رواية في ظلال الحب المفقود الفصل الثاني عشر 12 - بقلم مهجة
"بين لحظات القلب وأصوات الليل"
في المساء، امتلأ المنزل بحيوية العائلة، وترددت ضحكات الفتيات في أرجاء المكان. كانت الأرائك مزدحمة بالوسائد، والبطانيات مبعثرة هنا وهناك، والجميع يستعد لقضاء ليلة جماعية طالما أحبوها في زياراتهم العائلية. تمددت ليان أولًا على الأرض، ثم لحقتها أروى وهي تحمل كيسًا صغيرًا من الفشار، بينما ألقت ملاذ بنفسها على طرف المرتبة وهي تضحك وتقول:
- "من فضلكن، لا يقترب أحد من بطانيتي، فهي الوحيدة النظيفة هنا."
جلست سُكرة في الزاوية، تراقب الأجواء بصمت ودفء. بدا عليها التعب، لكنها لم تشأ أن تفوّت تلك اللحظات المليئة بالمحبة. انسحبت بلطف تحت بطانيتها، وتقلّبت قليلًا حتى وجدت وضعية مريحة.
كانت رهف تبحث عن مكان لتنام فيه، لكنها لم تجد سوى بقعة صغيرة بجانب سُكرة. نظرت إليها مترددة، ثم همست:
- "آسفة يا سُكرة، لا يوجد مكان سوى بجانبك، هل أزعجكِ؟"
لم تجب سُكرة... كانت تغلق عينيها ببطء، وغرقت في النوم أسرع مما توقعت رهف.
استلقت رهف بهدوء، وأغمضت عينيها تحاول النوم، حين شعرت فجأة بشيء دافئ يلامس يدها. نظرت بخفة لتجد يد سُكرة تبحث عنها، ثم تتشبث بها برفق. وقبل أن تستوعب ما يحدث، همست سُكرة بصوت شبه نائم، مليء بالصدق والضعف:
- "أدهم... أدهم..."
تجمّدت رهف في مكانها، واتسعت عيناها بدهشة وسعادة. نظرت إلى سُكرة التي ما تزال تغط في سباتٍ هادئ، تحتضن يدها كأنها أمان مؤقت في حلمٍ شفاف.
لم تقل رهف شيئًا... فقط ابتسمت، وأغمضت عينيها على دفء اللحظة. كانت سُكرة، أخيرًا، ودون أن تدري، تفصح عمّا في قلبها.
---
في الصباح التالي، كانت رهف أول من استيقظ. جلست على السجادة، تتأمل الفتيات النائمات من حولها، ثم أخذت هاتفها ومشت على أطراف أصابعها إلى المطبخ. هناك، وجدت ليان وملاذ تتناولان الشاي بهدوء.
قالت وهي تهمس بحماس:
- "فتيات... لا بد أن أخبركما بشيء حدث البارحة."
رفعت ليان حاجبها مازحة:
- "حدث شيء؟ لا تقولي إنني صرخت أثناء نومي!"
ضحكت ملاذ وقالت:
- "أو شربتِ ماءً بدل العصير؟"
لوّحت رهف بيدها مبتسمة بمكر:
- "كلا، اصمتا قليلًا واستمعا... سُكرة، البارحة، أثناء نومها... أمسكت بيدي، وقالت: 'أدهم... أدهم'."
ساد الصمت للحظة، ثم اتسعت عينا ليان بدهشة وقالت:
- "حقًا؟!"
هزّت رهف رأسها بحماس:
- "أقسم، كانت تحلم به، واضح جدًا! لكنها نطقت اسمه بطريقة... تحزن وتفرح في آنٍ واحد."
ابتسمت ملاذ، ونظرت إلى كوبها، ثم همست:
- "بداية الذوبان."
ضحكت ليان وقالت:
- "والله، إن علم أدهم بذلك، لطار من الفرح."
ردّت رهف وهي ترفع حاجبيها:
- "سوف أخبره... ثم دعونا نراقب بصمت ما سيحدث."
ومع إشراقة الشمس، بدأ يوم جديد يحمل همسات حب صغيرة... وقلوبًا تقترب دون أن تدري.
