Ads by Google X

رواية في ظلال الحب المفقود الفصل الاول 1 - بقلم مهجة

الصفحة الرئيسية
الحجم

  رواية في ظلال الحب المفقود كاملة بقلم مهجة عبر مدون دليل الروايات 

 رواية في ظلال الحب المفقود الفصل الاول 1

 ......مقدمة في ظلال الحب المفقود
                                    
                                          
في البداية، دعوني أخبركم عن نفسي...



ينادونني "سُكرة"، ربما لأنني حلوة كطعم السكر، أو لأنني أُذكرهم بسكرة الموت، أو ربما بحالة السُكر.



أنا الأخت الصغرى بين أخواتي الإناث، لكنهم يروون أن وعيي وطريقتي في التفكير تتجاوز عمري. لست مدللة كما هو معتاد للصغار، لكنني محبوبة في محيطي والحمد لله.



أعتبر نفسي ملاذًا لمن يرغب في البوح، فأنا مستمعة جيدة، حساسة، ومهتمة بمن أحب. أحتفظ بأسرار الآخرين، وأكره أن أُظهر ضعفي أو دموعي أمام أي أحد. أحب الكتابة والقراءة، ونجمة... آه، نجمة! هي أعز ما أملك، ليست مجرد صديقة، بل روحٌ تفهمني وتستمع إليّ دون أحكام أو مقاطعة، دائمًا حاضرة بجانبي، وأحبه أيضًا... ذلك الذي انتزع قلبي من أعماقي ليمنحه مكانًا بجوار قلبه في حجرته الصغيرة داخل صدره. أشعر أن كل شيء هذه المرة في موضعه الصحيح، حتى قلبي التائه وجد وطنه الضائع أخيرًا.



"أخيرًا وجدتك يا أوس."
-----------------------------------------------


   
                                          
السودان - عام 2011م



كانت سُكرة تجلس على الأرض، تبدو منهمكة في اللعب، لكنها في الحقيقة كانت تتابع باهتمام أحاديث والدتها وجدتها. حرصت أن تبدو مشغولة، كي لا تُطلب منها مغادرة الغرفة واللعب في مكان آخر.



قالت الجدة بصوتٍ هادئ:



"بقيت أسابيع قليلة على نهاية الإجازة الصيفية وعودة الدراسة، أرى أن الوقت حان لتعودوا إلى مدينتكم. لكن قبل ذلك، أظن أنه من المناسب أن تزوري أختك في مدينتها، وتنهي معها هذا الخلاف الذي طال أكثر مما ينبغي."



أجابت والدة سُكرة بإيماءة موافقة:



"نعم يا أمي، مرّت الإجازة سريعًا، ولم أنسَ وعدي لكِ. سنذهب إلى عند أختي أولًا قبل العودة إلى مدينتنا. آن الأوان لنطوي هذه الصفحة."



ابتسمت الجدة وقالت:



"أتمنى ذلك، تذكّري دائمًا أن الدم لا يصبح ماء، حتى لو خلط ببحار العالم أجمع."



ردّت الأم بحنان:



"حاضر يا أمي. سأذهب الآن إلى والدي ووالد ماجد لأخبره أننا نستعد للمغادرة، وسأتحدث معه قليلًا بشأن زيارتنا لأختي بعد كل هذا الغياب."



هزّت الجدة رأسها برضى:



"حسنًا، اذهبي. حفظكم الله جميعًا."



قبلت الأم يد والدتها ورأسها قبل أن تغادر، فيما تمددت الجدة على السرير استعدادًا لقيلولة الظهيرة. حين تأكدت سُكرة من أن جدتها غرقت في النوم، نهضت على أطراف أصابعها وركضت نحو الغرفة الأخرى حيث كانت أخواتها وبنات خالتها يجتمعن.



في الغرفة، جلست ملاك وملاذ وأسيل برفقة حبيبة وتسنيم. تقدّمت سُكرة نحو أختها أسيل وجلست بجانبها، ثم استغلت لحظة الصمت لتقول:



"هل تعرفن أن لدينا خالة تسكن في المدينة المجاورة لنا؟"



نظرت إليها الفتيات بدهشة.



