رواية دلال و الشيخ الفصل الثامن 8 - بقلم شيماء سعيد
دلال_والشيخ
الحلقة الثامنة
............
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ❤️
هل تعلم عزيزى القارئ إنك تحرم نفسك من السعادة ويضيع عمرك هباءًا أمام عينيك بسرعة البرق وأنت مازالت واقفًا فى مكانك لا تنظر إلا لما حرمت منه ولا تنظر إلى كل النعم التى بين يديك ولو كنت رضيت بما قسمه الله لك لغشيتك السكينة والسعادة .
......
عند عودة أسماء من إحدى دروسها التى تتلاقها فى الثانوية العامة, استوقفها تميم ابن عمتها.
ابتسمت له أسماء وقالت بدلال: ايه يا عمنا فى ايه؟
وثبتنى كده كإنى حرامية .
طالعها تميم بعيون لامعة تسكب عشقا وحاول إخراج كلماته بصعوبة:
_أنتِ فعلا حرامية يا أسماء عشان سرقتى قلبى .
دق قلب أسماء بشدة وللحظة ارتجف جسدها ولكنها حاولت التماسك أمام تلك المشاعر الهوجاء، فهى حقا تميل إليه أكثر من أحمد ولكن بطبيعتها العملية تختار بعقلها وليس بقلبها .
لذا اصطنعت الجمود وقالت: قصدك ايه يا تميم؟.
أنا مش فاهمة حاجة.
تعجب تميم وتسائل: أحقا لا تشعر بقلبه ولا عينيه التى تمطر حبا وعشقا
ولكن كان عليه أن يقطع الشك باليقين ويصارحها بحبه ورغبته فى الزواج بها حتى لا تعذبه ناٖر الحب أكثر من ذلك .
لذا تفوه بتلك الكلمة التى أخفاها منذ عدة سنوات لإنها حب الطفولة .
أنا بحبك يا أسماااء وقلبى حاسس إنك بتبادلينى نفس الشعور من ساعة ما كنا لسه عيال صغيرة .
توترت أسماء من تصريحه المفاجىء ودارت أعينها فى كل مكان لا تعلم بما تجيبه.
وأعلن قلبها الطوارىء وأوشك على الإستسلام أمامه ويعلن الموافقة ولكن يأبى عقلها الإستسلام .
لا لا لن تتزوج بمكانيكى وتُضحك عليها صديقاتها.
نعم فهو ليس أهل لها ولا يليق بها وستضع قلبها تحت قدميها حتى تُميت ذلك الحب الذى ينبض بين جنبيها.
لذا طالعتها بجمود قائلة: ده كان لعب عيال يا تميم ، ودلوقتى احنا كبرنا ومأظنش اللى حاسس بيه ده حقيقى .
وصراحة يعنى سامحنى إحنا مننفعش لبعض خالص وانت باللنسبالى أخ وبس .
تجمد تميم فى مكانه وأصفر وجهه وقال بصدمة: أخ !!
أنتِ بتقولى ايه يا أسماء، أنتِ كدابة .
لو لسانك بيقول كده، لكن عينيكِ بتقول حاجة تانية .
أنتِ بتحبينى زى ما بحبك .
قوليها يا أسماء أرجوكِ ومتحكميش عليه بالإعدام .
فصاحت أسماء دون رحمة: قولتلك مننفعش لبعض يا تميم حتى لو فكرت فيك فى يوم من الأيام.
وبث لنفسك كده وانت تعرف أنا مين وانت مين؟
أنا بنت سليمان الجمال وانت ميكانيكى مشحم، سورى يعنى متزعلش منى .
لم يتحمل تميم تلك الإهانة وشعر أن جسده يتهاوى وقدميه أصبحت كالهلام وبدء يترنح .
ففجعت أسماء وقالت: تميم أنت كويس، أنا اسفة سامحنى .
وعندما حاولت الأقتراب منه لتهدئته ومساعدته، وجدته يبتعد ويشير بيده فى وجهها قائلا بغلظة لم تعهدها منه:
_إياكِ تقربى منى أو تلمسينى يا بنت خالى .
وانسى كل اللى قولته كأنه لم يكن، وبتمنالك كل السعادة مع الإنسان اللى يستاهلك .
