رواية دلال و الشيخ الفصل التاسع 9 - بقلم شيماء سعيد
دلال_والشيخ
الحلقة التاسعة
.........
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ❤️
أغلقت جميع الأبواب فى وجهى ولم أجد سوى بابك يا الله، فارحم ضعيف يحتمى بحماك .
.......
لم يحتمل أحمد كل تلك الصدمات التى تعرض لها مرة واحدة،فقد كان منذ لحظات الدكتور أحمد ابن الحسب والنسب، وتغير الحال به لرجل مجهول الهوية ليس له مأوى.
مما أدى إلى إنهياره وسقط مغشيا عليه أمام الجميع .
فصرخ سفيان: أحمد.
ثم حدق زينب بعين مشٖتعلة من الغضب قائلا:
_ أنتِ شكلك اتجنيتى على كبر يا مرات عمى .
_ايه الكلام الفارغ اللى بتقوليه ده..!
مش كفاية حرمتيه هو وشهيرة من الميراث كمان تقولى عليه استغفر الله العظيم، ابن حرام يعنى عايزة تموتيه كمان .
بس إظاهر مش هو اللى ابن حرام لكن أنتِ اللى ..
فقاطعته زينب بحدة:
_ إخرص يا ابن سليمان، مش عايزة أسمع كلمة واحدة زيادة.
ويلا خد صاحبك واطلعوا يلا من بيتى، فى ستين داهية .
تشنجت ملامح شيكو وقبض على يديه من شدة الغضب قائلا: يلا بينا يا سفيان قبل ما ارتكب جريمة فى الست دى.
وساعدنى يلا نوديه المحل عندى نفوقه ونحاول نهديه ولو أن النٖار اللى جواه بعد اللى سمعه عمرها ما هتهدا أبدا .
رمقه سفيان بنظرة حادة قائلا: أنت مصدق الولية المجنونة دى ولا ايه..!
أنا متأكد مليون فى المية إنه من صلب عمى، لكن صح مش ابنها عشان مفيش أم تعمل فى ابنها كده أبدا .
ومعلش يا شيكو مش هينفع المحل، عشان الناس اللى داخلة ولى طالعة، هنوديه عندنا .
فحملوه وغادروا إلى منزل سفيان .
ليقف شاهين فى منتصف الردهة بعد مغادرتهم، متجهم الوجه والدٖماء تفور فى أوردته حتى صاح أخيرا وهو يطالع والدته وشفيق قائلا:
_ الكلام اللى سمعته ده صح يا حجة، أحمد مش أخونا ؟
فأجابه شفيق على مضض غير مبالى: وأنت يهمك فى ايه يا شاهين، المهم دلوقتى أن الأملاك كلها بتاعتنا وعايزين نقعد أنا وانت عشان نقسم الشغل .
فخرجت من شاهين ضحكة متهكمة لم تغادر شفتيه قائلا:
_نقسم وأبوك لسه جتته مبردتش فى التربة.
وأخوك الصغير اللى ياما اتقسمنا معاه اللقمة واحنا صغيرين، وأحن الناس واشبه واحد بالحاج الله يرحمه يطرد كده .
لتصيح زينب به بحدة:
_ بقولك ايه يا شاهين، أتعدل ولم الدور وإلا هتشوف منى الوش التاني وأنت عارفنى.
وانسى من اليوم واحد اسمه أحمد خالص ولو عرفت إنك كلمته أو اتوصلت معاه، لا أنت ابنى ولا أعرفك .
فأخفض شاهين رأسه بخزى، ولمعت الدموع فى عينيه ولم ينطق بحرف آخر بل اتجه إلى شقته .
فتبعته أنهار التى استمعت هى وأشجان إلى كل ما حدث ، فانفطر قلبها حزنا على أحمد الذى لم ترى منه سوى كل خير .
أما أشجان فشعرت بأن قدميها لم تعد تتحملها، فأخذت تسير كالسلحفاة إلى شقتها حتى وصلت إلى مخدعها وألقت بجسدها عليه همست:
_ يا عينى عليك يا أحمد، هو الطيب كده فى الدنيا يا ناس ملهوش نصيب .
