رواية في ظلال الحب المفقود الفصل الثالث عشر 13 - بقلم مهجة
لحظات صغيرة و اعتراف كبير
بعد الفطور، كانت سُكرة تجلس مع ليان في زاوية هادئة من غرفة المعيشة، وقد أحاط بهما دفء الصباح وأحاديثه الخفيفة. تبادلتا بعض النكات، وضحكتا على مواقف الأمس، قبل أن تنخفض نبرة ليان فجأة وتقول:
– "سُكرة… هل لي أن أتحدث معك بجدية للحظة؟"
رفعت سُكرة عينيها إليها، وقالت بلطف:
– "بالطبع، ما الأمر؟"
تنهدت ليان، ثم تمتمت وهي تنظر بعيدًا:
– "إنه أدهم."
تجمدت سُكرة قليلًا، وحاولت أن تبدو هادئة، ثم قالت بسرعة:
– "أوه، أدهم… ما به؟ هل فعل شيئًا غريبًا مجددًا؟"
ضحكت ضحكة قصيرة مصطنعة، ثم همّت بتغيير الموضوع وهي تقول:
– "بالمناسبة، هل رأيتِ فستان أروى الجديد؟ إنه جميل جدًا!"
لكن ليان لم تبتسم. نظرت إليها نظرة عميقة، وكأنها تنقب في أعماقها، وقالت بصوت هادئ لكن نبرته مشبعة بالحزن والغضب في آن:
– "سُكرة، أدهم أخي. وأنا أحبكِ، حقًا، أنتِ صديقتي الأقرب… ولكنني كذلك أحب أدهم، وأراه يحاول بكل الطرق أن يقترب منك، أن يصل إلى قلبك. وأنتِ… دائمًا تتهربين، تغيرين الموضوع، تصرفين النظر، كأن مشاعره لا تعني شيئًا."
حاولت سُكرة الرد، لكن الكلمات خذلتها. أكملت ليان بنبرة أكثر صراحة:
– "أنا لا أرضى أن يستمر هذا الوضع. إن كنتِ لا تبادلينه المشاعر، فعلى الأقل كوني صادقة… لا تتركيه يتعلق بأمل ليس له وجود."
ثم وقفت، وقبل أن تغادر، قالت كلماتها الأخيرة بصوت مختنق:
– "سُكرة… إن لم تخبريه بحقيقة مشاعرك و حُبك له، إن لم تكوني صادقة مع نفسك ومعه، لا أظن أننا سنظل صديقتين بعد اليوم."
ومضت خارجة من الغرفة بخطى سريعة، تاركة سُكرة وحدها، تسبح في دوامة من المشاعر، وأفكار متشابكة تتلاطم في رأسها. جلست في صمت، تحدق في الفراغ، وقلبها يعتصره الخوف… لا من خسارة أدهم، بل من خسارة ليان، صديقتها التي أحبتها كأخت، والتي لم تتخيل يومًا أن تكون بينهما خصومة.
بعد لحظة من الصمت، وعيون أدهم لا تزال معلقة على سُكرة، كأنها آخر أمل في قلبه، تنفس بعمق ثم قال بنبرة دافئة، تحمل كل ما اختزنه من مشاعر:
– "أحبك، سُكرة."
تسارعت أنفاسها، لكنها لم تتردد، رفعت عينيها إليه، وابتسمت ابتسامة صغيرة، ثم همست:
– "وأنا أيضًا… أحبك."
ولم تنتظر ردًا. استدارت بسرعة ومضت، تسبق خفق قلبها، تاركةً إياه واقفًا في مكانه، بين الذهول والفرح، كأنما سقطت عليه سعادة مفاجئة لم يتوقعها. مرر يده على شعره، ثم ضحك بصوت خافت غير مصدق لما سمع، وتحوّلت خطواته إلى هرولة خفيفة، لا يدري أين يذهب أو ما يفعل، لكنه فقط يريد أن يشارك فرحته.
بعد دقائق من حديث أدهم، لم يستطع كتمان سعادته، فركض كطفلٍ نال ما حلم به طويلًا. وجد ليان وأيهم وملاذ جالسين في ركنٍ من الحديقة، وما إن لمحوه حتى بادره أيهم بسؤالٍ ضاحك:
– "ما بك؟ تبدو وكأنك ربحت كنزًا!"
ضحك أدهم بحرارة، ثم قال بنبرة لا تخفي فرحته:
– "سُكرة… قالت لي إنها تحبني."
