Ads by Google X

رواية الفتاه التي حلمت ان تكون ذئبه الفصل الثلاثون 30 - بقلم اسماعيل موسى

الصفحة الرئيسية

     رواية الفتاه التي حلمت ان تكون ذئبه الفصل الثلاثون 30 - بقلم اسماعيل موسى


              ٣٠


30


اهتزت الأرضية المصقولة تحت أقدامهم، كأن القصر بأكمله ارتجف في خوف.

 تموجت الظلال على الجدران، وارتفع همس خافت كأن الأرواح التي كانت نائمة هنا منذ قرون قد استيقظت أخيرًا.


الملكة لم تتحرك، لكنها أدارت نظرها ببطء نحو القطعة العظمية التي ارتجفت على الأرض، ثم استقرت بلا حراك. للحظة، بدا أن شيئًا لم يحدث، ثم—


انطلقت شقوق سوداء من العظم، كأنها عروق تنمو بسرعة، تزحف على الأرضية الرخامية، تتجه مباشرة نحو العرش حيث جلست الملكة.


الجان من حولها تراجعوا على الفور، أعينهم تتابع المشهد في ذعر،حتى هم، بمكرهم وقوتهم، كانوا يدركون أن هذا لم يكن مجرد سحر عادي.


رعد، الذي لا يزال راكعًا، شعر بنبض غريب في جسده،كان الأمر كما لو أن القيود التي كبلته لسنوات بدأت تتآكل، كأن شيئًا داخله يستيقظ، شيئًا كان مخفيًا بعناية تحت لعنات لا تحصى.


أحس بصوت يهمس في أذنه، لكنه لم يكن صوتًا بشريًا.


"ليس بعد… لكن قريبًا."


رفعت الملكة يدها، وفي لمح البصر، اختفت الشقوق كما لو لم تكن موجودة. ساد القاعة صمت ثقيل.


ثم نظرت إلى ليلى، ولأول مرة، ظهر في عينيها شيء لم يكن غضبًا ولا سخرية.


كان فضولًا.


"أنتِ..." همست، ثم نهضت من عرشها ببطء، ثوبها الأسود ينساب حولها كالدخان. اقتربت خطوة، ثم أخرى، إلى أن وقفت أمام ليلى مباشرة. لم يكن هناك سوى مسافة أنفاس بينهما.


"ما أنتِ؟" سألت الملكة، وعيناها تلمعان باهتمام حقيقي.


ليلى لم تجب فورًا. كانت لا تزال تشعر بالطاقة تتدفق عبرها، لم تكن تعرف مصدرها، لكنها كانت تعرف شيئًا واحدًا—


لقد تغيرت.


"أنا..." ترددت للحظة، لكنها رأت انعكاسها في عيني الملكة، وابتسمت. لم تكن خائفة بعد الآن.


"أنا من سيكسر السلاسل."


وفي تلك اللحظة، انفجرت الرياح في القاعة كما لو أن أبواب العالم الآخر قد فُتحت.


رعد، رغم الثقل الذي غلّ جسده، رفع رأسه ببطء. كانت التعويذة تتغلغل في كيانه، تقيّد إرادته مثل سلاسل غير مرئية، لكنه لم يكن رجلاً يستسلم بسهولة. زفر ببطء، ناظراً إلى الملكة التي استرخت على عرشها وكأنها أنهت معركتها بالفعل.


بصوت أجش لكنه ثابت، قال: "إذا كنتِ تبحثين عن خدم، فهناك طرق أفضل من فرض الطاعة بالقوة. أبرمي معي صفقة، وسأعطيك ما هو أكثر قيمة من مجرد الولاء القسري."


ساد صمت ثقيل. بعض الجان حول الملكة تبادلوا نظرات متفاجئة، غير معتادين على أن يجرؤ أحد على التفاوض بعد أن أحكمت قبضتها عليه.


