Ads by Google X

رواية زواج في الظل الفصل الرابع 4 - بقلم ياسمين عطيه

الصفحة الرئيسية

  

رواية زواج في الظل الفصل الرابع 4 - بقلم ياسمين عطيه

بعد يوم طويل، فضلت ليلى شغالة في التنظيف، بتلمع الأرض وتمسح التراب، وتحاول تبان على طبيعتها قدام باقي الخدم، في حين إن أركان كان مشغول بفتح الباب وقفله كل شوية، عمال يراقب الناس اللي داخلة و خارجة، بيدرس كل حركة، ويفكر هيزرع نفسه وسطهم إزاي عشان يعرف كل كبيرة وصغيرة عن العصابة.
في أوضة النوم البسيطة اللي مخصصينها لهم، ليلى كانت قاعدة على السرير بتتكلم بحماس، بتحكي لأركان اللي حصل طول اليوم، عن الست اللي كانت بتزعق لها عشان سابت بقعة مية على الأرض، وعن الراجل اللي سألها عن أكل النهاردة كأنها شغالة عنده بقالها سنين.
ليلى وهي بتتكلم كانت متحمسة، بس أركان كان قاعد ساكت، إيده متشابكة، وعينه متعلقة بالسقف، سامعها بس مش مركز، مستني أي كلمة ممكن تكون مفيدة للمهمة، لكن من وجهة نظره كل اللي بتقوله مالوش أي قيمة.
وفجأة، وهو بيمسح إيده على وشه، لمح ظل حد واقف عند الشباك، ملامحه ما كانتش واضحة بسبب العتمة، بس الحركة كانت واضحة جدًا. بسرعة شاور لليلى على بُقه بمعنى تسكت. ليلى سكتت فورًا، قلبها دق بسرعة، عيونها اتسعت بخوف.
أركان رفع إيده وفتح الشباك فجأة، ولقي نسرين واقفة بتبص عليهم بعيون مليانة فضول، اتلبخت لما شافته، لكنها بسرعة رسمت ابتسامة مصطنعة وقالت بصوت ناعم:
نسرين: “كنت بسأل لو محتاجين حاجة!”
أركان رفع حواجبه، وقرب منها شوية وهو بيحاول يخفي نبرة السخرية:
أركان: “وأنتِ بقالك قد إيه بتسألي؟”
نسرين ابتسمت ابتسامة مغلولة وهي بتعدل طرحتها:
نسرين: “يا راجل ده أنا لسه واقفة حالًا!”
أركان ابتسم ببرود وهو بيقفل الشباك بهدوء، ثم بص ليلى وقال بصوت منخفض:
أركان: “شكلنا مش لوحدنا هنا أبدًا، خلي بالك وإحنا بنتكلم.”
ليلى بلعت ريقها وهزت رأسها بالموافقة، لكنها كانت متأكدة إن نسرين ما وقفتش عند الشباك دي بالصدفة…
لفه نسرين وخبطت على الباب
أركان فتح الباب بهدوء بص لنسرين بنظرة حادة، لكنها بسرعة رسمت ابتسامة واسعة كأنها مش عاملة حاجة غلط.
نسرين: “أنا كنت بس جاية أسأل لو محتاجين حاجة… وبالمرة كنت عايزة أشوف ألبوم فرحك يا هنية، أكيد عندك صور حلوة، مش كده؟”
ليلى بصت لأركان كأنها بتستنجد بيه، لكنه فضل ساكت، عارف إنهم لازم يفضلوا في الدور وما يثيروش أي شكوك.
ليلى بابتسامة متوترة: “آه طبعًا… بس هو بسيط يعني، مش حاجة واو.”
نسرين ضحكت ضحكة خفيفة وقالت: “ولا يهمك، تعالي معايا أنا ورغدة وصفية، نقعد مع بعض شوية.”
أركان رفع حاجبه، كان عارف إن الموضوع مش مجرد فضول بريء، بس اضطر يوافق بإيماءة بسيطة لليلى، اللي وقفت بتردد ومسحت إيدها في هدومها بتوتر.