_ ومش هقدر أقولك غير ربنا يهديلك نفسك بس صدقينى هيجى اليوم اللى تندمى فيه إنك ضيعتينى من إيديكِ بس ساعتها هيكون فات الآوان .
سلام يا بنت خالى .
ثم إستدار ليطلق لعينيه الإذن بسكب العبرات الحٖارقة على حب عمره الذى فقده فى لحظة .
أما أسماء فوقفت متجمدة تجاهد دموعها ألا تهبط وتحدث نفسها: خايفة تكون اللى قولت صح يا تميم.
بس صدقنى غصب عنى، أنا نفسى فى حياة تانية خالص وأنت متنفعش للأسف.
.........
ولج سفيان إلى غرفته فتخشبت قدماه عندما وجد خليلة القلب ومهجة الروح "شهيرة" تتزين أمام المرآة، وقد أسدلت شعرها الغجرى على ظهرها وأخذت تنثر العطر على عنقها وسائر جسدها حتى امتلئت الحجرة برائحتها الندية لتصل إلى أنف سفيان فأسكرته فى الحال .
فأقترب منها كالمغيب يحاصر خصرها من الخلف بذراعيه، فارتجف جسدها على أثر لمسته.
فردد سفيان بعشق: أنا سفيان يا عمرى أمنك وأمانك ثم
دفن رأسه فى عنقها يستنشق ريحقها.
فهمست شهيرة بدلال: سفيان .
فردد بشوق: عيونه .
فتوردت وجنتيها خجلا، فأمسك سفيان بيدها ليجعلها تستدير وتصبح فى مواجهته، ثم لمس أسفل وجهها ليجبرها إلى النظر إليه، ليبحر فى عينيها الساحرة ليهمس بعشق:
_بحبك اوى يا شاهى، وكل يوم عن التانى بعشقك اكتر .
مش عارف ليه، يمكن عشان بتحلوى كل يوم عن التانى اكتر .
أذابت كلماته ثلوج قلبها ولأول مرة تطالعه بحب بعد أن أدركت قيمته وشعرت كم هى سعيدة معه ولكن بغباؤها كانت تنظر دائما إلى المفقود فانساها ذلك الموجود وهو حب زوجها واحترامه له وهذا ما تفقده كثير من الزوجات الآن للأسف .
دق قلب سفيان وتعالت نبضاته حين وجدها تنظر إليه بنظرة عاشقة تمناها طويلا فاتسعت عيناه بغير تصديق قائلا: شاهى ايه اللى شايفه فى عيونك ده ايه .؟
.
شهيرة بتغنج: شايف إيه؟
سفيان : شايف نظرة طول عمرى بحلم بيها، وإحساس تانى مختلف معاكِ المرة دى، معقول حصل اللى كنت بدعيه فى كل سجدة، حبتينى زى ما بعشق التراب اللى تحت رجليكِ يا شاهى.
فلمعت عين شهيرة بالدموع وقالت بتأثر: ياااه هو أنا كنت وحشة كده اوى معاك لدرجة إنك تحس إنى مش بحبك يا سفيان.
حرك سفيان رأسه بنفى: أبدا عمرك ما كنتِ وحشة معايا بالعكس كنت أجمل وأحن زوجة واجمل أم .
بس بالرغم من كده كنت حزين لإنك بتعملى كده من باب الواجب مش الحب.
وكان نفس يكون بالحب عشان أحسه وأقدر أعبرلك عن اللى جوايا اكتر .
اخفضت شهيرة رأسها ندما وتابعت: معلش كان غصب عنى عشان كان حلمى أكمل تعليمى واشتغل .
فطالعها سفيان بمكر: ولى يحقق ليكِ أمنيتك دى، بس شرط ألاقى النظرة اللى فى عيونك دى على طول .
ارتجف جسد شهيرة وقالت بصدمة: معقول.!!
رفع سفيان حاجبيه وتم بتأكيد: مش معقول ليه، من بكرة أقدم ليكِ فى أحسن كلية بالمصاريف.
شوفى أنتِ عايزة كلية ايه وأقدملك والشغل موجود، هخليكى مديرة المصنع بحاله عشان تكونى تحت عينيه ديما، لإنك بتوحشينى .
