رواية زواج في الظل الفصل الخامس 5 - بقلم ياسمين عطيه
في أوضة أركان
كان أركان واقف عند الشباك، إيده في جيبه عينيه معلقة في الظلام برا،الوقت عدى أكتر من اللازم، وهي لسه مرجعتش. في الأول كان متجاهل، بعدين بدأ يلاحظ، ودلوقتي الفكرة اللي خطرت في باله مش مريحاه نهائي.
أركان (بيغمغم ): هي ممكن تكون هربت؟
فكرة مجنونة، بس مش مستبعدة. ممكن تكون زهقت وقررت تهرب بعيد عن كل ده؟ عن المهمة؟ عنه؟ العقلانية بتاعته بتقوله إن مفيش فرصة، بس الجزء اللي مش مطمئن مش قادر يستبعد الاحتمال.
قرب من المكتب وسحب الموبايل، شاف الوقت، وبعدها رماه تاني. مش هيبقى غبي ويسأل حد عنها، ويبوظ كل الخطه ممكن تكون لسه بتعمل حاجه في الفيلا ومشغوله
أركان (وهو بيتمتم بضيق): طب ما تيجي تعرفني بقى بدل ما عقلي يلف في السيناريوهات دي؟
لف بسرعة ناحية الباب، وكأنه قرر يتحرك بدل ما يفضل واقف مكانه. حتى لو الفكرة مستفزة، هو مش هيسيب الاحتمالات تلعب في دماغه أكتر من كده خصوصاً الساعه بقت 1بالليل
كان أركان خلاص ناوي يفتح الباب، لكن فجأة، الباب اتفتح بعنف وليلى دخلت بسرعة، وهي مبلولة من فوق لتحت، وشها كان أحمرط. هدومها كانت ملزقة فيها، ووشها معجون بالخوف والاضطراب.
وقف مصدوم، عينه اتسعت وهو بيبصلها بتركيز. شكلها كان كارثة.
أركان (ببرود مصطنع، رغم إن الصدمة كانت باينة في نبرته): إنتي كنتي بتلعبي ماتش تحت المطر ولا إيه ؟!
ليلى حاولت تتكلم، بس نفسها كان مقطوع، وملامحها بتقول إنها مش قادرة تستوعب أي حاجة غير إنها في الأوضة أخيرًا، وفي أمان
أركان (بهدوء غريب، وهو بيقفل الباب وبيبص لها بتركيز): كنتي فين؟ وليه داخلة عليا بالشكل ده؟
ليلى: كنت هتكشف! كنت هتكشف يا أخويا، وكل حاجة كانت هتبوظ! كنا هنروح في أبو بلاش!
كانت ليلى واقفة قدام أركان، لسه أنفاسها متلاحقة من اللي عاشته، وإيدها بتترعش وهي بتحاول تفك الطرحة اللي كانت لاففاها حوالين راسها. التوتر والعرق بلل القماش، وحسّت إنه بقى خانق عليها، فرفعت إيديها بسرعة وبدأت تفكه.
أركان كان واقف قصادها، عينه مسلطة عليها، شايف كل حركة بتعملها. أول ما الطرحة انسحبت من على راسها، كان كأنه الزمن وقف للحظة.
خصلاتها الطويلة انسابت براحة على ضهرها وكتافها، لونها الذهبي انعكس مع إضاءة الأوضة، كأنها شعاع نور مفاجئ وسط العتمة. بعض الخصل كانت لسه ملتصقة بجبهتها من العرق، لكنها رفعت إيديها وسرحتها ببطء، كأنها مش واعية إنه لأول مرة بتكشف شعرها قدامه.
أركان ما اتحركش، لكنه حسّ بحاجة غريبة، نظراته ثبتت على تفاصيل شعرها، على طريقته وهو بيتحرك مع كل نفس بتاخده. ملامحه كانت جامدة كالعادة، لكن عينه نطقت بحاجات كتير متتقالش بالكلام.
ليلى (بتنهيدة وهي بتمسح العرق عن جبينها): الطرحة كانت خنقاني… حسيت إني هتخنق بيها والله!
حاولت تجمع شعرها بسرعة وتلفه تاني، لكن لحظتها كان عدّى. لحظة صغيرة، بس سابت أثر واضح في الجو اللي حواليهم.