ساد صمت قصير، قبل أن تصرخ ملاذ بدهشة:
– "أحقًا؟!"
ضحكت ليان، وغمزت بعينها قائلة:
– "لا عجب أن ابتسامتك لم تختفِ منذ أن دخلت علينا!"
ثم أسرعت ليان وملاذ إلى الداخل، تبحثان عن رهف ويزن، وما إن وجدوهما حتى أخبروهما بما جرى، لتتسع عينا رهف بفرح، بينما يزن اكتفى بابتسامة فخر هادئة، كأنه كان يعلم أن النهاية ستكون هكذا.
بعد قليل، تقدمت ليان وحدها نحو غرفة سُكرة، طرقت الباب بخفة ثم دخلت. كانت سُكرة تجلس على سريرها، شاردة في السقف، حين التفتت نحوها بارتباك خفيف.
جلست ليان بجوارها، ومدّت يدها نحوها برفق، ثم قالت بصوت مائل للعتاب اللطيف:
– "أنا آسفة يا سُكرة… لم يكن عليّ أن أضغط عليكِ أو أتحدث بذلك الأسلوب في الصباح."
نظرت إليها سُكرة بهدوء، فلم تقل شيئًا، لتتابع ليان بصدق:
– "أنا فقط أحبك، وأحب أخي كثيرًا… وعندما رأيت كيف يتألم من أجلك، لم أستطع تمالك نفسي. لكن الآن… أنا أسعد شخص في هذا البيت."
ارتبكت سُكرة، لكنها سألت بتردد:
– "حقًا؟"
ضحكت ليان، ثم قالت وهي تعانقها:
– "أدهم لم يتوقف عن الابتسام منذ الصباح، وتخيلي… فعل كل ما طُلب منه اليوم دون أن يجادل أو يتهرّب! أمي طلبت منه أن يحضر أغراض من البقاله عدت مرات ، فركض قبل أن تُكمل جملتها."
ضحكت سُكرة بخجل، وأسدلت عينيها، بينما تابعت ليان وهي تضغط على يدها:
– "الحب يجعل الإنسان أفضل يا سُكرة… وأدهم يستحق هذا الفرح."
هزّت سُكرة رأسها بابتسامة هادئة، ونبض قلبها للمرة الأولى بشعورٍ جديد… شعور بأن كل شيء بدأ يصبح في مكانه.
بعد العصر – في ساحة البيت الخارجية
الأطفال كانوا يلعبون في الخارج، أصوات ضحكهم تملأ الأرجاء، والهواء عليل يلامس الوجوه بلطف. جلست سُكرة على الأرجوحة الخشبية تتأمل السماء، بينما كانت رهف تقترب منها وهي تحمل كوبين من عصير الليمون بالنعناع.
رهف، بابتسامة مشاكسة:
– "هل يُعقل أن يكون هذا هو وجه من وقعت في الحب؟"
سُكرة، تضحك بخجل:
– "رهف! لا تبدئي أنتِ أيضًا…"
رهف، تضع الكوب بجانبها وتجلس:
– "لا تخافي، لن أضغط عليكِ… فقط أردت أن أراكِ تبتسمين، وقد فعلتِ."
يصمتان قليلًا، ثم تتابع رهف:
– "أتذكرين عندما كنتِ تقولين إن الحب لا يُشبه القصص؟ يبدو أن قصتكِ بدأت تشبه الحكايات، فقط بطريقة ناعمة… تشبهكِ."
سُكرة، تنظر إليها ثم تهمس:
– "أحيانًا أخاف، رهف… ليس من أدهم، بل من أن أتعلق أكثر."
رهف، بهدوء:
– "التعلق ليس ضعفًا إذا كان متبادلًا… وأدهم، من الواضح أنه لن يترك يدكِ حتى لو ابتعدتِ."
ثم يمر أدهم من بعيد، يحمل صندوقًا مليئًا بعلب العصير بتكليف من والدته، وعندما تقع عيناه على سُكرة، يلوّح لها دون أن يتوقف عن السير، لكنها تراه يبتسم لنفسه بعدها بثوانٍ.
رهف، تضحك:
– "رأيتي؟ لم أقل شيئًا."
سُكرة، تغطي وجهها بيديها وهي تضحك:
– "كأن الكون بأكمله قرر أن يتحالف معكم ضدي اليوم!"