قالت ملاك: "خالة أخرى غير اللاتي يسكنّ هنا؟"



هزّت سُكرة رأسها وأجابت:



"نعم، سمعت أمي وجدتي تتحدثان قبل قليل عن أننا سنزورها قبل نهاية الإجازة، وأن الخلاف بين أمي وخالتي سينتهي أخيرًا."



قالت حبيبة متأملة:



"أعتقد أنهما يقصدان خالتي ابتسام، فهي الوحيدة التي تعيش في الخليج، غيركم ."



أيدتها تسنيم:



"أجل، أظن كذلك. سمعت جدتي ذات مرة تقول إن هناك خلافًا بين بناتها، وكانت حزينة بسببه."



قالت ملاذ بحماس:



"رائع، سنختم الإجازة بسفر آخر وسياحة!"



أردفت سُكرة بلمعان في عينيها:

 
 
                
"سمعت أن تلك المدينة جميلة جدًا، والجو فيها بارد أغلب السنة."



ابتسمت أسيل:



"صحيح، لقد قرأت عنها. جميلة بالفعل."



قالت تسنيم بنبرة حنين:



"ليتني أستطيع الذهاب معكم."



ربتت ملاك على يدها وقالت:



"لا تحزني، سنأتي معًا في الإجازة القادمة لزيارتكم، بإذن الله."



أضاء وجه تسنيم بسعادة:



"رائع، سنكون بانتظاركم."



ثم التفتت حبيبة إلى ملاذ، وهي تمسك بيدها:



"هيا، أي لون طلاء أظافر تفضلين؟"



ترددت ملاذ قليلًا:



"لا أعلم، ما رأيكن؟"



سألتها ملاك:



"بماذا ستتألقين اليوم؟"



أجابت ملاذ بابتسامة:



"بفستان أبيض عليه مربعات وردية وزرقاء."



فقالت تسنيم بحماس:



"إذاً، الأزرق سيكون الأنسب."



وافقتها ملاك:



"أجل، اختيار موفق."



ضحكت ملاذ:



"إذن الأزرق يا حبيبة."



ردت حبيبة وهي تفتح عبوة الطلاء:



"حسناً، كما تشائين."



تركت سُكرة الفتيات منهمكات في الحديث وتبادل الألوان، وتسللت إلى الخارج لتنضم إلى إخوتها وأولاد خالتها الذين كانوا يلعبون الكرة في فناء المنزل.



ما إن لمحها وسيم حتى توقف عن اللعب وقال:



"انتهت المباراة، سنبدأ من جديد ونعيد تقسيم الفرق."



قال سالم، شقيق سُكرة:



"إذاً، تُحتسب هذه المباراة لنا!"



رد وسيم ضاحكًا:



"لا بأس."



قال طارق بحماس:



"سالم، العب مع وسيم، وسُكرة معي."



اعترض سالم فورًا:



"لا، سُكرة أختي. نلعب سويًا، أنا وهي."



ضحك وسيم وقال:



"لكن أنا رأيتها أولاً!"



قهقهت سُكرة وأخرجت ثلاث قشّات من جيبها:



"سنحلها بالقرعة، صاحب القشة الأقصر يكون معي."



سحب كل منهم قشة، وكان الفوز من نصيب طارق. بدأ الجميع يتمركز استعدادًا للعب، رغم تذمر سالم ووسيم.



كانت المباراة حماسية! سجلت سُكرة أربعة أهداف ببراعة، بينما اكتفى سالم ووسيم بهدف لكل منهما-بعدما "رشوا" الحارس طارق ببعض الحلويات!




        
          
                
انتهت المباراة بفوز سُكرة وطارق، وسط ضحكات ومرح غمر المكان.



بعد انتهاء المباراة، جلست سُكرة على العشب تلهث من التعب، ويديها مغبرّتان، وثوبها متسخ قليلًا، غير أن وجهها كان يلمع بالفرح والنشوة. جلس طارق إلى جوارها، يصفّق بحماس وقال:



"لقد كنتِ بطلة اليوم يا سُكرة! أربعة أهداف؟ من أين لكِ كل هذه المهارة؟"



ضحكت وهي تمسح جبينها بطرف كمّها قائلة:



"تعلّمت من مباريات الحي، والسرّ كلّه في خدعة التمويه."



اقترب وسيم وسالم وهما يبتسمان وقد زال تذمّرهما بعد الهزيمة، وجلسا بقربها.