ليلى (بسرعة ولهفة): بس إيه… عرفت لك شوية معلومات لوز العنب! مش عارفة من غيري كنت هتعمل إيه. أنا لازم تزودوا لي فلوسي بعد اللي شوفته النهارده، ده أنا قلبي كان هيقف!
أركان كان واقف قدامها، ملامحه جامدة بس عينه كانت بتراقب كل حركة فيها، كل رعشة في صوتها، وكل نفس متقطع بتاخده.
ليلى (بتحاول تهدي نفسها، بس صوتها لسه بيترعش): وقعدت أسمعهم، كلهم، سمعت اللي بيقولوه في المكتب…
أركان (بتركيز شديد، وصوته تقيل): كمّلي اللي حصل.
ليلى (بتاخد نفس، وبتحط إيدها على قلبها):استنى، باخد نفسي من الرعب اللي أنا عشته…
عينها سرحت، وهي بتسترجع المشهد في عقلها، ولسه الإحساس مسيطر عليها. أما أركان، فكان واقف، ملامحه متجمدة، بس عينيه كانت مليانة أسئلة… والأهم، قلق ما كانش قادر يخفيه.
فلاش باك – داخل الحمام في مكتب الجد صلاح
ليلى كانت حابسة نفسها، حرفيًا . أنفاسها كانت متقطعة، وكل خلية في جسمها مشدودة على الآخر، وهي سامعة الكلام اللي بيتقال برا. عقلها كان بيحاول يستوعب حجم المصيبة اللي سمعتها، بس فجأة..
مروان (وهو بيقوم): أنا داخل الحمام.
ليلى حسّت إن قلبها وقع في رجليها. جملة واحدة، لكنها كانت كفيلة تخلي الدنيا تظلم في عينيها. مشاعر متلخبطة بين الرعب والتوتر والخوف سيطرت عليها، وهي سامعة صوت خطواته بتقرب من الحمام، الأرض تحتها كانت كأنها بتتهز، ونبضاتها كانت بتدق كأنها هتنفجر.
ليلى (في عقلها، وهي بتضغط على بؤها عشان ما تطلعش صوت): يا نهار إسود ومنيل… أنا كده خلاص هتكشف!
الإيد على المقبض، اللحظة الحاسمة قربت، ومفيش مفر. عينها جابت كل زوايا الحمام في جزء من الثانية، بتدور على أي مهرب، أي حاجة ممكن تخليها تفلت من الكارثة اللي على وشك تحصل.
لكن، قبل ما الباب يتفتح…
عادل (بحركة سريعة، وهو بيحط إيده على كتف مروان): يلا بينا يا أسطى، أنا عايز أودع العزوبية الأيام الجاية، مش ناقص غير قنبلة الغم والهم اللي هتتحط عليَّ.
ضحكوا كلهم، والموقف اتحول لتهريج. مروان رفع إيده عن المقبض، واتراجع بخطواته مع الباقيين، وصوتهم بيتلاشى تدريجيًا وهم خارجين من المكتب.
ليلى فضلت متسمرة مكانها، مش مصدقة إن اللحظة عدّت… وإنها نجت بأعجوبة. أخدت نفس عميق، بس حسّت إن قلبها مش ناوي يهدى بسهولة.
نهاية الفلاش باك
ليلى (وهي بتتنفس بصعوبة، وبتمسك دراع أركان): أنا كان قلبي هيقف! حرفيًا كنت هتكشف، وكل حاجة كانت هتبوظ! كنا هنروح في أبو بلاش كنت حاسة إن دي نهايتي، لو كنت اتقفشت… يا نهار أسود، كنتوا هتودوني في داهية.
أركان كان ساكت وهو بيراقبها. مش عارف هو مستغرب من إيه أكتر… شكلها وهي متوترة، ولا صوتها اللي كان بيرتعش وهي بتحكي، ولا فكرة إنها كانت على بعد لحظة واحدة من إنها تتكشف. حس بحاجة غريبة جواه، إحساس جديد عليه، مش خوف عليها بالمعنى الحرفي، بس كان فيه حاجة تخليه مش قادر يتجاهل اللي حصل.