بعد ساعات من اللعب والمشاحنات العائلية، كان الجميع يجتمع حول المائدة في الحديقة يتناولون العشاء. بينما كانت سُكرة تستمتع بحديث ليان وملاذ عن ذكريات الزيارة الماضيه للسودان ، رنّ جرس الباب فجأة.
أدهم، الذي كان قد ذهب لمهمة صغيرة، عاد وهو يحمل في يده حقيبة صغيرة ملفوفة بشريط ملون. لم يكن يمر بجانب سُكرة إلا ونظر إليها بتردد، ثم اقترب منها بهدوء، والابتسامة الخفيفة لا تفارق وجهه.
أدهم، وهو يمد يده بالحقيبة:
– "لقد جلبت لكِ شيئًا... أعتقد أنكِ تحبينه."
سُكرة، فاجأتها المفاجأة وابتسمت بخجل:
– "أدهم... ما هذا؟"
فتح أدهم الحقيبة برفق ليظهر بداخلها مصاصات التفاح اللذيذة التي كانت سُكرة تتحدث عنها ذات يوم بشكل عفوي. كانت المصاصات مغلفة بشكل جميل، وكل واحدة منها محاطة بورقة لامعة تحمل شعار متجر الحلوى المفضل لديها.
أدهم، وهو يبتسم:
– "أنتِ كنتِ دائمًا تقولين إنكِ تحبينها، فقررت أن أجلب لكِ بعضها. أتمنى أن تعجبكِ."
سُكرة، تتسع عيناها بدهشة، ثم تنظر إلى المصاصات وتبتسم بشكر:
– "كيف عرفت؟ هذه هي المفضلة لدي! شكراً أدهم، لم أكن أتوقع ذلك أبدًا."
أدهم، وهو يراقب سُكرة بعينيه الهادئتين:
– "كنت ألاحظ، منذ أول مرة تحدثتِ عنها. أعتقد أن التفاصيل الصغيرة مهمة... وأنكِ شخص يحب الأشياء البسيطة."
سُكرة، تغلق عينيها للحظة وكأنها تستمتع بلحظةٍ دافئة، ثم تقول بخجل:
– "أنت محق. أشياء صغيرة كهذه تجعل الحياة أجمل."
جلس أدهم بجانبها، وقال بلطف:
– "أنا سعيد لأنكِ أحببتِها."
كان الجو هادئًا، والموسيقى الخفيفة القادمة من الداخل تضيف سحرًا للمكان، بينما كان حديثهم يتمحور حول لحظات صغيرة من الحياة، وبينما كانت سُكرة تأخذ أول قضمة من المصاصة، لم تستطع أن تخفي ابتسامتها التي كانت تزداد وضوحًا.
جلست سُكرة تضحك بخجل، بعد أن شكرت أدهم مجددًا على المفاجأة اللطيفة. وما هي إلا لحظات، حتى انضمّت ليان وملاذ إليهما بعدما لاحظتا الموقف من بعيد.
قالت ليان وهي تعقد ذراعيها وتتحدّث بنبرة يغلب عليها المزاح المغلف بالغيرة:
– "ليت أحدًا يحبني كما يحبكِ أدهم، ويجلب لي مصاصة تفاح دون أن أطلب!"
تابعتها ملاذ وهي تضحك بخفّة:
– "حتى لو لم تكن مصاصة تفاح... أي حلوى تكفيني! الظلم ليس في الحياة فقط، بل وصل إلى الحلوى أيضًا!"
ضحك الجميع، ولم تستطع سُكرة أن تُخفي سعادتها، بينما اكتفى أدهم بالنظر إليهن مبتسمًا، كأنما شعر بلذّة الانتصار، وقد نجح أخيرًا في الوصول إلى قلبها بطريقة بسيطة، لكنها صادقة.
نظرت إليهما سُكرة مازحة وقالت:
– "لا أدري، لعلّ من يُحبكن كما يحبني أدهم سيجعلكن تتدللن أكثر."
وضعت ليان يدها على صدرها متظاهرة بالتأثّر وقالت بنبرة درامية:
– "آه قلبي! حان الوقت لأبحث عن شخصٍ يجلب لي الحلوى!"
امتلأ المكان بالضحكات، في مشهدٍ بسيط دافئ، اختزن بين لحظاته مزيجًا من المودّة والسعادة... لحظة خالدة في ذاكرة كلٍّ منهم.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية في ظلال الحب المفقود) اسم الرواية