Ads by Google X

رواية زواج في الظل الفصل التاسع 9 - بقلم ياسمين عطيه

الصفحة الرئيسية

   

رواية زواج في الظل الفصل التاسع 9 - بقلم ياسمين عطيه

أول ما دخلوا على السفرة، المكان كله سكت… الكل بص لهم وكأنهم شايفين أشباح، أجساد ماشية بدون أي حياة، كأنهم ميتين بس لسه بيتنفسوا.
أسماء رفعت حواجبها باستنكار وفي نفسها : “والنبي دولت مكبرين الموضوع قوي! دي رجالة يتعيط عليها؟! ده شكلهم لوحده يقطع الخميرة من البيت!”
نوال وصباح قرروا يتجاهلوا ويكملوا أكلهم في صمت، لكن خليل كان بيبص لهم بقلق، حس إن في حاجة مش طبيعية، فرفع صوته وسأل:
“مالكوا يا حبايبي؟! شكلكم عامل كده ليه؟!”
فؤاد بص لصباح وقال بصوت هادي بس فيه نبرة استنكار: “البنات مالها عاملة كده ليه؟!”
صباح رفعت عينيها وبصت له بنظرة كلها معنى، كأنها بتقوله ما أنت عارف وعامل نفسك مش فاهم! لكن الجد كان موجود، وعارفة إنها لازم تداري، فابتسمت ابتسامة باهتة وقالت:
“دلع بنات بقى، ما أنت عارف!”
الجد ساب الأكل وبص لهم بحدة، صوته كان تقيل وفيه تحذير واضح:
“ما حدش يزعل مراته تاني! مش عايز أشوفهم قدامي بالمنظر ده!”
الجملة كانت بسيطة… لكنها نزلت زي الصاعقة على الرجالة، الكل حس إنه تحت المراقبة، حتى اللي مش فارق معاه خد باله إن الجد مش هيسكت لو الموضوع استمر بالشكل ده.
أسماء في نفسها، بهمس خفيف وحركة فم غير مسموعة، قالت : “حنين قوي يا خويا…”وكملت وهي بتبص لمروان اللي كان قاعد قصادها. نظرتها كانت مليانة غضب مكتوم وهي بتقول في سرها:
“كله منك يا ياض يا عش الأفاعي انت!”
ــــــــــ&ـــــــــــ&ــــــــــ
عبد الحق كان داخل الجنينة وهو ماسك صينية الفطار، وبينادي على الرجالة.
عبد الحق: (بصوت عالي ) “صباح الخير يا رجالة!”
الكل رد عليه بتحية، من ضمنهم عبد الحق حط الصينية على الطاولة اللي قدامهم وقال:
عبد الحق: “يلا رجالة تعالوا أفطروا!”
الرجالة بدأوا ييجوا واحد واحد، إلا أركان اللي لسه قاعد. عبد الحق لاحظ غيابه، فابتسم وقال:
عبد الحق: “ما تيجي يا سعيد؟ أنت محتاج عزومة.”
لكن أركان، بابتسامة بسيطة، رد عليه وهو بيشاور بيده:
أركان: “لا، أنا سبقتكم كلوا انتوا.”