ما إن فتحت سُكرة عينيها، حتى وجدت وجوه البنات تحيط بها كأنها محاصَرة في حلمٍ غريب. كانت ليان، رهف، وملاذ يجلسن حولها بعيون تلمع بالفضول والضحك المكتوم.
قالت رهف وهي تبتسم بمكر:
- "صباح الخير يا عاشقة... هل نمتِ جيدًا؟"
رفعت سُكرة حاجبيها باستغراب، وهي تحاول الجلوس:
- "ما الذي يحدث؟ لماذا كلكم محيطون بي هكذا؟"
ضحكت ملاذ وقالت:
- "نريد فقط أن نسألك عن أدهم... هل هو في بالك لهذه الدرجة؟"
اتسعت عينا سُكرة، وارتبكت نظراتها، فقالت ليان بسرعة:
- "رهف قالت إنك أمس أمسكتِ يدها وأنتِ نائمة، وقلتِ اسمه بصوت واضح... مرتين!"
قالت سُكرة وهي تحاول إخفاء توترها:
- "أنا؟! مستحيل... أكيد أنتِ من حلمتِ بذلك، أو ربما تتخيلين."
أجابت رهف وهي تضحك:
- "أنا؟! لا، والله، أنتِ من حلمتِ بذلك... وحلمك كان بصوت عالٍ أيضًا!"
اقتربت ملاذ وهمست بسخرية خفيفة:
- "وعلى فكرة... أخبرنا أدهم."
شهقت سُكرة:
- "أخبرتموه؟! لماذا فعلتم ذلك؟! ماذا قلتم له؟!"
أجابتها ليان وهي تضع يدها على كتفها:
- "أخبرناه أنكِ قلتِ اسمه، وأنكِ كنتِ متأثرة بالحلم... لكننا لم نخبره بشيء آخر."
وقفت سُكرة بسرعة، وعيناها تبحثان عن مخرج من هذا الموقف المحرج. أخذت نفسًا عميقًا، ثم قالت بلهجة حاسمة:
- "سأذهب لأتحدث إليه بنفسي."
---
في الممر المؤدي إلى الحديقة الخلفية، وجدت أدهم واقفًا عند الشجرة الكبيرة، يُقلّب هاتفه بين يديه. اقتربت منه بخطى مترددة، لكنها تماسكت.
- "أدهم..." قالتها بخفوت.
رفع نظره إليها بابتسامة خفيفة:
- "مرحبًا، صباح الخير."
- "صباح النور..." سكتت قليلًا، ثم تمتمت:
- "هل قالو لك البنات شيئًا عني؟"
هز رأسه وأجاب بهدوء:
- "نعم، قالوا إنكِ... كنتِ تحلمين، وقلتِ اسمي."
احمرّ وجهها، لكنها رفعت رأسها بسرعة:
- "هم يكذبون! ربما كانوا يمزحون، أو فهموك بشكل خاطئ. أنا لم أقل شيئًا، أكيد كانوا يحاولون إحراجي فقط."
ابتسم أدهم ابتسامة خفيفة، وقال بهدوء:
- "ربما... أو ربما كان قلبكِ هو من تحدث قبلك."
تجمدت سُكرة في مكانها، ثم تمتمت بانفعال:
- "هذا غير صحيح! لم أقل شيئًا، ولم أكن أحلم! يعني... أحيانًا يتحدث الناس وهم نائمون، لكن هذا لا يعني شيئًا."
هز أدهم رأسه بلطف، ولم يعلّق. فقط نظر إليها بنظرة طويلة، فيها شيء من التفهّم، وشيء من الأمل.
استدارت سُكرة بسرعة، وهي تهمس لنفسها:
- "إنهم كاذبون... كلهم متفقون عليّ."
لكن في داخلها، كانت تعرف أن قلبها قد خانه للحظة... وفضح سره.
---
بعد الظهيرة ، بعد أن مرّت سُكرة بمواقف محورية مع البنات، كان أدهم واقفًا عند درجات البيت الداخلية، يتأمل الأسطح البيضاء المضيئة، ويشعر بقلق داخلي يرافقه منذ أن عرفت سُكرة عن مشاعره. بينما كان في غمرة تفكيره، اقتربت منه أروى، أخته، التي كانت تلاحظ تغيرًا في تصرفاته.