لما دخلت ليلى الأوضة الفخمة اللي كانوا قاعدين فيها، أول ما شافتها رغدة وصفيه بدأوا يرمقوها بنظرات متعالية.
رغدة بابتسامة صفراء: “ياه… العروسة وصلت! بصراحة يا هنية، أول مرة أشوف خدامة تعمل فرح، كان عامل إزاي بقى؟ فين المكان؟ فوق السطوح ولا في حوش البيت؟”
ضحكوا كلهم بصوت عالي، وليلى حسّت بإهانة شديدة، بس حاولت تتمالك نفسها.
صفية بتريقة: “وأكيد الفستان كان من سوق الجمعة، ولا لبستي اللي كنتي بتخدمي بيه وزودتي طرحة؟”
نسرين بضحكة جانبية: “لا يا بنتي، أكيد فستانها كان مميز، يمكن كان فيه تطريز كده من اللي بنشوفه على المفارش!”
ضحكوا تاني، وليلى حسّت عينيها بتدمع، لكنها بلعت غصتها، مش هتبين ضعفها قدامهم.
وفجأة الباب اتفتح بعنف، وصوت ست غاضب ملأ المكان:
“إنتوا إزاي قاعدين مع خدامة؟! دي مش من مستواكم!”
كانت صباح، والدة رغدة، كانت واقفة وعينيها مليانة استحقار وهي بتبص لليلى، ونوال، والدة صفية، كانت جنبها بنفس النظرة.
ليلى حسّت إنها مش قادرة تتنفس للحظة، قلبها كان بيدق بسرعة، لكنها قررت تفضل ثابتة… مهما حصل، هي مش هتضعف قدامهم!
صباح واقفة قدام ليلى، باستعلاء واضح في نبرة صوتها، قالت:
” انزلي يا بنت شوفي وراكي إيه تحت.”
ليلى، في قلبها خايفة، حست بقشعريرة، لكن حاولت تسيطر على نفسها. ابتسمت بس ابتسامة متوترة، نزلت ببطء، شايلة ألبوم الصور في حضنها، وكل خطوة كانت بتزيد من وزن الهم اللي على قلبها. الدمعة كانت قريبة، بس قبل ما تنزل، مسحت دموعها بسرعة.
ما كانتش عايزة تبين لأي حد إنها متأثرة، خصوصًا قدامهم. لما وصلت لتحت، شافت أركان واقف، كان واقف زي ما هو دايمًا، بارد، لكن النهاردة كان فيه حاجة في عينيه خلتها تحس إنه لاحظ حاجة. بس نظراته كانت مليانة تساؤل، يمكن حس إن في حاجة مش مظبوطة، بس ما قالش حاجة.
في اللحظة دي، ليلى كانت مش قادرة تتحكم في دموعها، بس حاولت تبين إني هي مش مهتمة بكل ده، ومش هتسمح لأحد يشوف ضعفها. قررت تواصل المشي، دخلت الأوضة ونامت على السرير، اتنهدت بعمق عشان تحاول تهدى.

اثناء ليلي وهي ماشية في الجنينة، مروان شفها من بعيد بيقول بنبرة مليانة وقاحة:
“أفضلك بس يا قمر، ومش هحلك.”
طاهر لاحظ مروان بيبص لحد، فسأله وهو بيرفع حاجبه بشك:”مين دي؟”
مروان غمز بطريقته المعروفة وقال بابتسامة متعجرفة:”البت الخدامة الجديدة.”
سليم ضحك بصوت واضح وقال وهو بيهز راسه:
“يا ابني حرام عليك، انت طفشتهم كلهم، ارحم نفسك وارحمنا.”
مروان كان قاعد بمزاج رايق، شارد بعينيه كأنه بيستمتع بفكرته، وقال وهو بيتنهد وكأنه بيتكلم عن شيء مقدس:
“الستات دي كيف زي الهوا كده، انت تقدر تعيش من غير هوا؟”
سليم ضحك أكتر وهز راسه:
“لا طبعًا، ازاي!”
مروان ضحك بخبث، وبعدها رجع لطبعه المستهتر وهو بيقول:
“نفس المبدا بالظبط جبت الستات في الشقة يا عادل.”
عادل، قال رسول بشهوه وهو بيعدل وضعه:
“جاهزين، أربع ستات فورتيك على الفرازة.”
مروان قعد يضحك ضحكته المستفزة وقال وهو بيبص لعادل بنظرة كلها استمتاع:
“أحبك وانت مدلعني يلا بينا ”
ــــــــــــــــــــــــــ
في الطابق العلوي، وقفت صفية عند الشباك، عينيها مليانة غضب وهي بتراقب المشهد اللي تحت. مروان كان ماشي قدامها بثقة، وبيركب العربيه هو والشباب كلها
صوتها كان عالي وهي بتزعق:

“شوفي ابنك الصايع يا مرات عمي! واخدهم أهودي، وتلاقيهم رايحين على الشقة بتاعته اللي بيعمل فيها كل حاجة وحشه وكر لكل البلاوي! أنا مش فاهمة إزاي جدي ساكت لهم!”
صباح كانت قاعدة على الكرسي الهزاز، رجل على رجل، وبضحكة خفيفة كلها لا مبالاة، ردت وهي بتشرب قهوتها:
“شباب يا بنتي، وبيعشوا لهم يومين.”
صفية اتنفضت، حركت إيديها بتوتر، ملامحها كانت متشنجة وهي بتقول بحدة:
“يومين إيه يا مرات عمي؟ ده قرف وحرام! أنا مش عارفة إزاي ما عندهمش دم، ولا حتى اللي المفروض هتجوزوا، مهما أقول ومهما أمنعه، بيعمل اللي في دماغه بردو ولا ولا كاني فارقه معه!”
نوال كانت قاعدة جنب صباح، عدلت الإيشارب بتاعها بهدوء وقالت بصوت بارد:
“يا بنتي الرجالة دي أكتر صنف عندي، أي حاجة تقولي له عليها لا، هيروح يعملها. كبّري دماغك، ده يومين وهيبطل. أول ما هيتجوزك، ربنا هيهديه.”
صفية شهقت بصدمة، حركت إيديها بعصبية، وصرخت وهي تبص لهم وكأنهم مخلوقات غريبة:
“أنا مش فاهمة إزاي بتفكروا بالسلبية دي!”
بصت ناحية رغدة ونسرين، عينيها مليانة رجاء:
“ما تتكلموا! ما تقولوا حاجة! ولا أنتم راضيين عن الوضع؟”
نسرين هزت كتفها بلا مبالاة، وعملت حركة بشفايفها كأنها بتقول “وأنا مالي؟”. كانت قاعدة على الكنبة بتلعب في موبايلها، كأن الكلام ده مش يخصها.
أما رغدة فكانت غارقة في التفكير، صوتها طلع أخيرًا، لكنه كان محمل بخيبة الأمل:
“أنا وجعت قلبي كتير مع أخوكي، وهو ماشي مع أخويا البايظ ومبوظه.”
صباح فجأة صوتها علي وهي بتزعق:
“بس يا بنت! ما تقوليش على أخوكي كده!”
رغدة زفرت بضيق، عينيها فيها مرارة:

“أهو دلعك ده هو اللي مبوظ ومخليه يعمل اللي بيعمله ده!”
صباح رفعت حاجبها، ضربت رغدة بكف إيديها على كتفها بخفة، لكنها كانت نظرة تهديد:
“ما تعليش صوتك عليا، وبعدين إحنا مش في قعدة وعظ. الرجالة كده، بمزاجك وغصب عنك انت هتتجوزي سليم وصفيه هتتجوز عادل وطاهر هيتجوز نسرين ومروان نبقى نشوف له عروسه بنت ناس برده.”
نسرين كانت قاعدة على الكنبة بإهمال، رجل فوق رجل، وعينيها فيها تحدي واضح، مسكت كوب العصير اللي قدامها ورجته ببطء، قبل ما ترفع حاجبها بسخرية وهي بتقول:
“أنا قلت مية مرة… أنا مش هتجوز طاهر طب رغده بتحب سليم وصفية بتحب عادل انا مش بحب طاهر”.
صباح كانت قاعدة على الكرسي الهزاز، إيدها متشابكة قدامها، نظرتها كانت ثابتة على نسرين وكأنها بتفكر إزاي تسيطر عليها، صوتها طلع هادي لكنه كان محمل بحدة واضحة:
“بس طاهر بيحبك! مش مهم انتِ بتحبيه ولا لأ.”
نسرين ضحكت بسخرية، رمت الكوباية على الترابيزة بحدة، ومالت بجسمها لقدام وهي بتبصلها بتحدي، صوتها كان مليان عناد وهي بترد:
“وده اسمه إيه بقى؟ جواز بالإجبار؟”
نوال كانت قاعدة جنب صباح عينيها كانت كلها جبروت، رفعت كف إيدها بإشارة تحذير وهي بتتكلم بصوت منخفض لكنه كان قاطع:
“اللي جدكم هيقول عليه هو اللي هيحصل… مفيش حاجة بمزاجكم، انتوا مش مخيرين!”
نسرين بصتلهم بعدم اهتمام، سحبت نفس عميق ونفخته بكسل، قبل ما تقوم من مكانها وتعدل هدومها:
“أنا مش عيلة عشان حد يفرض عليَّ حاجة، واللي في دماغي هو اللي هيحصل.”
صباح وقفت فجأة، الكرسي الهزاز اتحرك وراه بقوة مع حركتها، عينيها كانت بتلمع بغضب وهي بتوجه كلامها لنسرين:
“أوعي تكوني فاكرة إنك أقوى مني! اللي هيحصل، هيحصل، سواء برضاك أو غصب عنك.”
نسرين بصتلها نظرة كلها برود، قبل ما ترفع حاجبها تاني، وضحكة خفيفة تلعب على شفايفها:

“هنشوف مين اللي هيكسب في الآخر.”
وسابتهم وخرجت، وهي عارفة إنها أشعلت نار مش هتنطفي بسهولة.
ــــــــــــــــــــــ
في الغرفة اركان وليلى اللي نورها خافت، كان أركان بس فجأة حس بحركة خفيفة جنبه.
ليلى
بهدوء، زحفت ناحية أركان، كأنها بشكل لا واعي بتدور على أي أمان وسط دوامة التعب والوجع اللي جواها. راسها استندت على كتفه برفق، نفسها كان منتظم لكنه تقيل، كأنها كانت بتقاوم البكاء طول الليل، وجسمها كان واضح عليه الإرهاق.
أركان حس بيها، عينيه فتحت ببطء، مش باندهاش، لأنه تقريبًا بقى متوقع ده، بص ليها بطرف عينه، ملامحها في النور الخافت كانت باينة عليها الإنهاك، والوجع اللي مكانش محتاج كلام عشان يتقال.
عادته دايمًا إنه لو حس بحركة بيصحى، ينبه نفسه، يبقى في حالة استعداد، بس المرة دي سابها.
مكنش رومانسي، مكنش حتى تعاطف صريح، كان مجرد لحظة فهم، لحظة إدراك إنه مش لازم يقول حاجة أو يعمل حاجة، يكفي بس إنه ميتحركش، ميسحبش نفسه بعيد، ميسيبهاش تحس إنها لوحدها أكتر ما هي حاسة.
غمض عينيه تاني، نفس عميق خرج منه، وقرر إنه لو ده هيديها إحساس بالأمان ولو للحظة، فهو مش هياخده منها.
ــــــــــــــــــــــ
صباح يوم جديد على الجميع
ليلى فتحت عينيها ببطء، دماغها لسه تقيلة من النوم، بس فجأة استوعبت الوضعية اللي هي فيها… نفس المكان، نفس الوضع، نفس القرب اللي كان المفروض ميحصلش تاني، بس حصل.
عينيها اتسعت بسرعة، وقلبها دق بقوة وهي بتبعد نفسها بسرعة، تحاول تلم نفسها كأنها كانت عاملة كارثة. أركان كان لسه مغمض عينيه، بس واضح إنه حاسس بالحركة، نفس عميق خرج منه وهو بيفتح عينه ببطء، نظرة واحدة ليها كانت كفاية عشان يفهم إنها في قمة الإحراج.