واحد من الرجالة، وهو بيغمز له بعين، قال:
الرجال: “يا عم شكل المدام فطرته!”
الرجالة كلها ضحكت
اركان ابتسم ابتسامة خفيفة كأنها إشارة للخجل وقال بصوت هادئ: حاجه زي كده
واحد من الرجالة بضحك : “كلنا عارفين مين اللي فطرته النهارده! وما تخافش يا عم، مش هنحسدك، ربنا يسهلوا.”
بعد الفطار، وقف عبد الحق أمام أركان بنظرة هادئة وعينين مليئتين بالحكمة، ثم قال له بصوت عميق: “عايزك معايا في مشوار.”
ركبوا السيارة وساروا في طريق غير مألوف لأركان. عبد الحق كان يقود السيارة بهدوء، بينما أركان كان يستغرب المدى الذي أخذتهم إليه. بعد فترة قصيرة، توقفوا أمام أرض مفتوحة، وبدون مقدمات، انقسمت الأرض امامهم الى نصين وكشف طريق آخر تحت الأرض، مما جعل أركان ينظر بدهشة.
“ده ازاي؟” سأل أركان بصدمه.
عبد الحق ابتسم ابتسامة مشيرة وقال: “ده شغل متخطط ليه على أعلى مستوى من زمان، وبيتجدد كل يوم. وربنا يخلي التكنولوجيا، مش عارفين من غير كنا هنعمل إيه.”
وقفوا أمام جدار ضخم بدا أنه لا يحتوي على أي شيء غريب، لكن عبد الحق حرك يده ووضعها في نقطة معينة على الجدار. في تلك اللحظة، فتح الجدار وكأن هناك جهازًا مخفيًا في داخله. أركان، الذي كان واقفًا في مكانه غير قادر على استيعاب ما يحدث، قال باندهاش: “دي فتحت ازاي؟”
“ببصمة إيدي.” قال عبد الحق ببساطة.
“للدرجة دي مأمنين؟” سأل أركان، وهو ما زال في حالة صدمة.
عبد الحق أومأ برأسه وأجاب بهدوء: “أكثر. شايف المكان ده؟ ده ما يجيش 1% من الأماكن التانية.”
أركان رفع حاجبه بتساؤل: “هو في أماكن تانية؟”
“ما تعدش.” قال عبد الحق، بينما دخل عبر الفتحة المخبأة في الجدار.
أركان تبعه بحذر، وفي لحظة دخوله، شعر بجو مظلم وغريب، وكأنهم دخلوا عالمًا آخر. نظر حوله ووجد نفسه في غرفة ضخمة مليئة بالأدوات الغريبة والخزائن المغلقة. أركان سأل وهو يحاول استيعاب الموقف: “المهمات بتعملوها ازاي؟”

عبد الحق نظر إلى المكان، ثم إلى أركان، وقال بنبرة جادة: “اللي انت شفته في الفرح ده، ده نسبة 1% من اللي بيحصل في شغلنا. احنا بنبيع الكحل وهو في العين نطلع الشعر من العجينة.”
أركان بقي واقفًا مشدوهًا، وهو يلاحظ تفاصيل المكان، قبل أن يحرك إصبعه بلطف. فجأة، بدأت الحيطان المحيطة بهم تفتح تدريجيًا، مكتشفة عن خزنة ضخمة مليئة بالذخيرة والمخدرات والأسلحة بكميات هائلة.
نظر أركان إلى عبد الحق وقال بعيون مفتوحة: “كل دا مجرد جزء؟”
“انت كده شقت 1% فقط.” قال عبد الحق بنظرة حادة.
أركان كان واقفًا صامتًا، يدرك تمامًا كم هو عميق ومستقبل هذه اللعبة التي كان يشارك فيها. أدرك أن التنازلات التي قام بها ليست مجرد خطوة صغيرة، بل كانت جزءًا من خطة أكبر بكثير، حيث لو عاشوا 100 سنة لم يكن ليتمكنوا من اكتشاف مثل هذه الأشياء.
الظلام كان يحيط بهم والمكان كان مليئًا بالخطط الخفية التي لا يمكن لأحد أن يتخيلها.
أركان وقف ، باصص لعبد الحق بعينين مشدودتين وسأله:
أركان: “هو في عملية النهارده؟”
عبد الحق بص له بهدوء وقال: “آه، وانت جزء منها.”
أركان حس بضيق، نبرة صوته كانت مشدودة: “طب ما قلتليش من بدري ليه؟ كنت جهزت نفسي.” مش السبب الحقيقي لانزعاجه… هو كان متضايق عشان كان عايز يعرف أبوه بالعملية دي.
عبد الحق قال وهو بيراقب ردود فعله: “انت جاهز كده.”
أركان رفع حاجبه باستغراب: “إزاي؟”
عبد الحق ابتسم وهو بيطلع لبس كرتون من شنطة سودا، حاجة بيتلبس في الحفلات، كان عبارة عن زي شخصية “سبونج بوب”.
عبد الحق وهو بيرمي الزي في وشه: “البس ده.”
أركان وهو ماسك اللبس بعيون مش مصدقة: “ألبسه؟”