ثم انفجرت فى البكاء قائلة: أعمل إيه دلوقتى أسكت ومقولش اللى سمعته من الحية زينب عشان ميتخربش بيتى ولا أروح أقوله كل حاجة عشان يعرف أنه ابن حلال.
.....
ولج سفيان بأحمد اللى منزلهم وعاد إليه وعيه مجددا، فأسرعت إليه أسماء عند رؤيتهم قائلة:
_ أحمد، مالك يا ابن عمى ؟
فأخفض أحمد رأسه بخزى ولم يجيبها، فأجابها سفيان:
أسماء روحى جهزى أوضة الضيوف لأحمد عشان يستريح فيها، عشان مش طايق البيت هناك بعد موت عمى الله يرحمه .
فارتسمت السعادة على وجه أسماء وقالت: بس كده من عينيه.
أشار سفيان إلى أحمد بالجلوس قائلا:
_أقعد يا حبيبى استريح عقبال ما أسماء تجهز الأوضة .
فبكى أحمد وتعالت شهقاته:
_ استريح..!
هتيجى منين الراحة يا سفيان بعد اللى حصل، ده أنا مش عارف حتى أرفع عينى فى عينك ومش عارف قبلت إزاى أجى معاك .
أنا دلوقتى غريب باللنسبالكم، فهقعد بصفتى ايه ؟
تأثر سفيان بحديثه، فحاوط كتفه ورفع وجهه إليه قائلا بثقة:
_ أحمد أنت ابن عمى ده حقيقى أوعى تشك لحظة فى كده، وأوعى توطى رأسك كده تانى .
أنت احمد الجمال وهتفضل طول عمرك رأسك مرفوعة.
ووعد منى يا ابن عمى هجبلك حقك من الشيطانة دى لغاية عندك.
تصاعدت الأدخنة فى رأس أحمد وردد بقهر: حسبى الله ونعم الوكيل.
استمع سليمان وابتهال لصوت أحمد فخرجوا مرحبين به بحبور .
سليمان: أحمد ابن الغالى عندنا، نورت بيتك يا حبيبى ، ليحتضنه بحب .
لتقول إبتهال: براحة عليك يا حاج عشان تعبان وخليه يقعد يستريح .
فلم يستطع أحمد كبح دموعه وبكى بصوت عالى مزق صدر سليمان، فربت على كتفه بقوله:
_ ايه يا أحمد مش كده، اهدى يا ابنى وادعيله بالرحمة.
أحمد بمرارة أذابت حلقه: ربنا يرحمه، ويتولانى أنا كمان برحمته، ثم اخفض رأسه مرة أخرى .
فصاح سفيان مرة أخرى: مش قولتلك متوطيش رأسك تانى.
طيب أنا هكلم قدام بابا وماما عشان تسمع منهم وتتأكد إنك ابن عمى، لأنهم أكيد حضروا وقتها وعارفين .
عقد سليمان حاجبيه وتسائل: هو فيه ايه يا ابنى، ماله ابن عمكذ بيتكلم على ايه ؟
فطلب منهم سفيان الجلوس لشرح لهم ما حدث، أما أسماء فكانت تستمع من بعيد بفضول لما يحدث .
سفيان: تصور يا بابا بعد العمر مرات عمى ربنا يجازيها بتقول عمى كتب أملاكه لشفيق وشاهين بس بحجة أن البنت مش بتورث وأن أحمد مش ابنهم وعمى اللى رباه وأنه ابن استغفر الله العظيم ابن حرام .
فتعالت شهقات أحمد بالبكاء وضربت أسماء على صدرها قائلة:
_يعنى ايه كده هيضيع كل الأحلام اللى اتمنتها معاه.
فغضب سليمان وغلت الٖدماء فى عروقه ووقف قائلا بحدة:
_ايه الكلام الفارغ ده!!
مستحيل حمدى يعمل كده أبدا فى أحمد ده كان عينه من جوه وابن حرام إزاى وهو مولود قدام عينى .
ثم صمت للحظات واستطرد بحزن:
_بس صح يا ابنى جه الآوان تعرف الحقيقة، أنت ابن حمدى اه بس مش من زينب ابن وحدة تانية اسمها شمس اتجوزها أبوك على سنة الله ورسوله .
تأوه أحمد بألم ولكنه حمد الله بعد علم أنه جاء نتيجة زواج وليس سفاٖح .