هي قصاده بقالها تلات أيام، وده أول موقف يخليه يحس بوجودها بالشكل ده. بس ليه؟ مش المفروض ده يحصل أصلاً. مش دي البنت اللي أجبرته الظروف إنه يكون معاها؟ مش المفروض إنه شايفها مجرد جزء من المهمة وبس؟ طب ليه دلوقتي ملامحها وهي مذعورة مش قادرة تخرج من دماغه؟
هز راسه بخفة كأنه بيطرد الأفكار اللي بدأت تتسلل لعقله، وبعدها اتكلم بصوته الهادي المعتاد، وكأن مفيش حاجة غريبة بتحصل جواه:
بعد ما ليلى تخلص الفلاش باك وترجع للواقع، ممكن تضيفي لحظة صمت قصيرة، بحيث تبين إنها لسه متأثرة بالخوف والتوتر، وأركان بيراقبها وهو مش فاهم هو حاسس بإيه. بعدها، تقدري تكملي المشهد كده:
أركان (بهدوء، لكن بنظرة مركزة عليها): إهدي شوية، وركزي معايا… اللي قلتيه ده كله مهم، بس التفاصيل اللي جايه أهم. جدهم قال بالظبط إيه عن التسليم؟
ليلى (بتحاول تهدى، لكنها لسه مرتبكة): قال إن عبد الحق ورجالته هيبقوا في المكان اللي مش بعيد ومش قريب من الفرح… والتسليم هيتم في خمس دقايق بس، سلم واستلم، من غير ما حد يحس بحاجة.
أركان (بيهز راسه وهو بيستوعب المعلومة): خمس دقايق بس… ده معناه إن العملية كلها هتتم بسرعة، ودي مخاطرة كبيرة.
ليلى (بقلق): بالظبط! وكمان الجد صلاح قال إنه هيتابع كل حاجة من بعيد، يعني أكيد عنده ناس تراقب الوضع، ولو حصلت غلطة صغيرة، هنكشف إحنا كمان.
أركان (بعينين ضيقة، وكأنه بيرسم خطة في دماغه): ده اللي كنت عايز أوصله… لازم نعرف المكان اللي هيتم فيه التسليم بالضبط، قبل أي حد فيهم.
ليلى (بتحاول تستوعب كلامه، لكنها لسه تحت تأثير الرعب): بس إحنا هنعرف إزاي؟ أنا سمعت جزء كبير، بس ما ذكروش مكان التسليم بالتحديد.
أركان (بهدوء خطير): يبقى لازم نلاقي الطريقة اللي تخليهم ينطقوا بالمكان… من غير ما يحسوا.
تمام، هعدل المشهد بحيث عبد الحق يخبط على الباب، وأركان يطلع له برا الأوضة، ويبقى الكلام كله بينهم بعيد عن ليلى.
واثناء ماركان وليلى بيتكلموا سمعوا صوت طرقات هادية لكن تقيلة على الباب. أركان رفع عينه ناحية الباب بسرعة، إحساس داخلي بيقوله إن عارف مين ورا الباب وفتح الباب بحذر.
وقف قدامه عبد الحق بملامحه الجامدة، عينه فيها لمعة ، ابتسامة بالكاد ظاهرة على طرف شفايفه.
عبد الحق وهو بيبص له نظرة تقيلة: ” عايزك في كلمتين.”
أركان ما ردش، بس حس إن اللي جاي مش عادي. خرج وقف قدامه، وقفل الباب وراه وهو بيعدل وضعه، عينه بتترصد عبد الحق اللي كان باين عليه إنه مبسوط بحاجة.
عبد الحق بابتسامة خفيفة، لكن صوته مليان جدية: “جات لك الفرصة اللي كنت مستنيها… ومستنيها بجد، الفرصة اللي تثبت بيها نفسك، وتبقى جوه الدايرة الكبيرة.”
أركان ثبت نظراته عليه، ملامحه ما تغيرتش، لكن عقله كان بيفكر في كل السيناريوهات اللي ممكن تحصل.
عبد الحق وهو بيقرب: “بكره في مهمة، وأنا محتاجك معايا. لو أثبت نفسك فيها، هتكون واحد مننا رسمي، وهتبقى موجود في كل حاجة بعد كده… فاهمني؟ المستقبل كله مفتوح قدامك، ومستقبل مراتك كمان.”
عبد الحق بحزم: “بكره هاجي لك أقول لك كل التفاصيل، وعايز رد واضح وصريح. الفرصة دي مش بتتكرر، فكر كويس.”