دفعها كلماته إلى أن أحاطت عنقه بحب وهمست بصدق: تصور أنا مكنتش أتصور انى بحبك اوى كده .
فتح سفيان فمه وقال: ايه قولتى ايه ؟
توردت وجنتى شهيرة قائلة بحرج؛ وبعدين بقا متكسفنيش .
مش هعرف أقولها تانى .
فغمزها سفيان بمكر: مش لازم تقوليها باللسان تعالى
ننفذها عملى.
ليحملها بين يديه إلى التخت، ليبث لها أشواقه وحبه الذى أدخره لتلك اللحظة التى كان ينتظرها منذ سنوات .
وهكذا مرت عليهم أروع اللحظات السعيدة ولم يخرجها منها إلا صوت الصرخات فى التى كان مصدرها منزل حمدى .
ففزعت شهيرة قائلة: باااابا .
سفيان بتوتر: إهدى يا حبيبتي، وخليكِ هنا وأنا هروح أشوف فيه إيه واجى أطمنك.
لم تتحمل شهيرة الإنتظار فسارعت بقولها بتوتر : لا أنا هلبس وأجى معاك، أنا قلبى مش مطمن، أستر يارب .
فأسرعت لارتداء ملابسها .
أما أشجان فعندما استمعت لصوت الصراخ ابتسمت قائلة: يارب يكون حصل اللى فى بالى ويكون شفيق ولا أمه اللى ماتت .
ولكن عندما خطر على بالها أحمد فزعت وقامت مسرعة قائلة:
_ يا مصيبتى ليكونوا عملوا فيه حاجة، لما أقوم أشوف فيه إيه ولو حصل هقلب عليها واطيها وهقول كل حاجة واوديهم فى ستين داهية .
لتنزل مسرعة لتلتقى بشاهين وشهيرة ووالدها ليتجهوا مسرعين نحو منزل حمدى .
.....
زينب بقولك متتخضش يا ضنايا ده أبوك اللى مات.
بعد ما مضيته على تنازل على ممتلكاته ليك ولأخوك .
فهدىء شفيق وارتسمت الفرحة على ملامحه وتراجع لكى ينام مجددا قائلا: طب: أنا هناك دلوقتى عشان تعبان وابقى صحينى على العزا باليل عشان واجب برده .
فثارت الدماء فى عروق زينب وقالت بحدة: أنت بتستهبل يا شفيق.!!
هو اه غار فى داهية، بس مينفعش تنام وتسيب الناس الغريبة هى اللى توقف معانا .
قوم يلا أتصل بدكتور الصحة عشان يأكد أنه اتكل على الله،ثم خفضت صوتها:
بس أديله قرشين حلوين كده عشان يخلص ويعمل تصريح دفن بعد وفاة طبيعية.
بدل ما ندخل فى سين وجيم ومين اللى زقه ورزعه فى الأرض، خلينا نخلص .
ثم تابعت بسخرية: وأكيد مولانا الشيخ أحمد هيشوف حد من اللى بيقولوا قال الله وقال الرسول يغسله .
فابتسم شفيق مؤكدا: ايوه وأنا هصبر عليه لغاية بس ما ناخد العزا وبعدين هطرده من بيتى ويشوف اى خرابة يبات فيها .
لمعت عين زينب بالفرحة: ياه كان نفسى فى اللحظة دى من زمان.
إنى أشوفه طالع من البيت ده موطى راسه بعد ما كان رافعها وفاكر نفسه دكتور وهو حتة عيل آخره يدى حقن .
شفيق بغل: ايوه يا حجة، ودلوقتى مش هيعرف يكمل كليته عشان الفلوس وهيلف يشتغل ولو حتى زبال عشان يعرف يجيب لقمته .
ليضحك الإثنان ضحكات شيطانية .
زينب: يااه دلوقتى بس هدى قلبى، بعد ما أبوك حرق دمى زمان لما أتجوز عليه .
لتشرد قليلا فيما حدث .
عندما علمت زواج حمدى من شمس، فأخذت تتسائل ما تفعل هل تذهب وتفسد زواجه منها ولو اضطرت لقتٖلها أمامه، ام تصمت لتحرقها نٖار الكبرياء والغرور.