عبد الحق بإصرار: “البس بس.”
بضيق، بدأ أركان يلبس الزي، وبمجرد ما دخله، استوعب الخطة… عرف هم بيفكروا في إيه. عبد الحق قرب منه وبدأ يحط المخدرات جوا الزي الإسفنجي، واللي المفروض يكون مليان هوا، لكنه بدل الهوى كان بيتعبى بالكوكايين.
عبد الحق وهو بيظبط حشو اللبس: “مش المفروض يبقى مليان هوا؟ إحنا هنملاه مخدرات. التسليم هيتم في حفلة أيتام النهارده في جمعية الحاج صلاح.”
أركان في سره: “يولاد الحرام”… وكمل وهو بيسال عبد الحق”الخطة جت بسرعة كده؟”
عبد الحق وهو بيربط الحزام حول اللبس، صوته كان هادي لكنه تقيل زي الرصاص: “في شغلتنا، مفيش حاجة اسمها نسيب الأكلة تبات… لازم تتاكل سخنة عشان ما حدش يلحق يشم ريحتها.”
ثم بص لأركان بحدة، كأنه بيحذره: “وأكيد بينا خاينين… فاحنا ما بنديهمش فرصة، لا بنسمع مبررات، ولا حتى بنتأكد إن كان خاين ولا لا… بنصفي على طول. ما احنا عندنا رجالة كتير… بيروح واحد وييجي عشرة.”
أركان كان واقف في مكانه، مستوعب حجم الليلة اللي داخل فيها… التنازلات اللي عملها عشان يوصل لمرحلة إنه يتغلغل في وسطهم كانت تستاهل، بس النهارده هو مش بس جوه العصابة… النهارده هو فعليًا المخزن المتحرك بتاعهم.
أركان بص حواليه، لقى رجالة تانية بتلبس شخصيات كرتونية مختلفة، ميكي ماوس، بطوط، توم وجيري… كلهم بيتحركوا حوالين بعض كأنهم فرقة استعراض أطفال، لكن الحقيقة كانت أبعد ما يكون عن البراءة. كل جسم بيتعبى بأنواع مختلفة من المخدرات، الهيروين في واحد، الكوكايين في التاني، الترامادول في التالت… والتحميل شغال بدقة، كأنهم بيجهزوا بضايع لعملية شحن رسمية.
دخل مروان وعادل وسليم وطاهر، عيونهم بتفحص كل حاجة، خطواتهم تقيلة، ملامحهم جامدة، بيتأكدوا إن كل شيء مضبوط، وإن التوزيع بيتم بسلاسة.
مروان وهو بيبص للرجالة: “الكل جاهز؟”
عبد الحق وهو بيهز راسه: “تمام… اتحركوا.”
ركبوا الرجالة في عربية مصفحة، ونزلوا في المكان المخصص
أركان نزل من العربية المصفحة وهو لابس بدلة “سبونج بوب”، الجو كان مليان بهجة زائفة، الأطفال بيجروا حوالين الشخصيات الكرتونية اللي بدأت تظهر واحدة واحدة. لكنه لقى حاجة غريبة… كل شخصية كرتونية كان ليها نسخة تانية شبهها بالظبط!