أما الملكة، فلم يبدُ عليها أي انفعال. فقط حدّقت به بعينيها الذهبيتين، قبل أن تنطق ببرود: "صفقة؟"


مالت قليلاً إلى الأمام، وواصلت، بصوت كأنّه ينساب مثل ماء سام: "أنت لستَ في موقع يسمح لك بالتفاوض، أيها الذئب."


نزلت عن العرش ببطء، وخطت نحوه. مع كل خطوة، شعر رعد بثقل التعويذة يضغط عليه أكثر، كأنها تثبّت سطوتها ليس بالكلمات فقط، بل بالحضور ذاته.


توقفت أمامه، ونظرت إليه كما لو كان مجرد شيء مثير للاهتمام، لا أكثر ولا أقل.


"الولاء القسري؟" همست، ثم مدّت إصبعها ولمست صدره بلطف قاتل. "أوه، لا تخطئ الفهم، هذا ليس ولاءً. هذا تحطيم تام لما كنتَ عليه."


شعر بكيانه يهتز، كأن كلماتها نفسها تعمّق أثر التعويذة.


"لا أريد صفقة معك." أضافت ببرود، "أريدك أن تكون لي بالكامل. جسدًا، روحًا، وذاكرة."


ثم، بابتسامة خافتة، همست: "وأنت… ستوافق."


رعد شهق بصمت، محاولًا الحفاظ على وعيه، لكنه شعر أن الخيوط غير المرئية التي تقيّده أصبحت أكثر إحكامًا.


لكن في أعماقه، وسط العتمة التي حاولت الملكة فرضها عليه، كان هناك شيء آخر، شيء صغير لكنه حيّ… شيء لم تستطع لمسه بعد.


هبّت الرياح في القاعة كأنها زئير عاصفة محتجزة منذ قرون. ارتفع ثوب الملكة السوداء قليلًا، وكأن الظلام نفسه كان ينبض تحت قدميها. لم تعد تبتسم، ولم يعد الفضول يشغلها. الآن، كان في عينيها شيء آخر—إرادة مطلقة، وسيطرة لا تقبل التحدي.


مدّت الملكة يدها ببطء، وبحركة بالكاد مرئية، رسمت بإصبعها رموزًا غير مألوفة في الهواء. اشتعلت الرموز بتوهج ذهبي باهت، لم يكن دافئًا بل باردًا، كأن النجوم نفسها قد جُرّدت من حرارتها واحتُجزت في هذا القصر.


"بالدم الذي سُفك قبل أن تولدوا،

وبالعهد الذي قُطع في ظلال العروش،

وبالرياح التي تحمل أسماء المنسيين،

أربطكم بإرادتي، فلا فكاك،

أكسر مقاومتكم كما يُكسر الزجاج،

وأطوعكم كما تُطوَّع الرياح.

ستخدمونني حتى أفك أسركم،

أو حتى تُمحى أسماؤكم من الوجود."


كل كلمة نُطقت لم تكن مجرد صوت، بل كانت طاقة خالصة، خيوط غير مرئية امتدت عبر القاعة كأنها يد خفية تحاول الالتفاف حول رعد ورفاقه.


شعر رعد بشيء يشد جسده، لم يكن مجرد ضغط، بل كأن كيانه ذاته يُعاد تشكيله ليكون أداة بيد هذه المرأة. حاول أن يقاوم، حاول أن يدفع الطاقة بعيدًا، لكن التعويذة كانت أقوى من أي شيء واجهه من قبل. لم تكن مجرد كلمات، بل كانت قانونًا جديدًا يُفرض عليه.


ملوك الجان لا يستخدمون السحر كما يفعل البشر أو المخلوقات الأخرى.


إنهم لا "يُلقون" تعاويذ، بل يغيرون قوانين الواقع حولهم. عندما يتحدث ملك جان، فإن كلماته ليست مجرد أصوات، بل هي شفرات تنسج نسيج العالم نفسه. إنهم لا "يطلبون" من السحر أن يعمل—بل يفرضونه على الكون بالقوة.