ليلى بارتباك، وهي بتشد الغطا على نفسها كأنها بتحاول تخفي نفسها فيه:
– والله غصب عني… السرير ضيق وتقريبًا دي حركات تلقائية فيَّا، أنا أصلًا حتى لو كنت في بيتنا كنت بحضن المخدة، بس زي ما انت شايف… ما فيش مخدة عشان أحضنها.
حاولت تضحك ضحكة متوترة وهي بتحاول تبرر، بس صوتها كان مهزوز، مش قادرة تبص في عينه حتى.
أركان قعد على السرير بكسل وهو بيعدل وضعه، نظرته كانت هادية وفيها لمعة خفيفة، ابتسامة جانبية ظهرت على شفايفه وهو بيقول بمرح:
– فبتحضنيني أنا بدل المخدة يعني؟
ليلى شهقت وهي بتحمر، بسرعة نطت من على السرير وهي بتلخبط في كلامها:
– لااااا! مش قصدي كده… أنا… أنا كنت نايمة وخلاص… مش بإيدي والله!
أركان ضحك ضحكة خفيفة وهو بيهز راسه:
– عارف… بس شكلك لسه متعودة على الوضع ده، يا ترى إمتى بقى هتبطلي العادة دي؟
ليلى وقفت عند الباب وهي بتحاول تلاقي رد مناسب، بس عقلها كان متوقف تمامًا، ملامحها مشحونة بالخجل، وفي الآخر قالت بسرعة:
– أنا… أنا هروح أشوف ورايا إيه.
وطلعت بسرعة وهي بتداري وشها، سابت أركان وراه بيهز راسه بابتسامة خفيفة، شافها خجولة للمرة الأولى بالشكل ده، ودا شيء غريب… بس مش سيئ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
كانت السفرة مليانة بأصناف الأكل، ورغم الدفء الظاهري في الجو، كان فيه توتر واضح. صباح وهي بترمي نظرة جانبية لنسرين، كانت بتقصد تضايقها، ابتسامة خفيفة على طرف شفايفها وهي بتتكلم بصوت ناعم لكنه يحمل خبث:
– بقولك إيه يا بابا… إحنا عايزين نفرح بقى، أنا شايفة إن ده الوقت المناسب… عايزة أشيل أحفادي، مش كفاية اللي استنينا!
صلاح وهو بيهز رأسه ببطء، صوته كان تقيل وكأنه بيصدر قرار:
– فكرة مناسبة… ولا إيه رأيكم يا شباب؟

كل الأصوات جاوبت في وقت واحد، كأنهم حفظوا الرد:
– اللي تشوفيه يا جدو.
كلهم… إلا نسرين.
نسرين كانت قاعدة بملامح متوترة، دقات قلبها عليت، وإيدها شالت المعلقة من الطبق ببطء. خدت نفس عميق، بس قررت تقولها:
– لا… أنا مش موافقة.
المكان كله سكت… الكل بص لها كأنها عملت كارثة.
مخلد جدها رفع عينه ليها، ووشه اتقلب في لحظة، عروقه نبضت على جبينه، ومع أول رعشة غضب في صوته، المكان كله اتكهرب:
– إنتِ إزاي تقدري تردي عليا؟! إزاي صوتك يطلع قدامي؟!
صوته انفجر في المكان زي الرعد، قلب السفرة بالكامل، الأكواب اهتزت، وحتى الملاعق سكتت وسط الأطباق. كل اللي قاعدين بقوا في حالة ذهول، محدش نطق.
نسرين خدت خطوة للخلف لا إرادياً، وشها بقى شاحب، بس نظرتها فضلت ثابتة رغم أنفاسها المرتبكة.
مخلد ضرب بكفه على الطاولة بقوة، الطبق اللي قدامه اتحرك، وصوته نزل زي المطرقة:
– اعتراض إيه؟! القرار اتاخد… والفرح الخميس الجاي!
سكت لحظة وهو بيحدق فيها بنظرة تخلي الدم يتجمد في العروق:
– واسمع صوتك تاني… بس مش اعتراض!
كل اللي قاعدين حسوا بالقشعريرة، نسرين ابتلعت ريقها بصعوبة، بس كان واضح إنها مش قادرة ترد… مش قادرة حتى تتنفس.
وبعد ما مشي الجد
نسرين سابت السفرة ودموعها على خدها، قلبها كان بيدق بسرعة وهي بتجري على أوضتها، مش قادرة تستوعب اللي حصل، مش قادرة تصدق إن حياتها بتتحدد في لحظة بدون ما يكون ليها أي رأي.
طاهر كان متابعها بنظرة مكسورة، إيده اللي كانت مسنودة على الطاولة قبضت عليها بقوة، كان زعلان… زعلان عليها، وزعلان على نفسه، لأنه رغم كل حاجة، بيحبها… وهي ما بتبادلهش أي مشاعر.