ميكي كان فيه منه اتنين، بطوط نفس الشيء، توم وجيري كل واحد فيهم له توأم، وحتى سبونج بوب اللي لابسه أركان… كان فيه واحد تاني زيه واقف مش بعيد عنه. لحظة ارتباك عدى بيها بسرعة، لكنه فهم إن دي خطة لإرباك أي حد بيراقب، بحيث لو حد لاحظ أي حركة غريبة، مش هيعرف يحدد مين الحقيقي ومين التمويه.
بدأت “الشخصيات” تتحرك وسط الحفلة، بيلعبوا ويرقصوا مع الأطفال كأنهم جزء من العرض، لكن الحقيقة كانت أبعد ما يكون عن البراءة. وسط الفوضى والضحك، كل واحد كان بيتحرك في اتجاه معين، بعد لحظات، بدأ التوزيع.
كل شخصية كرتونية اتحركت ناحيه عربية معينة، مش عربية واحدة كبيرة زي ما كان متوقع… لأ، كل واحد راح لعربية شكل، بألوان مختلفة، بأرقام مختلفة، وباتجاهات مختلفة. أركان كان عارف إنه رايح المنصورة، لكن الباقيين؟ محدش يعرف، كل واحد كان ليه طريقه الخاص.
في اللحظة اللي ركب فيها أركان العربية، بص من الشباك الخلفي، لقى عبد الحق واقف على جنب، عينه بتمسح المكان، بيشوف كل حاجة، بيراقب كل تفصيلة… ملامحه هادية، كأنه متأكد إن خطته هتمشي زي ما هو راسمها بالمللي.
المحرك دار، والسواق بدأ يتحرك، أركان كان قاعد ساكت، لكنه كان عارف… إنه داخل على المرحلة الأخطر.جوه اللعبة، حاسس بنفسه محبوس في سجن إسفنجي، لكنه كان عارف إنه لازم يكمل.
بعد وقت قصير، بدأت عملية النقل التانية… كل “كرتون” بدأ يتحرك بهدوء لنقطة معينة، وهناك، ظهر رجال بأزياء عادية بياخدوا البضاعة، كل واحد في منطقة شكل، كأنها شبكة توزيع محكمة للأماكن الصغيرة. أركان لاحظ الطريقة المحكمة اللي بيشتغلوا بيها، التوزيع دقيق، كل حاجة محسوبة، كأنها شبكة عنكبوتية ممتدة عبر الشوارع المصرية.
في دماغه، كان بيفكر: “لو الصغار بيتصرف لهم البضاعة بالطريقة دي، أمال الكبار بتوصل لهم إزاي؟”
كان قاعد، بيحاول يفهم حجم الحبكة في الخطة، إزاي الناس دي بتفكر بجد… كل شيء ماشي بسلاسة، بدون أي غلطات، بدون أي شكوك. كانت خطة متقنة… وده اللي خلّاه يحس قد إيه مهمته خطيرة، وإنه لازم يكون أذكى منهم بكتير عشان يكشف اللي ورا المشهد المرسوم بدقة ده.
ـــــــــ$ــــــــــ
في فرقة ليلي
الساعة عدّت نص الليل، وليلى لسه قاعدة في أوضتها مش قادرة تنام، عينيها مثبتة على الباب، كأنها مستنية أركان يدخل في أي لحظة. بقت متعودة إنها ما بتنامش غير وهي في حضنه، لكن اللي مزود قلقها مش بس غيابه، لأ… اختفاءه التام طول اليوم.

من الصبح ما شافتهوش، حضّرت الغدا وما كانش موجود، استنته في العشا وما ظهرش، حاولت تطمن نفسها إنه يمكن مشغول… بس جواها كانت حاسة إن في حاجة غلط، حاجة تخوف.
كل الأفكار السيئة بدأت تلف في دماغها، طب يا رب يكون بخير؟ طب كشفوه؟ حد عمل له حاجة؟ مش ممكن يكون مشى لوحده كده ولا اختفى من غير سبب!
القلق كان بيزيد كل لحظة، قلبها كان بيتخبط في ضلوعها، وأخيرًا وهي مش قادرة تتحمل أكتر، مسكت الموبايل واتصلت على عدلي، يمكن يكون عنده خبر عن أركان.
عدلي رد بهدوء: “خير يا ليلى؟ في إيه؟”
ردّت بسرعة وخوفها باين في صوتها: “أركان فين؟ مش عندك؟”
عدلي قلبه وقع من السؤال، اتنفض من مكانه وسألها بحدة: “أركان؟ ما تواصلش معايا النهارده خالص! هو مش عندك؟”
ليلى حسّت إن روحها بتطلع، لو عدلي مش عارف مكانه، يبقى فعلاً في كارثة. القلق زاد، وعدلي نفسه بدأ يحس بخوف عمره ما حسّه قبل كده على ابنه.
ليلى قفلت المكالمة وهي مش قادرة تبلع ريقها، قلبها كان بيتخلع من مكانه… مش عارفة تعمل إيه
كانت ليلى واقفة عند الشباك، إيديها على قلبها اللي بيدق بسرعة، عينها بتمسح الطريق، وقلبها متعلق بأمل ضعيف إنه يظهر فجأة. وفجأة… لمحته! كان جاي من بعيد، خطواته تقيلة كأنها شايلة همّ العالم كله.
ما فكّرتش في أي حاجة، فتحت باب الأوضة بسرعة وطلعت تجري، رجليها كانت أسرع من تفكيرها، ولا همّها حد، ولا حتى نظرات الناس، ولما وصلت عنده… رمت نفسها في حضنه بدون تردد.
أركان اتخض، وقف مصدوم للحظة، لكن سرعان ما لف إيده حواليها عشان اللي حواليه، وهو نفسه مش عارف رد فعله الحقيقي إيه.
واحد من الرجالة بصله بضحكة وقال: “يا بخت يا عم اللي متجوز ومراته قلقانة عليه كده.”
عبد الحق بسخرية: “هو انت ما قلتلهاش انت رايح فين؟”
أركان رد بطريقة شبه منزعجة: “هو انت اديتني فرصة أقول لنفسي حتى؟”
عبد الحق بابتسامة ساخرة: “شغلانتنا كده… بتتاخد من الدار للنار.”
أركان وهو بيتمطّع بتعب: “بكفاية نار على كده النهارده… تصبحوا على خير، أنا رايح الدار.”