ليتسائل بحزن مزق قلبه:
_ طيب ليه متربتش مع امى..؟
واتربيت عند زينب ربنا يسامحها اللى طول عمرها معذبانى وفعلا عمرى ما حسيت إنها أمى ولا مرة خدتنى فى حضنها ولا طبطبت عليه .
وليه أصلا بابا اتجوز على زينب؟.
وأمى فين عايشة ولا ميتة..؟
ولو عايشة ليه سبتنى ورمتنى فى العذاب عند زينب .؟
لمعت عين سليمان بالدموع على ذكر شمس، فقال :
يا ابنى أمك ولا هى عايشة ولا هى ميتة..؟
فحدقه أحمد بإندهاش قائلا: ازاى ده، يعنى ايه ولا هى عايشة ولا ميتة ؟
فحاولت إبتهال بلع الغصة المريرة التى اجتاحت حلقها وقالت: يعنى يا ابنى، مش دريانة بحالها.
ثم صمتت للحظة وتابعت بآسى: عقلها عقل أطفال يا حبة عينى، وزينب السبب .
وعشان كده أبوك أخدك يربيك مع أخواتك وحاول بكل الطرق يعوضك عن حنان الأم فكان ليك أب وأم فى نفس الوقت.
بس للأسف من كتر حنيته عليك،ده خلى زينب تكرهك اكتر واكتر لأنها عارفة ومتاكدة إنه بيعمل كده عشانها، عشان شمس اللى حبها ومحبش غيرها .
فقبض أحمد على يديه بغضب وتلون عينيه بالحمرة وازداد وجهه قتامة.
لاحظ ذلك سفيان فربت على يديه بحنو قائلا:
_ هون عليك يا غالى، ده قدر ربنا ومصير الظالم ياخد جزاءه .
فصاح أحمد وقد بلغ به الغضب مبلغه:
إزاى عملت فيها كده ؟
وفين هى أمى، أوعى تقولوا إنها فى مستشفى المجانين.
نفى سليمان: لا يا ابنى، أمك فى الحفظ والصون عند عمتك عفاف من سنين.
كتر خيرها والله عمتك دى ليها الجنة والله من سنين طويلة بتراعيها كأنها طفلة صغيرة مهما كبرت فى السن، بتأكلها وتشربها وتحميها .
صراحة تعبت اوى، وعملت ده كله من حبها لأبوك الله يرحمه وهو صراحة كان بيعزها اوى ولو طلبت نجمة من السما كان يجبلها .
أخرجت إبتهال تنهيدة مؤلمة من جوفها ثم تابعت بحزن: أنا يا ابنى هحكيلك اللى حصل بالظبط .
أبوك الله يرحمه لما اتجوز شمس كان فرحان اوى وحس أن ربنا عوضه عن جحود زينب معاه.
وكان يا حبة عينى بيروح لها فى السر خطاطيف كده عشان زينب متحسش بحاجة وصراحة شمس كانت مقدرة وعمرها ما زعلت .
وكانت تقوله: المهم أشوفك ولو لحظة واحدة .
بس القدر يا ابنى والمكتوب ومكنوش يعرفوا إن زينب عارفة كل حاجة، ومستنية اللحظة اللى تنٖتقم فيها منهم هما الإتنين .
واستنت لغاية ما عرفت إن شمس ولدت، عشان تحٖرق قلبها عليك يا ابنى ومش بس كده تحٖرق قلب أبوك عليها كمان .
فلاش باااك
ضم حمدى طفله أحمد إلى صدره وقبله من جبينه بحب، فطالعته شمس بعشق وقالت بدلال: أنا على فكرة مغرتش من مراتك زينب اللى وخدة كل وقتك على قد ما غيرت من أحمد ابنك ده اللى بقيت تقضى الساعة الوحيدة اللى بتشوفنى فيها معاه تدلع وتبوس فيه كإن ده أول عيل ليك يا حمدى .
وإظاهر أنا كده راحت عليه بدرى بدرى .
فابتسم حمدى ووضع أحمد برفق فى فراشه، ثم سار نحوها وأحاط خصرها بيديه وقال بحب:
_أنتِ بتغيرى عليه من ابنك يا ست الستات، ده أنا بحبه الحب ده كله عشان بس حتة منك أنتِ .