زينب: مش عارفه أعمل ايه،بس حتى لو فرقت بينهم وخليته يطلقها وأنا اقدر على ده كويس، هيفضل برده حططها فى دماغه وممكن يرجعلها تانى من ورايا .
ثم اتسعت عيناها بشر بعد أن طرئت عليها فكرة شيطانية وهى:
لا أنا هسيبه يتنعم شوية معاها وياخد منها اللى هو عايزه لغاية ما يشبع ويزهق ويرجعلى ندمان .
ثم تراجعت وهمست بخوف:
بس لو مشبعش وعرفت تخليه زى الخاتم فى صوبعها وخلفت منه كمان هتعملى ايه ...؟
ساعتها يبقى جنت على نفسها وهساوى بيها الأسفلت ومش هتنفع تكون واحدة ست تانى وهاخد اللى هتخلفه منها وهحٖرق قلبها عليه وهو كمان هيفضل طول عمره مقهور عليها، لأنها هتفضل قدامه بس ميقدرش يجى جنبها ويتمنى هو بنفسه أن لو كانت ماتت واستريحت كان أحسن .
..........
جزع أحمد من صوت صراخ أنهار، وتفتت قلبه لأشٖلاء قائلا بغصة مريرة اجتاحت جوفه: بااابا .
فتحامل على جسده وحاول بصعوبة الأعتدال بقدر الإمكان ثم الإستناد على ذلك الطرف البارز فى التخت ليستطيع الوقوف ثم هاجمه الدوار ليجد نفسه قد جلس مرة أخرى، فبكى بمرارة قائلا:
قوم تانى يا أحمد وحاول، قوم شوف أبوك ماله .
أبوك لو جراله حاجة أنت كده انتهيت يا أحمد لأنك من غيره ولا حاجة.
هتكون لوحدك حتى لو ليك أم بس كلاب الشارع أحن منها وليك أخ من دمك بس الدم عنده مية .
ثم حاول الوقوف مرة أخرى، حتى وجد صديقه شيكو أمامه ورأى فى عينيه ما يخشاه فسقط جالسا مرة أخرى، يرتجف من الصدمة وأحس بنيران تحرق جوفه .
وبخطى ثقيلة كالسلحفاة أقترب منه شيكو بعينين دامعة وقلب يأن حزنا على هذا الرجل الطيب الذى لم يجد منه كل خير .
وحزن أكبر على صديق عمره الذى فقد فى لمحة بصر سنده فى تلك الدنيا .
ـ البقية فى حياتك يا أحمد، إدعيله يا حبيبى بالرحمة .
فخرجت صرخة من جوف أحمد شقت قلب شيكو:
لاااااا أبويا مماتش، لا هو اكيد تعبان بس وهيفوق تانى .
هو وعدنى إنه هيفضل جمبى، عشان عارف مفيش حد حنين عليه غيره، ليه بتكدب عليه يا شيكو وتقول مات .
لا حرام عليك، أبويا عايش مش هيسبنى وحيد فى الدنيا دى، ده أنا أتوه من غيره يا شيكو .
فبكى شيكو وانتحب قائلا: صلى على النبى كده يا صاحبى، واستغفر ربنا، ده أنت حتى مؤمن وعارف إن لكل أجل كتاب، فاسترجع يا صاحبى وربنا يربط على قلبك .
وهات موبيلك أطلع رقم الشيخ مصطفى عشان الغسل .
فاسترجع أحمد بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون.
ليتمكن الألم من قلبه حتى استمع إلى صراخ شهيرة وهى تنعى والدها:
_ هتسبنى لمين يا بابا، ده أنت مش أبويا بس أنت كنت أبويا وأمى وكل حاجة فى حياتى يا حبيبى.
كنت ديما بتاخدنى فى حضنك وطبطب عليه، أعمل ايه من غيرك دلوقتى .؟
فبكى احمد حتى تعالت شهقاته، ونادى بعلو صوته: شهيرة .
لتسمعه شهيرة وتخطو إليه مسرعه لكن حين ناظرته بكت وقالت وصدرها يعلو ويهبط: بابا مااات يا أحمد، الصدر الحنين راح يا اخويا .