قال سالم وهو يتّكئ إلى الوراء:



"انتهى الأمر، من الغد نبدأ تدريب فريق خاص بكِ، وستلعبين في النهائيات."



هزّت سُكرة رأسها بفخر طفولي وقالت:



"لكن بشرط! يجب أن يكون اسم الفريق: الصقور السُّكريّة!"



انفجر الجميع ضاحكين، ثم سمعوا صوتًا ينادي من الداخل:



"أيها الأولاد، تعالوا واغسلوا وجوهكم، العصير جاهز!"



كان صوت الجدة بعدما استيقظت. فهبّ الجميع واقفين كأنهم في سباق جديد، واتّجهوا نحو المغسلة تسبقهم الحماسة ومرح الطفولة.



عندما وصلوا إلى المغسلة، غسلوا وجوههم سريعًا، وتركوا الماء يتساقط على وجوههم بشغف وكأنهم قد فازوا في بطولة حقيقية. ثم تجمعوا حول الطاولة حيث كانت الأكواب المليئة بالعصير تنتظرهم.



قال طارق وهو يمسك كوبًا بيديه:



"لقد كان يومًا رائعًا، لولا أنكم خالفتما القواعد بالتسويات مع الحارس."



ضحكت سُكرة وقالت:



"لكني مازلت الفائزة، ولو كانت القواعد ضدنا! ما المشكلة إذا؟"



وأضافت ملاذ، التي كانت جالسة بجانبها، مبتسمة:



"أنتِ اليوم نجم الفريق بلا منازع."



ثم توقفت لحظة، وكأنها تذكرت شيئًا، وقالت:



"لكنني أتساءل... هل سنلتقي حقًا بخالتكم في المدينة المجاورة؟"



أجابتها سُكرة، وكأنها غارقة في أفكارها:



"نعم، لقد أخبرتني أمي أن الزيارة ستكون بداية لمرحلة جديدة. أخشى أن تكون الأمور صعبة، لكنني متحمسة لرؤية المكان."



قالت حبيبة وهي تشرب العصير:



"لا أظن أن الأمور ستكون صعبة، فكل شيء سيتغير للأفضل. ونحن معكم، سنكون دائمًا معكم."



ثم أضافت تسنيم بحماسة:



"أظن أن هذا سيكون فرصة جديدة لتكتشفوا الحياة هناك. ومن يدري؟ قد تجدون مغامرات جديدة!"




        
          
                
انتبهت سُكرة لتلك الكلمات، ورغم قلقها الداخلي، إلا أن قلبها امتلأ ببعض الأمل. قالت بابتسامة خفيفة:



"لنرَ ما سيحدث، ولكنني متأكدة من أن هناك شيئًا جيدًا ينتظرنا في تلك المدينة."



ثم استمروا في حديثهم وضحكاتهم حول التحديات والمغامرات التي قد يواجهونها هناك. كان ذلك لحظة من اللحظات الجميلة التي تعكس البراءة والصدق في علاقاتهم، وأصبح الجميع متحمسًا للمرحلة المقبلة.



وفي قلب سُكرة، كانت تتسلل فكرة غامضة عن تلك الزيارة القادمة. شيءٌ ما كان يتغير في داخلها، وهي لا تعلم بعد إلى أين ستأخذها هذه الرحلة.



في تلك الليلة الأخيرة في بيت الجدة، كان الجو هادئًا، والظلام قد بدأ يغطي السماء بظلاله العميقة، فيما كانت أنوار المنزل تتلألأ دافئة من الداخل. عكست أضواء المصابيح الذهبية على الوجوه المطمئنة التي كانت تجمع حول المائدة في تلك الساعة المتأخرة.



كان الجميع يجلسون معًا في صمت، تأخذهم لحظات من التفكير عن الرحلة القادمة، عن الوداع الذي سيخلفه اليوم، عن الضحكات التي ستغيب عن هذا المكان، وعن الفراق الذي لا يمكن تجاوزه بسهولة.