حاوطت شمس عنقه وهمست بحب: ايوه بغير عليك حتى من الهوا، أنا بحبك اوى يا حمدى،انت باللنسبالى كل حياتى وأمانى وسندى .
أخرج حمدى تنهيدة حارة وقال بعشق: مش عارف أقول ايه بعد الكلمتين الحلوين دول غير إنى عايز هالحين نخاوى أحمد ونجبله أخت صغيرة كده تلعب معاه وساعتها أفضالك يا جميل .
فتعالت ضحكات شمس مرددة: هو أنا لحقت !!
لا وبنت كمان يعنى عايزنى أجيب لنفسى ضرة، لا كفاية زينب .
فزفر حمدى بضيق: تانى مرة تكررى إسمها يا شمس واسمها لوحده بيعصبنى.
أرجوكِ بلاش تجبيلى سيرتها أنا باجى هنا عشان أنساها وانسى الدنيا كلها معاكِ يا شمس .
فعانقته شمس فشدد هو من عناقها ثم ابتعد ونظر إلى ساعته وتبدلت ملامح وجهه للحزن قائلا:
_للأسف الوقت جرى بينا بسرعة زى أى لحظة حلوة بتعدى ولازم أنزل حالا أشوف شغلى .
عقدت شمس حاجبيها وقالت بتأفف: بالسرعة دى يا حمدى، أنت لحقت .
حمدى: معلش يا حبيبتي، بكرة إن شاء الله أحاول أجيلك بدرى عن كده شوية .
ودلوقتى لازم أنزل، ومش هوصيكِ ها متفتحيش الباب غير للحاجة فوزية وبس .
اومئت شمس: حاضر يا حبيبى، فى أمان الله.
ليغادر حمدى ولا يعلم أنها تلك المرة الأخيرة التى يرى بها شمس فى حالتها الطبيعية.
حيث كانت زينب تراقب المنزل ومعها امرآتان أستجرئتهم بالمال، وعندما رأت حمدى قد غادر أمامها والبسمة لا تفارق شفتيه، قتلتهٖا الغيرة .
فقالت بصوت يشبه فحيح الأفعى: يلا يا نسوان.
وزى مقولتلكم أنا مش عايزاها تموت، أنا عايزة يتمنوا موتها لما يشوفوها قدمهم لا بتصد ولا بترد ومخها يطير .
يعنى تكتروا الضرب على دماغها لغاية ما تنسى هى مين وتتهبل.
لم يتحمل أحمد ما سمعه فشعر بدوار يجتاحه وأمسك برأسه كأنه غير مصدق ما حدث له وود أن لو كان هذا حلما ويستيقظ منه ويجد أبيه مازال على قيد الحياة.
فصاح سليمان مشيرا إلى إبتهال: كفاية كده عليه النهاردة يا ابتهال وبعدين نكمل ليه اللى حصل.
فأغمض أحمد عينيه بألم عندما تذكر تلك السيدة التى كان يخاف منها وهو صغير عند عمته بسبب أفعالها الجنونية ويخشى الإقتراب منها وعندما كانت عمته تقول له:
_ تعال يا أحمد متخفش سلم عليها مش تعملك حاجة، دى بتحبك والله يا ابنى اوى .
ولكنه كان يرفض ويبتعد عنها، فضرب جبهته عندما تذكر ذلك وقال:
_يعنى أمى هى الست اللى كنت بخاف أقرب منها وأنا صغير، وكنت بستغرب من بابا لما كان يقعد جنبها ويعيط .
ولما أسئله بتعيط ليه يا بابا بيقول أصلها صعبانة عليه والغريب إنه كان بيوصينى عليها وبكون مستغرب عشان ايه .!
أتاريها أمى وأنا مش عارف.
لتهمس أسماء بعدما استمعت لحديثهم:
_يا مصيبتى يعنى بقا على الحديدة وكمان طلعت أمه مجنونة، لا خلاص كده فى داهية وخلى الست بسمة تشربه بالهنا.
حاول أحمد النهوض قائلا بغصة مريرة إجتاحت حلقه:
_أنا محتاج أشوف أمى دلوقتى.
فنظر سليمان إلى سفيان واومأ برأسه قائلا:
_ ساعده يا سفيان يروح .