رماه بنظرة طويلة قبل ما يسيبه ويمشي، وأركان فضل واقف مكانه، عينه متركزة على الفراغ قدامه، لكن دماغه كانت بتلف بسرعة.
(أركان بعد خروج عبد الحق)
رجع للأوضة، قفل الباب بهدوء، لكن عقله كان عاصفة. لو وافق، هيبقى قريب منهم أكتر، لكن لو رفض، هيفقد فرصته الوحيدة للوصول لقلب العصابة.
مسك الموبايل، قرر إنه مش هياخد القرار لوحده. ضغط على رقم والده، واستنى الرنات اللي كانت بطيئة بشكل مستفز، لحد ما سمع صوت عدلي من الناحية التانية.
عدلي بصوت هادي لكنه حازم: “خير يا أركان؟”
أركان بلهجة جدية، لكنها : “حصلت حاجة، ولازم تعرفها.”
بدأ يحكي له عن المهمة، عن إن عبد الحق عايزه يدخل وسطهم رسمي، عن إنه هيبقى قريب من الشبكة أكتر من أي وقت فات
كان أركان واقف في نص الأوضة، الموبايل في إيده، وإيده التانية متشابكة ورا رقبته وهو بيحاول يستوعب الموقف. صوت عدلي كان هادي كعادته، لكنه تقيل، مليان بمعاني أركان فهمها كويس.
عدلي ببرود مدروس: “المهمة دي هتمشي وتعدي زي ما هم عايزين، مش هنوقفها ولا هنتدخل.”
أركان شدد مسكته للموبايل، حس بنبضات قلبه بتزيد، مش لأنه متفاجئ، هو كان متوقع الرد ده، لكنه كان مستني يسمعه بنفسه.
أركان بصوت ثابت، لكنه متسائل: “إحنا هنسيبهم ينفذوها؟ هنسيب الصفقة تعدي؟”
عدلي بحزم: “بالظبط. إحنا مش هدفنا المهمة دي، إحنا هدفنا الرأس الكبيرة، مش شوية عيال بينفذوا أوامر. لو وقفنا دي، مش هنكسب حاجة، بالعكس، هنخسر الفرصة اللي لسه جايه قدامنا.”
أركان سكت، عقلُه بيحسب كل خطوة، هو فاهم الكلام، وفاهم المغزى، لكن ده معناه إنه هيشارك في حاجة هو عارف إنها غلط… ولو فكر في الأمر بمنطق الضابط، هو حرفيًا بيشارك في جريمة.
عدلي بصوت أخفض، لكنه قاطع كل أفكار أركان: “أنت عايز توقعهم كلهم مرة واحدة؟ يبقى لازم تمشي مع الموجة لحد ما تيجي اللحظة الصح. لو كنت مكانهم، كنت هتشُك في حد لسه داخل معاهم وبدأ يوقف شغلهم؟”
أركان بلع ريقه، حرك إيده في شعره وهو بيتنفس بعمق. هو عارف إن كلام والده منطقي، لكن الإحساس الداخلي بالمسؤولية كان تقيل على صدره.
أركان أخيرًا رد، بصوت هادي لكن حاسم: “فهمت. يعني دلوقتي كل المطلوب إني أنفذ من غير ما أسيب أي شكوك ورايا.”
عدلي بلهجة حاسمة: “بالظبط. خلي بالك من كل خطوة، وحافظ على غطاك. المهمة دي مجرد خطوة، مش النهاية.والمهمة دي هتخليك تكسب ثقة منصور، خطوة منك تبقى ذراعه اليمين في يوم.”
أركان شدد مسكته للموبايل أكتر، عينيه كانت مسلطة في الفراغ قدامه وهو بيستوعب الكلام. الجملة الأخيرة دي كان لها وزن تقيل، معناها إنه مش بس داخل وسطهم… لا، ده داخل عشان يبقى واحد منهم، لازم يقنعهم إنه معاهم بجد، لازم يكسب ثقتهم للدرجة اللي تخليهم يعتمدوا عليه.
بلع ريقه وهو بيرد بصوت أخفض: “وأنا لو وصلت للمرحلة دي، تبقى دي نهايتهم.”