فأشار لها أحمد بعد أن مد له ذراعه، لتسرع إليه شهيرة فاحتضنها وبكى ثم همس:
_بس يا حبيبتي، امال أنا روحت فين، هيفضل صدرى مفتوح ليكِ اى وقت وهفضل فى ضهرك طول ما أنا عايش .
شهيرة بنحيب: ربنا يخليك ليه يا حبيبي، أنا عارفة أنت واخد منه حنيته، بس الفراق صعب اوى .
فبكى أحمد وابتعدت عنه شهيرة، ليشير إلى شيكو ساعدنى أشوفه يا شيكو.
ليقوم بمساعدته حتى وصل إليه، فألقى برأسه على صدره وبكى قائلا:
_حبيبى يا بابا، مكنتش عارف أن الفراق هيكون بدرى كده، مكنتش خرجت من البيت وقعدت تحت رجلك .
هتوحشنى اوى يا حبيبى.
كانت أشجان تطالعه من على بعد وتبكى لبكاؤه وهمست:
_ا حول ولا قوه الا بالله ربنا يتولاك يا أحمد .
عندك حق تبكى بدل الدموع دم لأن الراجل ده كان بيحميك من الشياطين اللى هنا ودلوقتى للأسف هيتفتح عليك نٖار جهٖنم منهم.
ولو أطول أخبيك فى قلبى كنت خبيتك لكن للأسف مفيش فى ايدى حاجة يا ابن الناس .
نظرت زينب إلى أشجان بحدة ثم اقتربت منها وقائلة بصوت يشبه فحيح الافعى:
_جيتى يا وش الفقر، من ساعة ما دخلتى بيتنا والفقر مسكه، ومصدقت تغورى يوم من وشى وش ابنى اللى مش طيقك تقومى تيجى تانى .
زفرت أشجان بغصة مريرة:
_الواجب اللى جبنى يا مرات عمى وبعدها هرجع لبيت أبويا تانى عشان ترتاحوا من خلقتى.
فهددتها زينب: اعمليها يا بت إبتهال وهتلاقى جاب بدالك ست ستك، إظاهر أمك معرفتش تربيكِ وأنا هربيكِ من جديد .
بس عشان غلاوة عيال الغالى شفيق، مفيش بيت أبوكِ تانى، مفيش خروج من هنا غير على قبرك، فعيشى بلقمتك .
فأطلقت أشجان لدموعها العنان، بكل ما أوتيت من قوة، فظنوا إنها حزينة على عمها الراحل ولكنها تبكى نفسها وعمرها الذى ذهب هباءاً مع زوج لا أنانى لا يحب إلا نفسه، وحماة ظالمة تسئل الله أن يصيبها فى أعز ما تملك .
....
أما عفاف والدة تميم فكانت تنزوى بأحد أركان المنزل تبكى على مصابها فى أخيها الحنون الذى لم يفتر عن السؤال عنها ومساعدتها على قدر استطاعته .
وكانت تتحاشى النظر الى زينب، لأنها تعلم جيدا إنها تبغضها وقد أقسمت من ألا تدخل منزلها ولا تجتمع بها ولكنها أحنثت بقسمها بعد موت الغالى، فحضرت من أجل أن تودعه الوداع الاخير بصحبة تميم .
ولكن تلك الحية زينب، تآكلت من فرط الغضب لرؤيتها، فأسرعت إليها وقالت بهسيس:
_ايه جابك هنا يا عفاف، مش قولتلك زمان ساعة اللى حصل مش عايز أشوف خلقتك ولا تُدخليلى بيت، ومنك لأخوكِ من بره بره .
عفاف بقلب ممزق: مهو عشان أخويا جيت أودعه يا أم شفيق.
بس قلبى حاسس إن اخويا مات من القهرة منك زى ما قهرتيه زمان على شمس .
_عملتى فيه إيه يا زينب..؟
_أنا مش عارفة أنتِ قادرة تاكلى وتنامى إزاى وأنتِ فى رقبتك ذنب وحدة غلبانة مكنش ليها حد غير الغالى الله يرحمه .
كادت مقلتى عين زينب أن تخرج من شدة الغضب وقالت بحدة:
ده ذنبها هى يا عفاف، عشان اللى بيجى على زينب، عمره ما يكسب أبدا .
ويلا مش شوفتيه يا اختى، يلا مع ألف سلامة عقبال ما تحصليه.