ثم أشار إلى أحمد: يا ابنى بس لازم تدرك أنها مش فى وعيها، فمتحملهاش حاجة فوق طقتها ولا تحاول تكلم معاها لأنها مش هتفهمك .
أخفض أحمد رأسه متألما قائلا بحزن: فاهم .
فساعده سفيان وسار به إلى منزل عمته الذى لا يبتعد كثيرا عن منزلهم ..
.......
كنت أعتقد أن شيطانين الجن هم أشد بأسا على الإنسان ولكنى أكتشف عندما تعاملت مع شياطين الإنس إنهم أخطر وأشد بأسا على بعضهم البعض .
وضع شفيق يده على رأسه متألما وقال: أنا حاسس راسى هتتفرتك، أنا طالع استريح محتاج أنام بعد العكننة دى كلها .
عايزة حاجة يا حجة..؟
زينب بتعب وإرهاق: ومين سمعك يا ضنايا، أنا كمان مش قادرة أفتح عينيه وهدخل استريح بعد ما أخيرا خلصت من الهم اللى كان طابق على نفسى العمر كله .
شفيق: بس أنا برده مضايق، عشان سفيان خده عندهم، كان نفسى يبات فى الشارع وميلقيش حد يطبطب عليه .
زينب بغل:
_اه ما أنا عارفة عمك سليمان وسفيان طالعله قلبهم حنين، بس يغوروا بيه المهم احنا خلصنا منه .
بس متقلقش لو استحملوه يوم مش هيستحملوه التانى.
بس اللى مزعلنى أخوك شاهين، مش طالع زيك قلبه من حديد والسبب مراته لإنه مش حكمها ومدلعها زيادة عن اللزوم، بس أنا مش هسكت وهكسرلها دماغها بت إبتهال .
وأنت برده عشان مراتك حالها مش عجبنى، ده غير لسانها الطويل اللى بتعرف ترد بيه دلوقتى.
فثار شفيق وقال بحدة: لا ده أنا اقصولها يا حجة.
بت** هى فاكرة نفسها وحدة ست ولا ايه، دى على جزمتى .
وأنا طالع اهو أربيها عشان أنام مرتاح .
ابتسمت زينب بتشفى: تعيش يا سيد الرجالة، يخليك ليه .
ليصعد شفيق إلى شقته، فاستمع إلى صوت شهقات أشجان وهمساتها وهى تقول:
_قطعت قلبى عليك يا أحمد، منهم لله الظلمة .
فجن جنون شفيق وخرجت من عينيه أسهمة نارٖية من شأنها تحرٖق الأخضر واليابس، فولج إليها كشيطان مارد وعندما رأته على تلك الهيئة فزعت وتراجعت للوراء.
فصاح بحدة:
_صعبان عليكِ مين يا بنت ** ومين اللى ظلمه .
انا هوريكِ مين الظلمة بحق وحقيقى، عشان يصعب عليكِ اوى ابن شمس المجنونة، اه ما أنتِ مجنونة زييه .
ثم انقض عليها يفترسها وجذبها من شعرها حتى كاد أن ينتزعه من رأسها، لتصرخ أشجان: اااااه .
سبنى يا شفيق حرام عليك .
شفيق بغضب: انتِ لسه شوفتى حاجة، ده أنا هوريكِ النجوم فى عز الضهر .
ثم بدء يركلها بقدميه حتى إنها سمعت صوت لأضلعها وهى تتمزٖق، ولم يكتفى بذاك بل حملها إلى التخت ومزٖق ملابسها واعتٖدى عليها بوحٖشية كأنها ليست زوجته.
لتنهمر دموع القهر والألم من عينيها ودعت الله أن يأخذها إليه لكى يرحمها من هذا العذاٖب الذى تعيش به .
وعندما انتهى منها ولاها ظهره ونام فى لمحة بصر، لتطالعه بإزدراء وهمست:
_إلهى تنام ما تقوم يا مفترٖى، منك لله انت وأمك.
ثم حاولت الإعتدال بصعوبة، لتتجه إلى المرحاض حيث حوض الأستحمام لتزيل آثاره ورائحته على جسدها وهى تبكى بمرارة
....