عدلي بابتسامة خفيفة لكنها خالية من أي تساهل: “بالظبط. بس تفضل محافظ على نفسك، ما تنجرفش يا أركان… فاهمني؟”
أركان أخد نفس عميق، وهو بيرد بجملة واحدة حاسمة: “فاهمك.”
أركان قفل المكالمة بعد ما استوعب كل كلمة. المهمة هتمشي، واللعبة لسه في أولها… والرهان دلوقتي بقى أعلى من أي وقت فات.
بعد ما أنهى أركان مكالمته مع والده، أخد نفس عميق ومسح كفه على وشه، كأن الحركة دي هتشيل من عليه جزء من التوتر اللي حصله النهاردة. المهمة اللي جايه مش سهلة، وكل خطوة فيها محسوبة بدقة، بس مفيش مجال للغلط.
بص ناحية السرير، ليلى كانت غارقة في نوم عميق، ملامحها هادية بشكل غريب عن طبيعتها العفريتية اللي طول الوقت بتسبب له صداع. كان اليوم طويل ومتعب، وهي واضح إنها استنفدت كل طاقتها.
اتحرك بهدوء، قفل النور، وراح نام جنبها. وقبل حتى ما يحاول ياخد راحته في النوم، حس بيها بتتحرك، وكأنها لا إراديًا بتدور على مكانها المعتاد. وبعد لحظات، زي كل مرة، لقاها بتقرب، وفي حركة طبيعية تمامًا، راحت لحضنه، كأنها خلاص اتعودت على وجوده، وكأن ده مكانها الطبيعي.
أركان شدد شفايفه، عينه فضلت ساهرة لدقايق، مش مستوعب إزاي حاجة زي دي بقت عادية… بس هو كان مرهق، واليوم فعلاً كان طويل. فكر للحظة إنه يقوم، لكنه في الآخر اختار إنه يسيبها، يسحب نفس عميق، ويغمض عينه… بكرة يوم جديد، ومحدش عارف اللي جاي مخبي إيه.
أركان فتح عينه بصعوبة مع أول خيوط الصبح اللي دخلت من الشباك، حاسس بجسم دافي قريب منه كالعادة. ما أخدش وقت عشان يستوعب إنها ليلى، لكن… المرة دي كان في حاجة مختلفة.
عينيه نزلت تلقائيًا لشعرها اللي كان مفروش على ضهرها بالكامل، الطرحة اللي دايمًا مغطيه كل حاجة واضح إنها كان ليها رأي تاني أثناء النوم، وانفكت بهدوء، مخلياه يشوفها بشكل مختلف لأول مرة. الخصلات الطويلة، اللي فيها لمعة دهبية خفيفة مع نور الصبح، كانت مفرودة كأنها مرسومة بعناية، والملمس الناعم واضح حتى من بعيد.
نظرته اتسمرت عليها، كأنه لأول مرة ياخد باله إن ليلى… بنت، مش بس مصدر إزعاج متحرك زي ما كان شايفها دايمًا. لحظة إدراك غريبة خبطت في عقله، هو إيه اللي بيحصل؟ اللى يشوف المشهد دا يقول مشهد لعشاق، مش مجرد اتنين في مهمة؟
شد نفس عميق ومسح على وشه بإيده، لازم يفوق، دي ليلى… مش أي حد. وقبل ما يسيب نفسه للأفكار اللي بدأت تتسلل لعقله، قرر ينهي الموقف بالطريقة اللي متعود عليها… “يا بنتي قومي من حضني بقى، هو إيه؟ مفيش يوم هصحى ألاقيك نايمة مطرحك الطبيعي؟”
ليلى تحركت بكسل، لسه بين النوم والصحيان، وغمغمت بصوت مبحوح: “ممم… خمس دقايق كمان، الدنيا برد.”
أركان عقد حواجبه وهو يبص لها، وهي مش بس مستريحة، دي كمان بتتحجج عشان تفضل في حضنه!
شد نفسه لتحت شوية وهو يقول بنبرة أخف لكنها فيها تحذير: “ليلى، فوقي بقى. مش ناقص أصحى ألاقيكي مستوطنة في حضني رسمي!”