مسك ليلى من إيديها وسحبها ناحيه الأوضة.
ليلى كانت مكسوفة من اللي عملته، بس في نفس الوقت مش مصدقة إنه قدامها وسليم، كانت لسه متعلقة بذراعه وهي داخلة الأوضة، وبمجرد ما قفلوا الباب، رفعت عينيها ليه بحرج وهمست: “أنا آسفة… بس أنا كنت خايفة عليك بجد.”
سكتت لحظة، لكنها سرعان ما افتكرت كل القلق اللي عاشته طول اليوم، فبصت له بصدمة وقالت: “أنت كنت فين طول النهار؟ أنا كنت هموت من الخوف عليك! وصح… طمّن باباك، لما قلقت عليك قوي رنيت عليه أشوفك عنده ولا لأ.”
أركان وهو بيتمدد على الكرسي بتعب: “أنا كده كده كنت لازم أكلمه… اللي شفته النهارده ما يتخيلوش عقل بشري طبيعي.”
ليلى قربت منه بفضول: “إيه اللي حصل؟
أركان بابتسامة خفيفة وهو بيخرج الموبايل: “اقعدي… هتسمعي كل حاجة بنفسك.”
كان أركان قاعد على الكرسي، مسنود بظهره، وإيده ماسكة الموبايل، شارد للحظة كأنه بيجمع أفكاره قبل ما يضغط على زر الاتصال. ليلى كانت قاعدة جنبه، عنيها عليه، متوترة ومستنية تسمع كل حاجة بنفسها.
رنّ الموبايل، وعدلي ردّ بسرعة كأنه كان مستني المكالمة بفارغ الصبر:
عدلي بقلق: “أركان! أنت فين يا ابني؟ ليلى كلمتني وقالت لي إنك مختفي طول اليوم، قلقت عليك.”
أركان وهو بياخد نفس طويل: “أنا كويس يا بابا… بس اللي شفته النهارده… مستحيل كنت أتخيله، حتى وإحنا شغالين في المجال ده.”
عدلي بصوت جاد: “إيه اللي حصل؟”
أركان بصّ لليلى للحظة، شاف ملامح الترقب على وشها، وقرر يحكي بدون فلترة:
أركان: “شفت مخزن سلاح ومخدرات تحت الأرض، مكان محدش ممكن يتخيل إنه موجود، كله متأمن ببصمات، بأحدث تكنولوجيا، أماكن سرية متوصلة ببعضها من غير ما حد يشك، ومش ده بس… الطريقة اللي بيهربوا بيها البضاعة… بابا، دي مش تجارة، دي دولة داخل الدولة.”
عدلي بصدمة: “تحت الأرض؟!”
أركان بجدية: “أيوه… تحت الأرض، مش مجرد أنفاق أو مخابئ، دي أماكن معمول حسابها إنها تكون غير قابلة للاختراق.”