جلست أنهار فى غرفتها حزينة على ما حدث لهذا الشاب الخلوق الذى لم ترى منه سوى كل خير.
_ لا حول ولا قوة الا بالله ربنا معاك يا أحمد يا أطيب خلق الله وربنا يجبلك حقك منها مهما طال الزمن .
ولج شاهين إلى غرفته مهموما وكسى وجهه الحزن، فخفق قلب أنهار وسارعت إليه وجذبت يده برفق واجلسته بجانبها وهمست بلين:
_ وحد الله يا شاهين متعملش فى نفسك كده، كلنا هنموت، ربنا يبرلكنا فى عمرك .
فأخرج شاهين زفيرا حارا معبئا بالهموم قائلا:
بابا مات وارتاح من هموم الدنيا وهو دلوقتى مع الأحن من الكل يا أنهار، لكن أنا انكتب عليه أعيش الهم طول عمرى، ثم لمعت عينيه بطبقة كريستالية واستطرد بحزن:
- مش عارف اعمل ايه يا أنهار فى اللى حصل لأحمد ده ولا كان على بال ولا نية، دبرينى لو عندك حل .
بس أقولك لا متكلميش عشان الحل أنا عارفه وزى كل مرة مش بقدر أفتح بوقى بكلمة .
أنا حاسس انى بقيت وحش اوى يا أنهار، وخايف من حساب ربنا بس مش بايدى، مش قادر أقف فى وش أمى ولا شفيق .
لو عملت اى حاجة هيحرمونى من خير أبويا وهنتشرد أنا وأنتِ والعيال .
عشان كده لازم أسكت، لازم أسكت.
فربتت أنهار على كتفه بحنو وقالت بهدوء ينافى النار التى فى جوفها:
_ سبهم لله يا شاهين، ربنا مش بيسيب وكل واحد هياخد جزائه .
بس أنت أعمل اللى يخلصك من ربنا فى الدرى من غير ما يحسوا .
تعجب شاهين واستفسر: إزاى، قصدك ايه؟
أنهار: يعنى أنت عارف ومتأكد أن أحمد اخوك وشقيقك ومش ابن حرام زى ما ما أمك بتقول.
شاهين: اه طبعا عمرى ما فكرت فى كده ولو لحظة أنه مش اخويا .
أنهار: يبقى متقطعش علاقتك بيه، لأن الاخ سند ولو هو ضعيف دلوقتى ومحتاجك جمبه وانت هتساعده عشان الدم اللى بينكوا، هو ربنا هيكرمه فى يوم من الأيام ويكون سند ليك، وربنا ما يحوجك لحد يا حبيبى .
فحاوط شاهين يديه بوجهها وقربها منه ولثم ثغرها بقبلة ثم قال:
أنا مش عارف من غيرك كنت عملت ايه ولا استحملت القسوة بتاعة أمى وشفيق إزاى .
ربنا يحفظك ليه يا حبيبتي، أنتِ بنت اصول وياما شوفتى من امى واستحملتى.
طالعته أنهار بحب قائلة: كل شىء يهون فدى نظرة حب من عيونك الحلوة دى .
ولكن سرعان ما اخفضت رأسها بحزن ولمعت فى عينيها الدموع، فلامس شاهين وجهها بحب ورفعه برفق وقال بحنو:
_ ماله الجميل مكان كويس ؟
أنهار بغصة مريرة: صعبان عليه أختى اوى يا شاهين، على قد ما أنا ربنا كرمنى بيك وشوفت السعادة معاك وعشان كده استحملت مرات عمى لكن هى يا قلبى مستحملة العذاب من الاتنين وخصوصا شفيق اللى مخلاش فى جسمها حتة مش مزرقة من الضرب .
فزفر شاهين بضيق: هقولك ايه بس يا أنهار، والله فعلا قلبى بيتقطع عليها دى بت عمى وأختى، لكن للأسف شفيق ملهوش كبير وامى هى اللى مقوياه، وربنا كبير وقادر يهديه.
......
اتصل أحد الزبائن على تميم .
_ ايه يا هندسة فينك، قافل الورشة وانا محتاجك ضرورى العربية عطلانة وجبتها لعندك بالزق .
تميم: معلش والله حالة وفاة ومفتحتش، بس حاضر هطلع أفتح عشان عيونك .