فتحت عنيها نص فتحة، ولسه بتستوعب الوضع، بس أول ما حست بجسمه جنبها وقربها منه، كأن صدمة كهربائية ضربتها! قفزت في مكانها بسرعة، وشها احمر وهي ترفع الطرحة بسرعة وترجعها على راسها، صوتها طالع متلخبط: “إيه ده! لا لا، أنا كنت نايمة بعيد! إنت اللي أكيد جيت ناحيتي، صح؟”
أركان بص لها بسخرية، مدي إيده جنب السرير وقال بهدوء مستفز: “أها… طبعًا، أنا اللي بقوم وأنايم نفسي هنا، مش إنتي اللي كل يوم بتسيبي مطرحك وتجيلي!”
ليلى ضغطت شفايفها ببعض بإحراج، وهي بتحاول تلاقي أي رد مقنع، لكن في الآخر اكتفت إنها تعدل الطرحة وترفع راسها بفخر مصطنع: “ما علينا، المهم إننا لازم نبدأ يومنا، عندنا حاجات أهم من النقاش الفاضي ده!”
أركان ضحك بخفة، وهو يهز راسه: “أحسن، عشان بصراحة… مش هخلص منك، واضح إنك ناوية تدخلي في روتيني الصباحي بالعافية.”
نهض من السرير، وهو بيزفر بهدوء عشان يطرد أي تفكير مش لازم، ولسه بيحاول يفهم اللي حصل، بس الحاجة اللي كان متأكد منها دلوقتي… إن ليلى بقت مشكلة مش سهلة في حياته، ومش بسبب المهمة بس.
ــــــــــــــــــــ
**”مرت تلات أيام بنفس الروتين، ليلى مشغولة من الفجر لحد نص الليل في تجهيزات الفرح، بتنظف، بتجهّز القاعة، بتساعد في ترتيب اوض العرايس اللي هيقعدوا فيها، وشغلها ما كانش بيخلص. كانت بتتحرك في الفيلا كأنها ترس صغير في ماكينة كبيرة، كل الناس فوق دماغها، وكل حد ليه طلبات.
أما أركان، فكان هادي، متابع من بعيد، منتظر اللحظة اللي كل حاجة فيها هتتغير، اللحظة اللي هيدخل فيها في لعبته الجديدة مع عبد الحق. لكن في وسط كل ده، كان في حاجة تانية غريبة.. حاجة بقت شبه الروتين عنده. كان عارف إن النهارده برضه، مهما حصل، مهما كانت ليلى مرهقة، هتصحى تلاقي نفسها في نفس المكان.. في حضنه. يمكن لأول مرة، أركان حس إن العادة دي مش غلطة، لأ.. بقت جزء من حياتهم، حتى لو ما حدش فيهم عايز يعترف بده.”**
بس بقت عادة.. مش مجرد غلطة بتحصل مرة واتنين، لا، حاجة ثابتة، جزء من يومها من غير ما تفكر حتى. أول ما تنام، تلاقي نفسها هناك، في حضنه. مهما حاولت تقاوم، مهما فكرت إنها هتاخد بالها، برضه بتصحى تلاقي نفسها في نفس المكان.
أركان ما بقاش بيقول حاجة، في الأول كان بيبعدها، كان بيحاول يفوقها، بس مع الوقت.. مع كل مرة كان بيصحى يلاقيها كده، ما بقاش يندهش حتى، بس خلاص اتعود. بقت بالنسباله حاجة عادية، كأنه عارف إن مفيش فايدة، وإنها مهما حاولت، برضه هتلاقي نفسها هناك في الآخر.
أما ليلى، فمكنتش فاهمة ليه ده بيحصل، ليه كل يوم بتلاقي نفسها في نفس الوضع، بس في التلات أيام اللي فاتوا.. كانت تعبانة، مرهقة لدرجة إن مكنش عندها طاقة تفكر أو حتى تحاول تمنع نفسها. كانت بتشتغل ليل نهار، رجليها بتوجعها، جسمها منهك، ومع كل ليلة كانت بتلاقي نفسها غرقانة في حضنه، ومش بس غصب عنها.. لا، كانت بتحس إنه علاج، اللحظة اللي بتصحى فيها وتلاقي نفسها هناك، وكأن جسمها كان عارف إنها محتاجة ده، محتاجة حاجة تطمنها وسط التعب ده كله.
