عن التانية، بس كلهم زي العقارب، فخلي بالك!”
اتنهدت وقالت:
بطة: “المهم… نكمّل كلامنا بُكرة، ولو في أي حاجة عايزين تعرفوها، أو أي سؤال جاي في بالكم، ابقوا قولوا لي… أنا هنا أعرف كل صغيرة وكبيرة، ومفيش حاجة بتحصل في الفيلا دي إلا وعيني عليها!”
بصة لهم آخر بصّة، وبعدها مشيت، وسابِتهم لوحدهم، وسط تفكيرهم في اللي جاي!
بعد ما خرجت بطة، ساد الصمت في الأوضة، كأنها سابت وراها طاقة سلبية تقيلة، ليلى كانت واقفة في نص الأوضة، دراعها متكتف، وبتبص لأركان بنظرة مليانة ضيق وقلق.
ليلى: “أنا مش مرتاحة للست دي… عينها مش بتبطل تلف، وكلامها كله تحذيرات… حسيت إننا داخلين على سجن مش بيت!”
أركان كان واقف جنب الحيطة، بيعدل كُم الجلابية اللي كان لابسها، ووشه مافهوش أي تعبير. رفع عينه وبص لها ببرود.
أركان: “ومفروض كنتِ متوقعة إيه؟ إنهم هيستقبلونا بالورد مثلًا؟”
ليلى: “مش قصدي كده… بس الطريقة اللي كانت بتتكلم بيها… بتحسسني إن أي غلطة صغيرة هتكون نهايتنا!”
أركان مشى ناحيتها بخطوات بطيئة، قرب منها شوية، خلى المسافة بينهم أقل، بص في عيونها مباشرة وقال بصوت واطي لكنه حاسم:
أركان: “وأي غلطة صغيرة فعلًا هتكون نهايتنا… دي مش حفلة تنكرية، إحنا في مهمة لو فشلنا فيها، محدش فينا هيخرج منها سليم!”
ابتلعت ريقها، حست برعشة خفيفة، لكنها رفعت راسها بتحدي، مش هتظهر قدامه إنها خايفة.
ليلى: “ما تخافش… مش ناوية أغلط!”
أركان ابتسم ابتسامة جانبية خفيفة جدًا، وكأنه بيتحدى كلامها، وبعدين لف وراح ناحية الباب.
أركان: “هنشوف!”
ليلى كانت واقفة وسط الأوضة، بتبص للسرير الصغير اللي شكله حتى لو نامت لوحدها عليه مش هتبقى مرتاحة، رفعت عينها لأركان اللي كان واقف عند الباب، صامت ومش مهتم، كأنه مستنيها تلاقي حل لوحدها.
ليلى (بتحاول تداري ارتباكها): احنا هنعمل ايه وهنام ازاي؟! “ممكن… يعني لو عندك فكرة تانية، يبقى كويس… لأن مستحيل السرير ده يكفينا.
أركان رفع حاجبه، بص للسرير اللي واضح إنه بالكاد يستحمل حد واحد، لكنه رد بنبرة هادية وواضحة:
أركان: “ما عنديش مشكلة أنام على الأرض بس خلي بالك… بكره الصبح لو حد دخل علينا وشفنا هنعمل ايه، المفروض نبقى متجوزين وده حال وهيطول فلازم نتعود ننام جنب بعض
ليلي سكتت للحظة، عارفه إن عنده حق، وفي نفس الوقت مش مستعدة تفتح نقاش ملوش لازمة. راح ناحية السرير، سحب المخدة الصغيرة ورماها عليه وقال :
أركان: “نامي، وأنا هنام على الطرف.
ليلى (بتحاول تسيطر على توترها): “مهو الطرف أصلا مش مكفيك، لو وقعت بالليل أنا ماليش دعوة.”
أركان تجاهل كلامها، تمدد على السرير، وغمض عينه، كأنه بينهي النقاش. ليلى سحبت الغطاء، واستلقت بحذر على الجهة التانية، حاسة إن المسافة بينهم تكاد تكون معدومة، لكن مفيش حل تاني.
مرت الدقايق، المكان هادي جدًا، مفيش غير صوت أنفاسهم. ليلى حاولت تفضل في مكانها، لكن مع التعب واليوم اللى كان طويل جدا عليهم ، جسمها استرخى تدريجيًا، وبحركة تلقائية وهي نايمة، قربت منه، رأسها استندت على صدره، وإيديها انسابت لا إراديًا فوق ضلوعه.
أركان حس بالحركة، فتح عينه بضيق، وعقد حواجبه.
رفع إيده وزحزح رأسها بهدوء، لكنه كان حازم، ما ينفعش تفضل قريبة منه بالشكل ده.
رجع حط راسه على المخدة، وغمض عينه تاني، محاولًا ينام.
بعد شوية…
حركة خفيفة تانية، جسمها قرب أكتر، وبدون أي مقدمات، رجعت حطت رأسها على صدره، أنفاسها الدافية بتلامس رقبته.
أركان فتح عينه بضيق للمرة التانية… لكن المرة دي، ما زحزحهاش.
فضل ثابت في مكانه، بص لتفاصيل وشها الهادي وهي نايمة، كأنها مش حاسة بالدنيا.
تنهد بهدوء، وساب نفسه يستسلم للحظة…
“خلاص، هي نايمة… ومش هتستوعب حاجة دلوقتي.”
غمض عينه، ورغم إنه كان عارف إن الموقف غريب، إلا إنه ما تحركش… سابها، وكمل نومه.
ليلى كانت مغمضة عينيها، لكن حاسة بحاجة مش طبيعية… فيه دفء غير مألوف، أول ما فتحت عنيها، استوعبت إنها مش بس نايمة على السرير الضيق ده، لا… هي ن
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية زواج في الظل ) اسم الرواية