فرفعت عفاف نظرها للسماء وقالت: حسبى الله ونعم الوكيل، اللهم أنت المنتقم الجبار .
قد علمت بسمة بخبر الوفاة الذى تناقل بسرعة البرق فى الحى، فانتهزت تلك الفرصة لتقديم واجب العزاء إلى أحمد فى محاولة منه للفت نظره إليها .
فذهبت إلى منزلهم تتشح بالسواد، وتحاول جاهدة أن تزرف العبرات باصطناع، فتفاجئت بها أسماء أمامها فجن جنونها وقبضت على معصمها قائلة بهدر:
_ أنتِ إيه يا بت اللى جايبك هنا ؟
عاتبتها بسمة: فيه إيه يا أسماء، جايه أعمل الواجب فيها حاجة دى .!
حركت أسماء شفتيها بتهكم: واجب ايه يا ام واجب إمشى يا بت من هنا.
بدل ودينى لأجرك من شعرك لغاية الشارع .
صمت بسمة على أسنانها بغيظ:
_ قادرة وتعمليها يا أسماء، بس ده عزا ولو عملتيها هيكون شكلك وحش اوى .
كانت زينب تطالعهم من على بعد، وتوجست أن بينهم شىء، فأرادت أن تعلم ما يحدث حتى تكيل إلى أسماء التى لن تنسى ما فعلت بها .
فاقتربت منهم قائلة بحدة: صوتكم طالع ليه احنا فى عزا ولا خناقة.!
فبادرت بسمة بقولها: ما أنا جاية اعزى يا حجة واعمل الواجب بس أسماء مش عاجبها وعايزانى امشى.
زينب ببرود: ده بيتى وأنا اللى اقول مين يمشى ومين يقعد .
ليخرج أحمد هائما من الغرفة بعد أن ودع أبيه مستندا على شيكو، حتى يبدء الغسل لانه لن يتحمل أن يشاهد هذا .
فأخذت بسمة تلاحقه بعينيها حتى ولج إلى غرفته.
فلاحظت زينب ذلك فأرادت أن تكيد أسماء فقالت: بقولك ايه يا بنتى، رجلى مش شيلانى من الحزن، ممكن تروحى عند أحمد تقوليله الدفن هيكون دلوقتى ولا هنستنى للصبح.
لمعت عيون بسمة بعد أن جائتها الفرصة، فقالت: حاضر يا حجة زينب.
فذهبت بسمة مسرعة لتتبعها أسماء تهبد بقدميها الأرض .
لتهمس زينب بتشفى : هتتعاركوا عليه عشان دكتور وابن الجمال.
لكن لما يتغير الحال هتتغير النفوس أكيد .
استأذنت بسمة لتدخل على أحمد، فقام لها شيكو ولم ينظر إليها أحمد، فتجهم وجهها وهمست: طيب بصلى ولو نظرة واحدة ..
شيكو: نعم فيه حاجة ؟
بسمة: الحاجة بتسئل الدفن امتى دلوقتى ولا الصبح ؟
فهمس أحمد: مستعجلة اوى على الدفن، ده أنا مشوفتش فى عيونها حزن ولو حتى دمعة واحدة .
احمد دون أن ينظر إليها: قولى ليها الصبح ان شاء الله عشان نصلى عليه الضهر .
لتعود أسماء حزينة، بعد أن ظنت إنها ستلفت انتباهه، لتخبر زينب التى إمتلىء قلبها بالغيظ وهمست:
_لسه هتقعد على قلبى لغاية الصبح يا ابن شمس .
......
لم تعلم دلال سر تلك الغصة التى اجتاحت قلبها فجأة فرددت:
_اه قلبى وجعنى معرفش ليه، أنا محستش الإحساس ده غير يوم موتة أبويا وبعديها جواز أمى من متولى .
بس دلوقتى إيه حصل عشان يجينى، يا ترى ايه حصل .؟
لما أحاول أنام يمكن أرتاح الساعتين دول شوية قبل ما أروح مع الباشا .
فنامت فداهمتها الأحلام .