وهي عارفة، عارفة إنها بكرة هتصحى تلاقي نفسها في نفس المكان، مهما حصل.. ما فيش فايدة.”**
**”وأخيرًا، جه اليوم المنتظر.. الخميس، اللي الكل مستنيه، مش بس العيلة، لأ.. البلد كلها. أربع ولاد، أربع بنات، فرح واحد، وكأن الدنيا كلها بتحتفل.
كانت الأصوات مالية المكان، مفيش ناحية إلا وفيها دوشة، زغاريط، ضحك، أصوات بتنادي على بعض، واللي بيجهزوا حاجة، واللي بيطلبوا حاجة تانية. حتى البهايم كان ليها نصيب في الهرجلة دي، صوت العجول اللي بتدبح، عشر عجول كاملة، كأنها إعلان إن النهارده يوم مش عادي.
ليلى كانت في وسط المطبخ، مش لاحقة تاخد نفسها، عمالة تلف من هنا لهنا، حد بينده عليها من ناحية، وحد تاني بيناديها من الناحية التانية، وهما أصلاً مش عارفين اسمها الحقيقي، بس ده مكنش فارق، المهم تخلص اللي وراها. إيديها بتتحرك بسرعة، عقلها بقى مبرمج على الاستجابة لأي حد يقول “يا بت”.
أما أركان، فكان هادي، متابع من بعيد، منتظر اللحظة اللي كل حاجة فيها هتتغير، اللحظة اللي هيدخل فيها في لعبته الجديدة مع عبد الحق. لكن في وسط كل ده، كان في حاجة تانية غريبة.. حاجة بقت شبه الروتين عنده. كان عارف إن النهارده برضه، مهما حصل، مهما كانت ليلى مرهقة، هتصحى تلاقي نفسها في نفس المكان.. في حضنه. يمكن لأول مرة، أركان حس إن العادة دي مش غلطة، لأ.. بقت جزء من حياتهم، حتى لو ما حدش فيهم عايز يعترف بده.”**
ــــــــــــــــ
في مطبخ الفيلا
ليلى كانت واقفة جنب الطاولة، بتاكل بسرعة وهي ملخبطة ما بين التفكير والتعب. الشغل في الفيلا مكركبها، وكل شوية حد ينادي عليها بحاجة. الجو في المطبخ كان سخن من كتر الطبيخ، وصوت الحلة اللي بتغلي كان عامل دوشة خفيفة مع أصوات باقي الخدامين اللي رايحين جايين.
دخلت بطه وهي شايلة صينية الأكل، وقفت جنبها وقالت بسرعة:
خدي يا هنية، ودي الأكل لجوزك والرجالة اللي معاه عند البوابة.
ليلى رفعت عينيها بتلقائية، فكرت ترد وتقول إنها مش فاضية، لكن سكتت.. دي حاجة روتينية خلاص، زي إنها بتصحى تلاقي نفسها في حضنه كل يوم. تنهدت وهي بتقوم تاخد الصينية، وقالت بنبرة عادية:
حاضر، هوديها.
خرجت من المطبخ، ماشية بخطوات سريعة، متعودة على الحركات دي. لما وصلت عند البوابة، كان أركان واقف مع الرجالة، بيتكلموا بهدوء عن حاجة ما. بصوا كلهم عليها للحظة، لكن نظراتهم كانت عابرة.. إلا واحد، نظرة أركان كانت مختلفة شوية، مش اندهاش ولا اهتمام، لكن كأن المشهد ده متكرر وبقى عادي.
مدت له الصينية وقالت بسرعة وهي مش باصة عليه:الأكل.
أركان أخدها من غير تعليق، قال بهدوء:تمام.
لحظة سريعة عدت بينهم.. لا رومانسية، لا توتر، بس شيء بقى شبه العادة. ليلى ما استنتش، لفت بسرعة ورجعت تمشي، عارفة إنها لو فضلت واقفة ثواني زيادة، ممكن تلاقي نفسها بتفكر في حاجات مالهاش لازمة.
أركان كان ماسك الصينية، بس في اللحظة اللي ليلى لفت فيها عشان تمشي، عينه فضلت عليها لحظة زيادة. المرة دي، مش مجرد نظرة عابرة.. لا، كان بيراقبها بجد.
من ثلاث أيام وهو شايف، شايف كل حاجة.. شايف هي بتشتغل إزاي، إزاي بتتحمل التعب، إزاي وهي بتنهار بس لسه واقفة على رجليها، إزاي كل مرة بتوصل فيها لحدودها بتاخد نفس وتكمل.