وعندما فتح الباب ليخرج وأغلبها من ورائه وجد تقى بنت جارتهم أمامه .
فحمحم بحرج ثم تغافل عنها واتجه إلى طريقه .
لتستوقفه هى بقولها: تميم .
فوقف على مضض واستدار إليها قائلا بحنق: نعم فى حاجة؟
شعرت تقى بالحرج من أسلوبه الحاد منها، فبكى قلبها الذى يحبه قبل عينيها وارتجفت شفتاها مرددة:
_ ليه يا تميم بتعملنى كده، حرام عليك والله .
وأنت عارف انى بحبـ...ك.
فقاطعها تميم: متكمليش يا بنت الناس وألزمى حدودك، الله يكرمك .
ومتعشميش نفسك، قولتلك قبل كده مية مرة، أنك زى أختى
فمتعذبيش نفسك وتعذبينى معاكِ.
تقى بغصة مريرة: كان عندى أمل إنك تحبني يا تميم.
ثم اقتربت منه وحدقت بملامحه الرجولية التى تعشقها وهمست بألم يجتاح جوارحها: لسه بتحبها رغم أنها مش حاسه بيك .
إرتبك تميم وتلعثم: هى مين؟
أنتِ بتقولى ايه ؟
تقى: بقول اللى شايفاه فى عيونك لما تشوفها .
أسماء بنت خالك.
بس يا ترى هى بتحبك زى ما أنت بتحبها..؟
فصاح تميم بغضب: لا انتِ شكلك اتجنيتى وكمان دى حاجة متخصكيش .
بقولك ايه أنا مش فاضى وورايا شغل .
سلام .
ليتركها تبكى على جراحها وحب لا أمل له، أما هو فوقف يزيل دموعه هو الأخر من ذلك الجرح الذى قلبه من حبيبة عمره أسماء التى فضلت السلطة والمال عن الحب .
ااااه من قلبى اللى عذبنى بسببك يا أسماء، وخلانى مبقتش شايف اى حد غيرك وللأسف صعبان عليه تقى هى كمان بتتعذب زييى، بس مش قادر غصبا عنى .
لإنى هظلمها معايا طول ما قلبى لسه بيحبك بس للأسف أنتِ متستهليش الحب ده .
.....
انتظر متولى دلال بلهفة وعلى مضض، بعد أن أقسم إنه لن يدعها تلك المرة من بين يديه حتى يأخذ منها ما يريد، فهو أحق بها من غيره .
قام المنياوى بتوصيل دلال إلى المنزل وعندما توقفت السيارة أمام المنزل إلتفتت له دلال تودعه بإمتنان:
مش عارفه أشكرك إزاى يا باشا، غير انى أدعيلك ربنا يبعد عنك ولاد الحرام ويشفيك عشان تقدر تستمع بحياتك بس بالحلال .
ابتسم المنياوى ولكن ابتسامة مغلفة بألم وأمن على دعائها:
_يارب يا دولى.
وزى ما قولتلك لو احتجتى اى حاجة متنسيش تتصلى بيه .
دلال: اكيد يا باشا، تسلملى.
ثم أخرج من جيبه مبلغ آخر وناوله لها قائلا:
_ خدى دول وهاتى كل اللى نفسك فيه، ومتخافيش من متولى مش هيقدر يجبرك تروحى مع حد تانى وأنا هعوضه بالفلوس .
دلال: الله يسترها معاك يا باشا.
كان متولى يراقب هذا المشهد من النافذة وعندما همت بمغادرة السيارة أسرع إلى غرفتها ، واختبىء أسفل التخت وفى يده سلاٖح أبيض حتى يجعلها تستسلم له بسهولة .
ولجت أخيرا دلال إلى شقتها وذهبت مسرعة إلى والدتها لتطمئن عليها فوجدتها مازلت نائمة، فاكتفت بقبلة على جبينها وتركتها لتسير إلى غرفتها وهى تتثائب لرغبتها فى النوم .
ثم بدئت فى تبديل ملابسها وذلك الذئب يختلس النظر إليها بعيون وقحة ورغبة.
