رواية فراشة المقبرة الفصل الثاني والثلاثون 32 - بقلم اسماعيل موسى
❋❋❋
في اللحظة التي دوى فيها صوت الطلق الناري، أدركت زهرة أن الفرار لم يصبح خيار ، وأن الوقت قد نفد.
لم يكن أمامها سوى انتظار مصيرها، لكن فجأة، ومن العدم، جاءهُ الصوت الهادئ العميق الذي أصبح مألوفًا لها.
— "انزلى بسرعه يا دكتورة
قبل أن تستوعب، شعرت بيد قوية تمسكها وتسحبها إلى الأرض
جسدها يشعر بالألم لكن الشاب الذي أنقذها لم يسمح لها بالبقاء طويلاً، سحبها خلفه بسرعة، مستخدمًا العتمة كدرع يخفيهما عن الأنظار.
كانت أنفاسه ثابتة رغم التوتر، بينما كانت أنفاسها متقطعة، مليئة بالخوف والرعب ومن قبضة يده الحديديه
— "إزاي عرفت إنهم هنا؟" همست، بالكاد تتحكم في ارتعاش صوتها.
— "مش لازم يظهرو عشان اعرف انهم هنا ردّ بهدوء، وكأن ما يحدث مجرد لعبة اعتادها، الكلاب بنسمع نباحها من مكان بعيد جدا
أشار لها بالبقاء منخفضة، ثم تحرك بسرعة. لم تكن متأكدة مما فعله، لكنها سمعت صوت ارتطام شيء ما، ثم صوت محرك سيارة يُشغل بعيدًا عنهم.
— "دلوقتي" قالها بإيجاز، ثم أمسك يدها مرة أخرى وسحبها بين الحقول التى تكفلت بخفائهم، بينما اختفى كريم الشاب الأخر ولم تراه فى الجوار
❋❋❋
ورغم العتمه إلا أن الأقدام التى تتبعهم لم تكن بعيده
واصلا السير حتى ظهرت سياره قديمه متوقفه على الطريق ، الباب كان مفتوحًا، وكريم يجلس خلف المقود، يراقب الطريق بعينين مذعورتين.
قبل أن يصلو السياره امطرهم الرصاص، اعيره ناريه انطلقت من كل حدب وصوب
سحب الشاب زهره بيد مرتعشة ثم همس انحنى على الأرض
مترفعيش وشك خالص يا دكتوره
ثم رفع وجهه لحظه وكان يغمغم، خمسه، سته سبعه قبل أن ينحنى مره اخرى
وضع وجه زهره المرتعبه بين يديه ولم ترى سوى لمعة عنيه وهمس انا عايزك تثقى فيه ممكن؟
ترددت زهره، كيف تثق بانسان لا تعرفه، لكن صوت الرصاص لم يمنحها فرصه للتردد
حاضر
اريدك ان تصرخى بصوت مسموع، ممكن؟
اتمى العدد لعشره واصرخى
اختفى الشاب الان، عدت زهره واحد اثنان حتى وصلت عشره ثم أطلقت صرخه ووقفت فى مكانها
هناك يا رجاله سمعت زهره صوت احد رجال العمده على النزاوى، الذى كان يركض نحوها
وصل الرجل زهره وأطلق ابتسامه بتصرخى يا قوطه؟
خايفه من الضلم... لم يتم كلمته انغرست سكينه فى عنقه وسقط أرضا
سحب الشاب بندقية الحارس وانبطح على الأرض
دكتوره ضعى يديك فوق اذنك
كان الرجل يركضون نحو مصدر الصوت عندما انطلقت رصاصات الشاب التى اسقطتهم واحد تلو الآخر
يلا بينا، سحب الشاب زهره من يدها خلفه
همست زهره انت أزاى ماشى كده ومش خايف منهم؟
لأنهم ماتو أجاب الشاب باقتضاب
متأكد أزاى؟
استدار الشاب نحو زهره لانى عارف عددهم يا دكتوره
الكلب الكبير دايما بيخلى مجموعه من الرجال يحوطوه
مش بيغامر ويبعت الرجال كلهم
— "لازم تخرجي من هنا، دلوقتي."
— "طب إنت؟ هيعملوا فيك إيه لو لقَوك؟"
ابتسم بسخرية، تلك الابتسامة التي لم ترها لكنها شعرت بها في نبرته.
— "انا ميت من زمان يا دكتوره
شعرت برغبة غريبة في قول شيء ما، أي شيء يبقيه معها للحظة أطول. لكنه لم يمنحها الفرصة.
أدار وجهه أخيرًا نحوها، ونظر إليها مباشرة.
كانت تلك النظرة… غريبة.
ليست نظرة امتنان لإنقاذه لها، ولا نظرة شخص يعرفها جيدًا، ولا حتى نظرة وداع تقليدية،بل نظرة اثنين التقيا صُدفة، رغم أنه لم يكن من المفترض أن يلتقيا أبدًا
. نظرة تحمل شيئًا من التقدير، وشيئًا من الوداع المُسبق، كأن كل شيء انتهى قبل أن يبدأ.
كانت نظرة طويلة، أثقل من الكلمات التي لم تُقال.
عندما وصلا السياره
دون أي تعليق، استدار الشاب وسار مبتعدًا.
❋❋❋
— "زهرة، اركبي!" صاح كريم، يضرب المقود بيده، عيناه تراقبان الطريق بتوتر.
لكن زهرة بقيت متسمّرة للحظات، تراقب الرجل الذي أنقذها وهو يختفي بين الأشجار.
أرادت أن تسأله عن اسمه، أن تعرف أكثر، لكنه اختار الرحيل.
وبدون كلمة أخرى، صعدت زهرة السيارة، وأغلقت الباب خلفها.
تحركت السيارة ببطء، تاركة خلفها القرية التي لم تكن تعرف ان كانت ستعود إليها مره اخرى
•تابع الفصل التالي "رواية فراشة المقبرة" اضغط على اسم الرواية