كان عارف إنها بنت شقيانة في حياتها، بس مش بالشكل ده.. مش بالشكل اللي يخلي حد يشيل فوق طاقته بالشكل ده، ويتحمل، ويضحك، ويكمل كأنه عادي.
في اللحظة دي بس، فهم حاجة كان بيتجاهلها.. فهم ليه أبوه مصمم عليها بالذات، ليه كان شايفها مختلفة عن أي بنت تانية، ليه كان مقتنع إنها هي اللي المفروض تكون معاه.
ما قالش حاجة، بس عينيه فضلت عليها لحد ما اختفت وسط الزحمة
عند البوابة – وسط الرجالة
أركان كان لسه ماسك الصينية، عينه لسه متتبعة ليلى وهي ماشية بعيد، من غير ما يحس إن نظراته كانت واضحة للرجالة اللي حواليه.
أحد الرجال (بضحكة جانبية وهو بيخبطه بكوعه): “إيه يا عم، محسسني إنك أول مرة تشوفها؟ مش أنت وهي مع بعض ليل نهار؟”
رجل آخر (بضحكة ساخرة): “يا عم ده عريس جديد، لسه متجوز ما بقالوش سنة.. تعالى شوفني أنا ومراتي، ما بطيقش أبص في وشها!”
ضحكوا الرجالة، وأركان فاق للحظة، شد ملامحه ورجع لطبيعته بسرعة، مسك الصينية بإحكام وقال بمرح مجاريهم: “كل واحد ونصيبه بقى.”
ضحكوا الرجالة تاني، لكن هو كان لسه ذهنه مشغول.. يمكن فعلاً لأول مرة بدأ يشوفها بشكل مختلف، ويمكن لأول مرة حس إنه فاهم ليه أبوه كان مصر عليها بالشكل ده.
في المكان نفسه – بعيد عن الأنظار
نسرين كانت واقفة على بُعد، بتشوف كل حاجة من بعيد. عيونها كانت مشغولة بالمشهد قدامها، وهي بتتأمل ليلى وأركان. في قلبها كان في خليط من المشاعر؛ غيرة، كره، حقد.
وهي واقفة، سرحت في اللحظة اللي كانت بتتمنى فيها لو كان أركان هو اللي ابن عمها، لو كان هو اللي هيتجوزها النهارده بدل طاهر. لكن في نفس الوقت، كان في إحساس تاني داخلها؛ إحساس بالفقد. ليه مش هي؟ ليه هو مش معاها؟
في الأيام الثلاثة الأخيرة، كانت بتعيش حالة من العدم، كأنها كانت بتنتقل بين الحياة والموت. ما كان عندهاش استعداد تتجوز طاهر، ومع ذلك كانت عاجزة عن الاعتراض. شافت النتيجة مرة لما حاولت تعترض على حاجة، وعرفت إن كلامها ما هيغيرش حاجة.
لكن لحد دلوقتي، كانت مش قادرة تتقبل فكرة الزواج، حتى لو كان ده مصيرها اللي حطته ليها العيلة. كانت متشبثة بشعور داخلي يرفض الفكرة، رغم إن يوم الفرح وصل.
فجأة لفت عينها سيارة كانت جاهزة للانطلاق، والعربيات اللي كانت خارجة من المكان كانت فرصة لا تفوت.
فكرت في فكرة مجنونة، بس كانت في لحظة يأس من كل شيء. خلاص ما عندهاش حاجة تخسرها. من غير ما تعطي لنفسها وقت للتفكير، جريت بسرعة واختبأت في العربية وسط الزحمة، وكان قلبها بيدق بسرعة.
العربية بدأت تتحرك، والأصوات في الفرح كانت بتعلو بعيد عنها، بس في داخلها كان في صوت تاني، صوت من الخوف والحيرة، هل ده كان القرار الصح؟ لكن كان الوضع كله خارج عن إرادتها، وكان الهروب هو الحل الوحيد قدامها.
العربية تحركت وابتعدت عن المكان، وهي لسه مش مصدقة اللي عملته، بس كانت عارفة إنها مش هترجع تاني لورا.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية زواج في الظل ) اسم الرواية