بعد ما الجد مشي، فضل الصمت لحظة تقيلة، قبل ما صفية تبص لمراة عمها بعتاب، صوتها كان هادي بس فيه نبرة اعتراض واضحة:
– ليه كده يعني؟
صباح رفعت حاجبها باستخفاف وهي بتاخد رشفة من كوب الشاي اللي قدامها، نبرتها باردة:
– هو أنا اللي كنت قلت لها تعترض على قرار جدها؟!
رغدة حطت إيدها على الطاولة وهي بتبص لصباح بعدم رضا:
– أنتِ قصدك تستفزيها عشان هي اعترضت امبارح… كنتِ تستني فترة وبعدين تفتحي الموضوع، مش على الحامي كده!
نوال ضحكت ضحكة قصيرة وهي بتحط معلقتها بهدوء، نظرتها فيها خبث واضح:
– حلاوتها وهي على الحامي! وبعدين كفاية كده… ده الوقت المناسب عشان تتجوزوا، هو أنتوا هتقعدوا لما توصلوا للتلاتينات؟!
صمت لحظة… قبل ما تضيف بنبرة واثقة وهي بتقلب عينيها على البنات:
– اللي في دماغ جدكم هو اللي هيحصل، وكل واحدة فيكم تعرف مكانها كويس، مش مستني رأي من حد!
الجو كان خانق، كله ساكت… بس الصمت كان بيتكلم أكتر من الكلام نفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في المطبخ
المطبخ كان مليان حركة… الأطباق بتتوضب، الشاي بيتصب، والخدم قاعدين على طبلية صغيرة في ركن المطبخ، بيحاولوا يفطروا بسرعة قبل ما حد ينادي عليهم. الجو كان عادي… لحد ما فجأة صوت الجد هز المكان، صوته كان عالي بشكل مرعب، وكأن البيت نفسه اهتز من العصبية اللي فيه.
ليلى كانت لسه بتحاول تبلع لقمة العيش اللي في بقها، لكن أول ما سمعت الصوت انتفضت، اللقمة وقفت في زورها، قلبها دق بسرعة، وبصت حواليها بخوف واستغراب.
ليلى (بتوتر وهي تبص للي حواليها): إيه اللي بيحصل بره؟!
بطه وهي بتقوم من على الاكل :دا شكلها القيامة قامت… حد عصّبه ولا إيه؟

أم سعاد (وهي تمسح إيديها في مريولها وتهز راسها بيأس): محتاج حد يعصّبه؟! هو من غير حاجة عصبي!
محروس (وهو يبلع ريقه بخوف، ويبص للباب وكأنه متوقع أي حد يدخل ويزعق فيهم): ربنا يستر… العصبية دي غالبًا هتنزل علينا إحنا في الآخر!
صابر (بمرح وهو بيرفع الحلة الصغيرة اللي قدامه ويغمز لليلى): أهو اديك شفتي بعينك، عشان بعد كده تبقي تفكري ألف مرة قبل ما تزعليه!
ليلى (بترمش مرتين، ولسه مش مستوعبة الفوضى اللي برا): دا شكله مرعب أوي… الناس هنا بتستحمل العصبية دي إزاي؟
محروس (وهو يضحك بسخرية): محدش بيستحمل… إحنا بنتعايش!
بطه رفعت رأسها، ونظرت لهم نظرة حادة. كانت بتوجه الكلام، ومفيش مكان لأي تهاون أو تقصير.
بطخ (بصوت حاد): النهاردة كل واحد يخلي باله من شغله كويس قوي، مش عايزة أي غلطة، لو في الأيام العادية بتخلوا بالكم من شغلكم وتلتزموا بكل حاجة بنسبة 100%، النهاردة التزموا بنسبة 110%. مش عايزة ولا غلطة عشان ما يحطوش غلبهم فينا.
كل اللي حواليها كانوا مستمعين بتركيز، عارفين إن أي خطأ صغير ممكن يكلفهم كتير.
بطه (تكمل بجدية): كل واحد على شغله، مش عايزة كسل النهاردة خالص، لازم يكون الكل في قمة الانتباه والتركيز. فاهمين؟
الكل كده، اللي بيمسح، اللي بيطبخ، اللي بترتب، عارفين إن أي تقصير مش هيتحمل في اليوم ده. فكل واحد فيهم بدأ يحس بمسؤولية أكتر، وفي نفس الوقت كان في توتر في الجو.
بعد ما خلصت كلامها، الكل بدأ يروح كل واحد لشغله، ولكن كان واضح إن الجو في المكان كان مليان بالقلق والتركيز الشديد على التفاصيل.
ـــــــــــــــــــــــ
في أوضة نسرين
كانت الأوضة شبه مقلوبة… الكرسي واقع، المخدة مترمية على الأرض، والتسريحة مبهدلة، وكأن إعصار عدى منها. نسرين كانت واقفة قدام الشباك، كتافها مرفوعة، نفسها سريع، ودموعها بتنزل وهي مش قادرة تمسحها… كانت بتغلي، حرفيًا هتولع من الغضب.
دخلت صفيه ورغدة بسرعة، قفلوا الباب وراهُم، نظراتهم كانت مليانة توتر، عارفين إن الليلة سودا.
نسرين (بعصبية وانفعال، وهي بتلف فجأة عليهم): أنا مش فاهمة إزاي دي تبقى أمي بجد!! دي عاملة رباطية عليّ! أنا خلاص مش قادرة أستحمل، هي ومرات عمي نفس العقلية… اتفقوا عليّ من ورايا… ولا كأن ليّا رأي في حياتي!