- "أدهم..." قالتها بنبرة هادئة، بينما كان ينظر إليها برفق.
رفع أدهم نظره إليها، وقال بابتسامة متعبة:
- "أهلاً أروى، كيف حالك؟"
أروى تقدمت خطوة للأمام وقالت بهدوء:
- "أنا بخير، الحمد لله. لكن لدي نصيحة لك."
رفع أدهم حاجبيه بتساؤل، وقال:
- "نصيحة؟ عن ماذا؟"
أروى تنهدت قليلاً قبل أن تتابع حديثها، وقالت بنبرة جدية:
- "عن سُكرة، أدهم. أنت تفكر في الموضوع أكثر من اللازم. أنت وسُكرة ما زلتما صغيرين، وهذه الأمور تحتاج إلى وقت حتى تظهر عواقبها. لا تكون الأمور واضحة من البداية."
أدهم شعر بارتباك من حديثها، فقال بصوت هادئ:
- "أعلم، لكن من الصعب عليّ أن أتجاهل مشاعري، أروى."
أروى ابتسمت بابتسامة خفيفة، وقالت بلطف:
- "أدهم، أنا لا أقول لك أن تهمل مشاعرك أو تتجاهلها، لكن الحياة ليست دائمًا كما نريدها. يجب أن تفكر جيدًا قبل أن تأخذ أي خطوة، لأنه إذا تطور الموضوع بينك وبين سُكرة، قد تواجه مشكلات غير متوقعة."
أدهم، الذي كان قد استند على أحد درجات السلم، شعر بثقل الكلمات، وقال بصوت منخفض:
- "لكن... ماذا عليّ أن أفعل؟ كيف أوقف مشاعري؟"
أروى توقفت قليلًا، ثم أجابت بهدوء:
- "الأفضل لك أن تنتظر. سُكرة ما زالت صغيرة، وعندما تكبر وتفهم نفسها أكثر، حينها يمكن أن تقرروا إذا كانت هذه العلاقة ستكون مناسبة أم لا. لكن إذا عجّلت في اتخاذ أي خطوة، قد تجد نفسك في موقف معقد ومربك."
أدهم سكت قليلاً، وأخذ نفسًا عميقًا، ثم قال:
- "أنتِ على حق، أروى. لكن من الصعب عليّ أن أوقف مشاعري الآن."
أجابت أروى بابتسامة هادئة وحنونة:
- "أنا أفهم تمامًا، لكن حاول أن تكون أكثر حكمة. إذا كان الأمر مقدرًا أن يحدث، فسيحدث في الوقت المناسب."
أدهم ابتسم قليلاً وهو يرفع رأسه نحوها:
- "شكرًا على نصيحتك، أروى. سأفكر فيها."
أروى همست قائلة:
- "حاول، أدهم. كل شيء يحتاج إلى الوقت."
ثم تركته عائدة إلى داخل المنزل، بينما ظل أدهم واقفًا على الدرج، يفكر في كلمات أروى التي بدأت تترك أثراً في قلبه، ويشعر بتردد وحيرة شديدة.
وبعد دقائق قليلة من دخول أروى إلى داخل المنزل، خرجت سُكرة بخُطا هادئة نحو الخارج، حيث ما زال أدهم جالسًا عند درجات البيت، يتأمل الفراغ بصمتٍ ثقيل، وعيناه تفضحان اضطرابًا لم يُفلح في إخفائه.
اقتربت منه وجلست بجواره بلطف، ثم قالت بصوت منخفض دافئ:
- "لقد كنت أمرُّ مصادفةً... وسمعت حديث أروى معك. أعلم أنها أحزنتك، أليس كذلك؟"
رفع أدهم نظره إليها، والإحباط بادٍ في ملامحه، وقال بصوت خافت:
- "نعم، لقد فعلت... لكنها كانت محقة في كثيرٍ مما قالته."