لتلقى نفسها على التخت وتعلق عينيها سريعا لتنعم بقسط من الراحة ،ولكن شغلها التفكير فى هذا الشيخ الذى لم يغب عن مخيلتها ولو لحظة ،فتنهدت وهمست:
يا ترى عامل ايه يا مولانا، ويا ترى لسه فكرنى زى ما انا فكراك ومش قادرة أنساك يا عسل أنت ولا نستنى.
لا اوعى تنسانى، ياااه لو يجمعنى الحظ واشوفك تانى، تبقى أمى دعيالى.
اه منك يا مولانا، تصور حاسه انك وحشتنى معرفش ليه .
مع إن وشك كان كشرى وبوزك شيرين معايا بس برده كنت زى القمر، يخربيت حلاوتك .
وبينما هى شاردة فى أحمد، شعرت بيد تحسس جسدها بوقاحة، فارتجف جسدها وفتحت عينيها بفزع وشعرت أن الهواء بدء ينفذ من حلقها وأوشكت على الإختناق عندما شعرت بأنفاس هذا الشيطان الساخنة تلفح وجهها.
متولى بصوت يشبه فحيح الأفعى: لا أهدى كده يا دولى، ومتخافيش يا بت أنا بقدر الجمال وهتلاقينى حنين اوى،ثم غمزها واستطرد: يمكن اكتر من الباشا كمان .
فصاحت دلال بغضب: ابعد عنى يا وقح، أبعد وإلا هلم عليك الناس وتبقى فضحيتك بجلاجل وهوديك فى ستين داهية .
متولى بخبث: وايه الدليل يا قطة، ما أنتِ مقضياها ومعايا صور تثبت، اشمعنى أنا يعنى .
دلال: اه يا سافل، ابعد عنى والا ودينى أنا هشرب من دٖمك يا متولى لو لمستنى .
متولى بتهكم: لا خوفتينى يا قطة، ليخرج سلٖاحه الأبيض ويضعه على عنقها قائلا: لو اتنفستى بس هكون مخلص عليكِ وبعدها برده هعمل اللى أنا عايزه .
ليبدء ذلك الشيطان فى نزع عنها ذلك القميص القطنى ، وعندما حاولت الصراخ، فبادرها بقبلة طويلة، فنفرت منه دلال وقامت بالإسترجاع على الفور فى وجهه وعلى ملابسه.
فانتفض متولى وقام عنها قائلا بحدة: اه يا بت** يا مؤرفة.
بس والله ما أنا سيبك برده، ثم قام بمسح وجهه وخلع عنه سريعا قميصه، فانتهزت دلال تلك الفرصة لتركض لخارج الغرفة هربا منه، ولكنه أسرع من ورائها ودفعها على الأرض، فسقطت على وجهها وصرخت،ثم انحنى إليها ليتم ما يريد وهو يهددها بذلك السٖلاح وحين أقترب من مبتغاه، اتسعت عين دلال بفزع وصرٖخت صرخٖة مدوية.
لتجد متولى قد سقط بجسده عليها، وشعرت بسائل لزج على صدرها، فنظرت فوجدته دماٖء .
لتنظر لأعلى لتجد والدتها هى من فعلت ذلك به، عندما ضرٖبته على رأسه بألة حٖادة جعلت الدمٖاء تفور منه .
فابعدته دلال عنها وقفت تحتضن أمها قائلة:
_أمى حبيبتي، أخيرا قدرتى توقفى على رجلك تانى.
فبكت والدتها: ربنا اللى قدرنى عشان أمنع الشيطان ده عنك يا بتى.
سامحيني يا بتى أنا السبب فى ده كله، فقبلت رأسها دلال بحب واحتضنتها قائلة: متقوليش كده يا حبيبتي ده نصيب .
ثم ابتعدت ونظرت إلى متولى الغارق فى دٖمائه، فارتجفت قائلة:
_هنعمل ايه فى المصيبة دى، ده كده هنروح فى داهية يا أمى، يعنى مش كفاية أذانا وهو حى، كمان أذانا وهو ميٖت ..
يتبع
يارب تكون عجبتكم الحلقة وأشوف منكم تفاعل حلو
نختم بدعاء جميل ❤️
رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ
ام فاطمة ❤️ روايات شيماء سعيد
•تابع الفصل التالي "رواية دلال و الشيخ" اضغط على اسم الرواية