عدلي بقلق شديد: “وأنت عملت إيه؟”
أركان بنبرة باردة، لكنه من جوه كان مشتعلاً: “كنت واحد منهم، لبست شخصية كرتونية، وحطوا المخدرات في اللبس، وكل واحد فينا كان رايح مكان مختلف، كانوا بيهرّبوا البضاعة جوه حفلة أيتام… حفلة أيتام، يا بابا!”
عدلي بصوت ثابت، لكن فيه اهتمام: “استنتجت إيه؟”
أركان وهو بيحاول يربط الخيوط: “أول حاجة، النظام بتاعهم دقيق جدًا، مفيش حد بياخد تفاصيل أكتر من اللي محتاجها، ودي نقطة قوة ليهم، بس برضه نقطة ضعف لو عرفنا نستغلها. ثاني حاجة، واضح إن في تمويل كبير بيجي لهم، الأسلحة اللي معاهم مش بتاعة تجار مخدرات عاديين، دول عندهم موارد أقوى من المتوقع.”
عدلي: “وإنت إيه وضعك دلوقتي؟”
أركان: ” عبد الحق بدأ يثق فيا أكتر، وده معناه إن عندي فرصة أتوغل أكتر في وسطهم.”
عدلي بتحذير: “أركان، إحنا مش مستعجلين، خليك حذر ومتعملش خطوة متسرعة، الناس دي عندها عيون في كل مكان عشان كده لازم نمشي بالهدوء اللي هم ماشيين بيه. أي خطوة غلط ممكن تخسرنا كتير وهضيع كل اللى احنا عملناه.”
أركان بتنهد وهو بيحاول يرتب أفكاره: “متقلقش يا بابا، أنا عارف أنا بعمل إيه. كنت عايز أكلمك من بدري وأعرفك اللي بيحصل، بس بعد اللي شفته النهارده، تأكدت إن الناس دي مش هتقع بمهمة واحدة، ولا هيتكشفوا بسهولة. دول مش مجرد تجار مخدرات، دي شبكة منظمة، عندهم طرق مابتخطرش على بال حد، ولازم ناخدهم على الهادي أوي.”
عدلي بنبرة هادية لكن فيها تقدير لفهم ابنه: “كده انت فهمت… وأنا اطمنت عليك وعلى مستقبل المهمة.”
أركان أنهى المكالمة، خد نفس عميق وهو بيبص قدامه، وكأنه بيحاول يهضم اللي حصل.
ليلى، اللي كانت قاعدة جنب أركان، كانت حاطّة إيديها على فمها طول المكالمة، ملامحها تحولت من القلق للصمت، للصّدمة، للرعب الحقيقي. عينيها كانت بتلمع، كأنها بتتخيل أركان وسط كل ده… وسط السلاح والمخدرات، وسط عالم ما فيهوش أمان، وسط ناس ممكن ينهوا حياته في ثانية لو اكتشفوا حقيقته.
عينيها فيها صدمة واشمئزاز، وهي بتقول بصوت واطي لكنها مش مصدقة:
ليلى: “حفلة أيتام… مخدرات في لبس شخصيات كرتونية… التوزيع ماشي بالشكل ده؟ إنت بتقول إن اللي بيبيعوا في الشوارع أصغر نقطة في الشبكة، طيب اللي فوق بيوصل لهم إزاي؟”

أركان وهو بيبصلها: “ده اللي عايز أوصله.”
ليلى بتنهيدة وهي بتحط إيديها على راسها: “أركان، أنا كنت عارفة إني داخله في حاجة خطيرة، بس مش متخيلة المستوى ده من القذارة… الناس دي مش عندها ضمير أصلاً!”
أركان وهو بيبصلها بتركيز: “عشان كده لازم نقضي عليهم.”
ليلى وهي بتبص له بخوف حقيقي عليه وفي نفسها: “أنا مش خايفة من المهمة… أنا خايفة عليك.”
أركان طفى النور وسحب الغطاء عليه، كان جسمه كله متعب، بس عقله لسه صاحي، بيدور في اللي شافه النهارده. المهمة بقت أكبر مما تخيل، واللعبة اللي دخل فيها مش سهلة.
ليلى كانت لسه صاحية، نايمة على جنبها بتبص له في الضلمة، مش قادرة تمنع نفسها من التفكير فيه. قلبها كان مقبوض طول اليوم، بس دلوقتي هو هنا، قدامها، بأمان… أو على الأقل ده اللي بتقنع نفسها بيه.
كان الجو هادي في الغرفة، والليل طويل وصمت الغرفة كان ثقيل. ليلى كانت مش قادرة تنام، عينها ما كانتش قادرة تقفل رغم إنها حاولت كتير.
أركان كان حاسس بحركتها في السرير، فتح عينه بشكل خفيف ولف جسمه ناحية ليلى. شاف تعبير وجهها اللي بيدل على التوتر.
قال لها بهدوء: “مش عارفه تنامي صح؟”
ردت عليه ليلى بصوت خافت: “لا… مش قادره.” حاولت تركز في تنفسها عشان تهدى، لكن كل فكرة عنها كانت بتدور حوالين أركان.
فجأة، حست بشيء غريب بداخلها، ما كانتش قادره تسيطر عليه. نظرت له وقالت بحرج: “ممكن أنام في حضنك؟ ”
أركان حس بجزء في قلبه بيتأثر، وحاول يضل بروده المعتاد، لكنه في نفس الوقت مكنش قادر يرفض. فتح ذراعيه لها، وقال بصوت هادي بمعنى تعالي
ليلى بدون تردد، انزلقت ناحيته وحطت راسها على صدره، جسمها ارتاح في حضنه. كانت اللحظة دي مختلفة، مش مجرد طلب عادي، كانت لحظة ما بين الغموض والمشاعر اللي اتجمعوا في قلبها.
أركان حس بشيء غريب، لكن خلى دماغه على جانب وهو بيحاول يركز في المواقف اللى مر بيه اليوم. لكنه ما كانش قادر ينكر إن وجود ليلى جنب قلبه مريح بطريقة ما.