حين شاهدت أحمد كأنه فى صحراء قاحلة، يهلث من شدة العطش وينظر حوله ليعله يجد ما يروى عطشه وكلما سار بخطواته يتهيىء له أن هناك ماء ولكن عندما يصل إليه يجده سراب حتى بلغ الجهد به مبلغه ولم بتحمل أكثر من هذا سقط مغشيا عليه ينازع الموت ، فصرخت دلال:
أحمد، أحمد .
فاستمع لصوتها المنياوى ففزع وذهب إليها، فوجدها تنازع وهى نائمة، فايقظها:
_ دلال اصحى، أنتِ بتحلمى حلم مزعج .
فوقى عشان تعرفى إنه حلم مش حقيقة .
ففتحت دلال عينيها واستمعت لصوت المنياوى فأدركت أنها كانت تحلم به، ولكن فى آن الوقت شعرت إن هناك خطب ما به وهذا سر تلك الغصة التى شعرت بها فاغمضت عينيها وهمست:
_يا ترى فيك إيه يا مولانا، حصلك ايه اكتر ما أنت مدشدش كده .
أنا حاسه ان السبب فى كل ده هى حلاوتك، أول مرة أشوف شيخ كيوت كده يا ناس
سئلها المنياوى: دلال هتنامى تانى ولا ايه، لا كفاية قومى عشان أوصلك يلا .
فاعتدلت دلال وأجابت: لا يا باشا صحيت خلاص، يلا بينا ..
.......
كتب أحمد منشور على صفحة التواصل الاجتماعي إن والده قد انتقل الى رحمة الله وطلب الدعاء له، فانهالت عليه التعليقات من كل حدب وصوت بالدعاء والرحمة.
وعندما هم ليغلق الهاتف لاحظ صورة لملامح امرأة يحفظها عن ظهر قلب رغم أنه لم يرها سوى مرة واحدة.
واتسعت عيناه بصدمة، جعلت جسده يرتجف، عندما رآها ملتصقة بـ رجل متقدم فى العمر يحاوطها بذراعه وقد كتب بتفاخر أعرفكم بصديقتى الجديدة دلال رحبوا بها، ليشعر بألم فى صدره عندما رأى التعليقات التى كتب بها أحدهم:
_كل حلو يليق بالباشا، اللى مشرفنا وعمره ما بيكبر أبدا .
اكفهرت معالم أحمد وأطلقت عينيه شرارا حارقا وقد تلون وجهها بالحمرة وهمس:
استغفر الله العظيم، هى وصلت لكده يا دلال، وأنا اللى كنت حاسس بالذنب ناحيتك بسبب أسلوبى اللى كان قاسى معاكِ، وفى الأخر اتفاجىء انك مصاحبة راجل فى عمر أبوكِ عشان الفلوس طبعا .
أستغفر الله العظيم، ياريتك كنتِ سبتينى أموت فى الشارع أفضل من إنى أشوفك كده، للدرجاتى هان عليكِ نفسك ورمتيها فى الطين كده.
ثم تراجع وعاتب ذاته:
_وأنا ليه زعلان كده، أنا مالى بيها، كل واحد بيتحاسب على نفسه، ومفروض مقولش غير ربنا يهديها وياريت أقدر انسى إنى قابلتها فى يوم من الايام .
ثم خرج من شروده عندما طرق عليه شيكو الباب، يخبره أن عليهم التحرك الأن إستعدادا لدفن والده.
ثم أقترب منه وتبعه أيضا سفيان لمساعدته على النهوض.
ليبكى أحمد بين ايديهم قائلا:
_ مش قادر أقوم، حاسس إن ضهرى خلاص انكسر ومش مصدق أن بابا مات .
آزره سفيان: وحد الله يا أحمد، وادعيله بالرحمة .
ومتقولش كده، احنا كلنا جمبك وهتخف بإذن الله وترجع توقف على رجليك من تانى .
فردد أحمد بحزن يفتت قلبه: لا اله الا الله محمد رسول الله
اللهم صبرا .
ليتحامل عليهم، ويذهبوا جميعا إلى المدفن أما زينب فلم تذهب معهم بحجة إنها لن تستطيع أن تراهم يضعوا فوقه التراب ولكن الحقيقة إنها تريد أن تأخذ قسطا من الراحة قبل أن تبدء معركتها مع أحمد عندما يعود .