رعد شعر بالتعويذة تتسلل إلى داخله، إلى عظامه، إلى دمه. رأى ليلى تتراجع للخلف، شفتيها تتحركان كأنها تحاول أن تتلو شيئًا، لكنها لم تستطع. الطاقة أحاطت بها كما أحاطت به، كأنها شبكة من الأوامر التي لا يمكن خرقها.


ماجي كانت الوحيدة التي لم تسقط على ركبتيها بعد، لكنها كانت تهتز، وعيناها تومضان برفض صامت. لكنها، مثلهم جميعًا، لم تكن قادرة على المقاومة.


عندما انتهت الملكة من تلاوة تعويذتها، انحنى الهواء حولها كأن القاعة بأكملها قد رضخت لإرادتها. نظرت إلى رعد، الذي كان لا يزال يكافح للنهوض، وابتسمت.


"الآن، أنتم لي."


ثم، دون أن تنتظر، استدارت وجلست على عرشها مجددًا، وكأن كل شيء قد انتهى.


لكن رعد، حتى وهو يلهث تحت وطأة التعويذة، شعر بشيء آخر.


شيء لم تتوقعه الملكة.


شيء في أعماقه لم ينكسر بعد.


همس رعد بصعوبه، اريد ان اعرف مكان أمير الجان الأحمر ريان وسأمنحك كل ما ترغبين به نطق رعد بصعوبه رغم احكام التعويذة عليه


عندما نطق رعد بتلك الكلمات، لم يتغير شيء للحظات،كانت الملكة لا تزال تراقبه بعينيها الذهبيتين الهادئتين، كأنها لم تتأثر. لكن من حولها… الجان لم يستطيعوا إخفاء ردود أفعالهم. البعض تصلّب في مكانه، آخرون تبادلوا نظرات خاطفة، وكأنهم سمعوا شيئًا محرّمًا.


ريان… أمير الجان الأحمر.


كان اسمه وحده يكفي ليقلب الأجواء، ليخلق توترًا غير مرئي في القاعة.


أما الملكة، فقد ظلت صامتة للحظات أطول مما ينبغي. كان ذلك وحده إشارة كافية.


رعد، رغم الألم، لاحظ ذلك. لم يكن يعرف القصة كاملة، لكنه رأى شيئًا في عينيها للحظة… شيئًا شبيهًا بالغضب المكتوم.


ثم، بابتسامة بالكاد تُرى، انحنت قليلًا وهمست: "أنت تحاول أن تساومني بما ليس لديك."


لكن صوتها، رغم هدوئه، حمل شيئًا آخر… شيئًا يشبه الحذر.


رعد لم يرد الاستسلام. قبض على أنفاسه، وصوته كان بالكاد يخرج، لكنه قال: "أعرف كيف أبحث… أعطني الحرية، وسأجد لكِ ما لا يستطيع أحد غيري إيجاده."


الملكة نظرت إليه طويلاً. كانت أفكارها تتحرك خلف نظرتها الثابتة، لكنه لم يستطع قراءتها بالكامل.


ثم، وببطء، ابتسمت—لكن ليس بلطف، بل ببرود يشبه شفرة سكين.


"حرية؟" همست، كأنها تذوق الكلمة بسخرية. "لا، أيها الذئب، لن تحصل على ذلك. لكن… ربما سأسمح لك بأن تبحث لي عن أمير الجان الأحمر بطريقتي."


استدارت مبتعدة ببطء، ثم رفعت يدها. وفي لحظة، شعر رعد بشيء يشدّه من الداخل، كأن الخيوط التي تقيّده أصبحت أكثر عمقًا.


"من الآن فصاعدًا، ستبحث لي عن أمير الجان الأحمر، ليس بإرادتك، بل بإرادتي."


ثم، بهمس لم يسمعه سوى هو، أضافت:


"ولن تستطيع إخفاء أي شيء تجدُه عني… حتى لو حاولت."


كانت قد ربطت مصيره بمهمته، وجعلت كل خطوة نحو الحرية مجرد وهم.


يتبع الفصل التالي اضغط على (الفتاه التي حلمت ان تكون ذئبه) اسم الرواية

google-playkhamsatmostaqltradent