صفيه (بحدة، وهي بتتمسك بأطراف الفستان بقهر): ولا أمّي الاثنين بيكملوا بعض، متفاهمين في كل حاجة… بس علينا إحنا بس!
رغدة (بحاجب مرفوع وبسخرية مُرة، وهي ترجع خطوة لورا): ما هو عشان أخوات، هيختلفوا إزاي يعني؟! عايزاهم يضربوا بعض عشان نرتاح؟!
نسرين (وهي تعدل وقفتها وتهز راسها بغيظ): بس أنا مش هسكت!
صفيه (بتنهيدة ثقيلة ونبرة مليانة إحباط): وسّعتي الموضوع أوي يا نسرين، إحنا أصلا ولا على الخريطة، لا أبويا ولا أمك بيفكروا في رأينا!
رغدة (وهي ترفع إيدها بعجز): ولو فكّروا… برضو مش هنعرف نعمل حاجة! إحنا مجرد كراسي في بيت العيلة… يقعدونا في المكان اللي هم عايزينه، ويقومونا وقت ما يحبّوا!
نسرين (بغضب مكتوم، وهي تعصر أصابعها): بس أنا مش كرسى! ومش هخلي حد يتحكم فيّ!
صفيه ورغدة بصوا لبعض، كأنهم بيقولوا بصوت صامت: “هي هتعمل إيه؟”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مكتب صلاح
كان المساء قد حلّ، وليلى كانت تكمل آخر خطوة في تنظيف المكتب، لكن فجأة سمعت أصوات داخل المكتب. ترددت لحظة، ثم قررت تستخبى في الحمام اللي في المكتب. قلبها كان بيدق بسرعة، مش فاهمة إيه اللي بيحصل برا.
وأثناء ما هي جوا الحمام، حاولت تراقب الوضع بصمت. سمعت صوت الجد صلاح، قاعد على المكتب، وكأن بيمرر تعليماته. كان عينيه بتتجول على الوجوه أمامه بحذر، وحسيت نبرات صوته بتعكس ثقل الكلام. صوت أولاده وأحفاده كان واضح في الخلفية.
صلاح (بصوت حازم): احنا هنقوم بالمهمة يوم الفرح، الخميس الجاي.
فؤاد رفع حاجب، مستغربًا من التوقيت.
فؤاد (بصوت غير متأكد): بس احنا يا بابا، هنبقى ملخومين في الفرح، مش هنعرف نركز في المهمة زي ما احنا عايزين.
خليل (بيضحك معترضًا): فعلاً يا بابا، دا حتى وقت الفرح ممكن يشتت كل التركيز.
صلاح (بتنهدة، وهو بيركز فيهم): هتفضلوا طول عمركم أغبيه، ما هو ده التمويه، ما تفتكرش يا فؤاد، الخطة سهلة مش زي ما أنت فاكر.