ــــــــــــــــــ
في صباح اليوم الجديد،كانت الأجواء هادئة لكن كانت ليلى حاسة بنشاط غريب جواها، نشاط مش طبيعي، زي ما كان في حاجة في الجو أو في قلبها بتخليها تتحرك بسرعة أكبر. صحيت من سريرها دخلت المطبخ، بتحضر الفطار لأركان بعينين مليانة حيوية. كان عندها إحساس عميق إنها هتعمل يوم مختلف، مش بس عادي.
أركان فتح عينه بهدوء، كانت الشمس مش ساطعة لدرجة كبيرة،لكن لما شاف ليلى بتجهز الفطور بحماسة، شعر بشيء غريب جواه. قالت له وهي مبتسمة: “صباح الخير، الفطار جاهز، تعالى افطر.”
أركان رفع حاجب، شويه مش مصدق: “صباح الخير.” بعدين، اتجه للمائدة وقعد، ليبدأوا فطار مع بعض في هدوء غير متوقع. كان في الجو نوع من الراحة، ليلى حاولت تعوّضه عن اليوم الصعب اللي مر عليه.
بعد الفطور، قالت ليلى: “أنا رايحة الفيلا علشان أبدأ الشغل، لازم أنجز زي كل يوم.” أركان اكتفى بنظرة قصيرة وهو بيشرب قهوته، بينما ليلى انطلقت نحو الفيلا عشان تكمل مهامها المعتادة.
الجو كان هادي، لكن في داخل ليلى كان فيه نوع من الترقب، مش قادرة تعرف ليه، هل هو الخوف من شيء غامض بيحصل حواليهم؟ أم هي مجرد مشاعر مفاجئة؟ ولكن مهما كان، كان قلبها في الحظات دي بيغني بحيوية وحماس، رغم أنها ما كانتش تعرف إن اليوم ده هيحمل ليهم مفاجآت مرعبة.
ابتدت ليلى تنظيف الفيلا، لكن في وسط النشاط المعتاد كان فيه شيء غريب في الجو. محروس دخل عليها بتوتر وقال: “هنية ست، صباح بتقول لك السواق مستنيكي بره عشان هتروحي تنظفي شقة المعادي.”
ليلى استغربت وقالت: “ايه دا؟ ليه فجأة؟”
محروس كان بيتهته في الكلام: “عشان هي… هتروح فيها تقضي يومين من ضغط الفيلا وكده.”
ليلى حاولت تطمئن نفسها وقالت: “طب، هي الشقة فيها كل حاجة يعني مش هحتاج مقشة أي حاجة؟”
محروس رفع حاجبه وقال بخوف: “كل حاجة هتحتاجيها هتلاقيها هناك.”
ليلى تنهدت وقالت: “يلا، أنا جاهز اهو.”
فعلاً، ركبت ليلى العربية. لحظتها، أركان ما كانش واقف على البوابة. كان مشغول بحاجة تانية في اللحظة دي، وما شافهاش وهي خارجة من الفيلا. ليلى كانت ماشية نحو المجهول، ما تعرفش إنها هتواجه حاجات أكثر من اللي بتتصور.

اللحظة دي خرج مروان راح خبط على كتف محروس وقال: “ركبت العربية؟”
محروس كان واضح عليه الزعل وقال: “أه.”
مروان ابتسم وقال: “برافو عليك، يلا على شغلك.”
ووووووووو
 


google-playkhamsatmostaqltradent