أومأت سُكرة برأسها بتفهُّم، ثم تمتمت برقة:
- "نعم، بعض ما قالته صحيح... لكن لا أريدك أن تحزن بسبب كلماتها. في نهاية الأمر، كلها أقدار... والقلوب جنودٌ مجنّدة، لا ندري متى تلتقي، ولا كيف تُقدَّر الأمور."
سكت أدهم برهة، يتأمل كلماتها التي لامست شيئًا دفينًا في داخله، ثم سألها وقد لمعت عيناه بشيءٍ من الرجاء:
- "وهل هذا يعني... أنّ هنالك احتمالًا بأن تحبّيني؟"
لم تُجِب سُكرة على الفور، بل وقفت بهدوء، ثم التفتت إليه بابتسامة صغيرة، ونظرة تحمل من العمق أكثر مما تقوله الكلمات، وقالت:
- "كلّ شيءٍ وارد... لكن ربّما. ليس الآن... ربّما في المستقبل، بعد سنوات طويلة. لا أحد يدري."
ثم مضت تمشي بخطى واثقة، تاركة خلفها أدهم جالسًا، يراقبها بصمت، وقد تلاشت غيمة الإحباط عن وجهه، وتمسّك بخيوط أملٍ جديدة، بعدما كاد يفقدها إلى الأبد.
ظلّ أدهم في مكانه لدقائق، ينظر إلى المكان الذي كانت تقف فيه، وكأنّ عبير كلماتها لم يزل يملأ الأجواء من حوله. ابتسم بخفة، تلك الابتسامة التي تشبه شعاع شمسٍ في صباحٍ شتوي... لا تُدفئ تمامًا، لكنها تمنح القلب يقينًا بأن الدفء قادم لا محالة.
عاد أدهم إلى الداخل بعد برهة، وقد خفَّت وطأة الحيرة في صدره. وللمرة الأولى منذ أيام، شعر أن قلبه ليس وحده في هذا الطريق.
في الداخل، كانت سُكرة قد جلست قرب النافذة، تراقب الأشجار وهي تتمايل مع النسيم، وتحاول أن تُهدّئ صخب المشاعر الذي خلّفه ذاك الحديث. كان قلبها ينبض بقوة، وعقلها يعاتبها برفق: "لِمَ تركتِ له بابًا مفتوحًا؟"
لكنها لم تندم. كانت صادقة.
دخلت ملاذ فجأة، وألقت بنفسها على الأريكة قُربها، ثم قالت مبتسمة:
- "أراكِ شاردة الذهن... هل كنتِ تفكرين في أحدهم؟"
نظرت إليها سُكرة باستغراب مصطنع، ثم قالت بهدوء:
- "أحيانًا، نفكر كثيرًا لنفهم شيئًا لم يُقال بعد."
ضحكت ملاذ وقالت:
- "جميلة هذه العبارة... سأدونها في دفتري! لكن، هل لي أن أسأل... ماذا قلتِ لأدهم؟ لقد عاد بوجهٍ مختلف تمامًا، وكأنه رأى شيئًا لم يكن يراه من قبل."
صمتت سُكرة قليلًا، ثم ردّت بهمس:
- "لم أقل سوى الحقيقة... الحقيقة التي لا تعد وعدًا، لكنها تترك بصيصًا من النور."
حدّقت بها ملاذ طويلاً، ثم ابتسمت وقالت:
- "إذن، أنتِ لا تغلقين الباب تمامًا... ذكية."
ردّت سُكرة بخفة وهي تنهض:
- "ولا أفتحه تمامًا أيضاً... حذرة."
ثم مضت إلى المطبخ، تترك وراءها حديثًا عالقًا، ونظرة ملاذ التي لم تكن تنوي نسيان ما سمعت.
---
في المساء، اجتمعت العائلة مجددًا حول طاولة العشاء، وضحكات الصغار تملأ المكان. جلس أدهم في زاوية الطاولة، وعيناه تبحثان عن سُكرة. وحين تلاقت نظراتهما مصادفة، لم تتهرب سُكرة هذه المرة... فقط اكتفت بابتسامة صغيرة، كانت كافية لتجعله يعرف: أن المشوار، وإن كان طويلاً... لم يُغلق بعد.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية في ظلال الحب المفقود) اسم الرواية