مروان كان قاعد ساكت، لكن نظراته كانت مليانة ذكاء.
مروان (بابتسامة هادئة): مية على مية يا جدي، دماغ شغالة طول عمرك.
طاهر مؤيد لكلام مروان : اكيد عندك خطه محكمه ومتخطط ليها من بدري يا جدي
الحاج صلاح بنظره بعيده المدى: طبعا وجه وقتها على المناسب
بينما كانت ليلى جوا الحمام تستمع لكل كلمة بترتفع في الغرفة، بدأت التفاصيل تتكشف تدريجيًا. الخطط كانت متقنة، ولا مجال للخطأ. كانت صلاح بيتكلم بحذر، وكأن كل كلمة كان حريص عليها، وهو بيقول لأولاده وأحفاده التفاصيل الدقيقة عن المهمة المرتقبة.
صلاح (بجدية وحزم): الخطة هي كالتالي، الخميس الجاي هنكون في الفرح، زي ما اتفقنا. بس المهمة هتكون في الفرح نفسه.
سليم (مستغربًا): ازاي
صلاح (بيتنهد): في مكان مش بعيد ومش قريب عن الفرح انا عيني بنفسي هتبقي علي الرجاله وكل الناس هتكون مشغولة بالاحتفالات، ده التمويه اللي هيساعدنا.
عادل (بغموض وحذر): يعني، ماحدش مننا هيبقى موجود في المهمة؟
صلاح (بصوت هادئ ومركز): لا، إحنا هنبقى زي الظل، محدش هيظهر بشكل واضح في المهمة. أنا هحرك كل حاجة من مكاني، إنتو ارقصوا واستمتعوا مع عرايسكم
سليم (بقلق وحذر): طب مين هيكون موجود في التسليم؟ يعني لازم حد يستلم البضاعة في اللحظة دي.
صلاح (مباشرًا وبثقة): أنا هبعت عبد الحق ورجالته، وهم هيتعاملوا مع التسليم. أنا هكون عيني عليهم من بعيد، وهشوف كل خطوة بيعملوها. الموضوع كله مش هيحتاج أكتر من خمس دقائق، سلم واستلم وبس.
طاهر: يعني لو كل حاجة مشت تمام، هيكون الموضوع خلص في لحظات.
صلاح (بحزم): بالضبط. لازم كل شيء يكون مضبوط، من البداية للنهاية، عشان نخرج من الموضوع ده من غير ما نلاقي أي مشاكل. والخطة واضحة للجميع.
عادل (بتأكيد): واضح، وده اللي هيخلي المهمة تمشي بدون ما حد يلاحظ.
مروان (مستمتع بخطة جده): الخطة دي هتنجح من قبل ما تبتدي
الكل :إن شاء الله

في لحظة من التوتر، كانت ليلى جالسة في الحمام، مختبئة وراء الباب المغلق، أنفاسها متسارعة وقلبها يدق بسرعة. كان كل شيء حولها مظلم وهادئ، لكن الصوت الذي وصلها من الخارج جعل الدماء تتجمد في عروقها.
مروان قام فجأة من مكانه، ورفع صوته ليعلن ما كان يفكر فيه، وهو يتحرك نحو الباب.
مروان (بصوت عادي، لكنه بدا عليه نوع من التأكيد): أنا داخل الحمام.
ليلى تراجعت في مكانها، عينيها مليانة رعب، وهي بتحاول تتحكم في نفسها علشان ما تكشفش نفسها. كانت تتمنى في هذه اللحظه ان تتشق الارض وتبتلعها، كل شيء حولها أصبح مقلق. رائحة الخوف كانت تملأ الجو، وهي مش قادرة حتى تتنفس بشكل طبيعي.
صوت خطوات مروان بدأ يقترب من الحمام، خطواته الثقيلة وضعت كل شيء في حالة تأهب. ليلى كانت بتحاول تبقى هادئة، لكن قلبها كان بيدق بشدة، وكل جزء فيها كان بيصرخ.
هي حاولت تحبس أنفاسها، وتخلي نفسها غير مرئية، كان عندها شعور إن في أي لحظة ممكن الباب يفتح وتنكشف. فماذا لو عرفوا إنها جوا؟ ماذا لو كانت نهاية اللعبة هنا؟
صوت الخطوات كان أقرب، وكل خطوة كانت بتمزق قلبها. كانت عينيها ملتصقة بالباب، ومافيش مكان للاختباء غير المكان اللي هي فيه.
في اللحظة دي، الصوت بقى أقرب لدرجة إنها سمعت صوت التنفس،ليلى فكرت في كل الخيارات، لكن كان الوقت متأخر، وماكانش فيه مجال للهروب أو الاختباء بشكل أفضل وفجاه…………….


 


google-playkhamsatmostaqltradent