وأثناء خروج شفيق نظر إلى أسماء بطرف عينه وهمس:
_مكنتش عارف إنها حلوة اوى كده، كنت خدتها بدل بوز النكد أشجان.
بس وماله ملحوقة وأنا أولى بيها من الغريب وكمان أرضى أمى واخد بتارها منها .
......
انتهى الدفن وعاد الجميع بقلوب وجلة حزينة ما عدا شفيق الذى لم يذرف دمعة واحدة على أبيه .
وقام شيكو وسفيان بمساعدة أحمد حتى وصلوا به إلى باب المنزل ومن ثم إلى غرفته .
ولكن فى تلك اللحظة كانت هناك أعين تنبعث منها براكين الشر .
فصاحت بصوت عالى: استنى عندك أنت وهو .
ارتفعت الأعين الى زينب فى اندهاش، وترقب .
فنطق شاهين: فيه إيه يا حجة؟
شفيق بخبث وندالة: هتعرف دلوقتى يا شاهين، اتكلمى يا حجة .
كانت أعين احمد تطالع زينب بتوتر بعد أن حدثه قلبه بأن هناك مصاب أيضا كبير بعد مصابه فى والده .
ليصعق عندما بدئت الحديث باسمه .
أحمد .
فطالعها بقلب وجل، فهو منذ الصغر يهابها ويخشى بطشها.
تابعت زينب:
_أنت مبقاش ليك مكان وسطينا، ولا ليك ورث.
فاتسعت حدقتى أحمد قائلا بصدمة: حضرتك بتقولى ايه يا ماما .
فصاحت بغدر كشيطان مارد: أنا مش أمك يا أحمد.
وايوه ملكش مكان وسطينا بعد النهاردة، ولا ورث عشان أبوك قبل ما يموت كتب تنازل عن كل ممتلكاته لشفيق وشاهين .
تدلى فك أحمد للأسفل بصدمة وارتجف قائلا: مش أمى إزاى..؟
للدرجاتى وصل كرهك ليه إنك تحرمينى حتى من كلمة امى .
وإزاى بابا أتنازل عن كل حاجة لشفيق وشاهين، وفين طيب شهيرة ، ده يستحيل .!!
زينب بقسوة: احنا مش بنورث بنات، ثم حدقت سفيان بحدة وتابعت:
_ عشان الورث ميروحش لغريب .
صرخ أحمد: لا يستحيل بابا يعمل كده، عشان كان عارف شرع ربنا كويس .
أكيد يا أمى حضرتك غلطانة .
زينب بوقاحة: أنت مش ابنى ولا كمان حمدى أبوك .
_ أقولك الحقيقة اللى كنت مخبياها عليك سنين .
فوضع احمد يده على قلبه، الذى لم يعد يحتمل كل تلك الصدمات المتتالية .
ضيقت زينب عينيها وتابعت بهسيس شيطاني:
أنت ابن حرااااام .
ابن حرااااام وجابك حمدى من الملجأ عشان ياخد ثواب .
وعشان كده مكنش ينفع تورثه مش من حقك .
وكتب الورث للى أحق بيه
شفيق وشاهين .
ارتجفت شفتى أحمد عند نطقه ...انااااا ايه ...؟
ابن حرام
ولم يحتمل الصدمة وسقط مغشيا عليه بين يدى سفيان وشيكو .
...يتبع
يارب اكون عجبتكم الحلقة وأشوف منكم تفاعل حلو زى قلوبكم .
نختم بدعاء جميل ❤️
وأنا ياربّ، أُنادِيكَ
نِداءَ مَن عَزَّت عَليهِ حَاجتُهُ وهِيَ عِندَك هيِّنَة، إستجب دعوتي وبشرني بها، ولا تترُكنِي وَحدِي فَأنَا عَبدُك الضَّعِيف
يا أرحم الراحمين يا الله ..
بنات ربنا يعلم أنا نزلت الحلقة ازاى وأنا تعبانة جدا وداخلة عمليات الصبح بإذن الله
دعواتكم أخرج بالسلامة لولادى وان محدش يربيهم غيرى .
وان نتيجة العينة تطلع حميدة بإذن الله
ام فاطمة ❤️ روايات شيماء سعيد
.
•تابع الفصل التالي "رواية دلال و الشيخ" اضغط على اسم الرواية