سُكرة كانت تجلس على طرف المقعد، كانت تنظر إلى الأركان، إلى الجدران التي طالما احتضنت صوت ضحكاتهم لأشهر ، وتلمس خيوط الذكريات التي تربطها بهذا البيت. لا تدري لماذا، لكنها كانت تشعر بشيء غريب في قلبها، خليط من الحزن والترقب. كانت تنقل نظرها بين أفراد عائلتها الذين كانوا منشغلين في الحديث، وكل واحد منهم يعبر عن مشاعره بطرق مختلفة.



قالت أم حبيبة هي تلتقط كوب الشاي بيدها:



"لا أعرف لماذا، لكنني أشعر أن هذه الليلة ستكون طويلة. سيكون هناك شيء مفقود في المدينة بعد رحيلنا."



نظرت إليها سُكرة بابتسامة خفيفة، وقالت:



"لكننا سنعود قريبًا، أليس كذلك؟"



أجابت والدتها بنبرة مليئة بالحنين:



"نعم، لكن كل رحلة تحمل جزءًا من الحنين، ولن تكون العودة كما كانت من قبل."



تقدمت الجدة، التي كانت تجلس في زاوية الغرفة، وقالت بصوتها العميق:



"كل بداية تحمل في طياتها نهاية، لكن تلك النهايات ليست إلا بدايات جديدة. لا تنسوا أن العائلة هي أغلى ما نملك، ونحن هنا دائمًا، مهما طال الزمان أو قصر."



كان كلامها مؤثرًا، مما جعل الجميع ينصتون لها في صمت. بينما همست أسيل، التي كانت تجلس إلى جانب سُكرة:



"أتمنى لو كانت الأيام لا تنتهي أبدًا هنا."



وقفت سُكرة فجأة، وجعلت عينها تلمع ببعض الدموع، لكن ابتسامة صغيرة استقرت على وجهها وهي تقول:



"لن يكون الفراق صعبًا، لأننا سنعود مع ذكرياتنا، وعندما نلتقي مرة أخرى، ستكون اللحظات أجمل."



احتضنها الجميع لحظة، في تلك اللحظات التي شعرت فيها سُكرة بحرارة الحب الذي لا نهاية له، وبأن هذه الرحلة هي جزء من مغامرة جديدة تنتظرها.



بينما كانوا يهمّون بالاستعداد للنوم، شعر كل فرد منهم بأن هذه الليلة تحمل سرًا خاصًا، سرًا يكمن في كل لحظة وداع، وفي كل وعد باللقاء مجددًا.



مع تباشير الفجر الأولى، كان البيت يعجّ بالحركة. الحقائب مُصطفّة عند الباب، والوجوه يغمرها النعاس، لكن العيون كانت تحمل شيئًا من الحزن الدافئ. سُكرة وقفت على عتبة الباب، تتأمل المكان مرة أخيرة، وكأنها تريد أن تطبع كل زاوية في ذاكرتها.



كان الأطفال قد بدأوا في الصعود إلى السيارة، صوت أمها ينادي الأسماء، وأصوات الأحذية الصغيرة تتسابق فوق البلاط القديم. اسيل، ملاك، وملاذ لوّحن من النوافذ، بينما كان ماجد وسالم و وليد يحمّلون الحقائب في مؤخرة السيارة.



ركضت سُكرة بخفة نحو السيارة، ترفع طرف فستانها الطويل حتى لا يتّسخ من التراب، وقبل أن تضع قدمها على العتبة، جاءها صوت من الخلف:



"سُكرة!"



استدارت بسرعة، فوجدت وسيم يقف هناك، أنفاسه متسارعة وكأنه كان يركض، وعيناه تمتلئان بشيء لم تفهمه فورًا.



وقبل أن تقول شيئًا، اقترب منها بسرعة واحتضنها عناقًا طويلًا، مفاجئًا.



كان عناقًا صامتًا، يحمل في طياته أكثر مما قد تقوله الكلمات. شدّ ذراعيه حولها بقوة، كأنه لا يريد أن تذهب، وكأن تلك اللحظة تكفيه عمرًا كاملًا.



قال بصوت منخفض عند أذنها، يكاد لا يُسمع:



"سأفتقدكِ كثيرًا يا سُكرة... لا تنسيني، حسنًا؟"



شعرت بقلبها يخفق بقوة، وضغطت على شفتيها لتمنع دموعها من السقوط. ثم همست وهي ترد العناق بهدوء:



"كيف لي أن أنساك؟ وأنتَ من شاركني كل لحظات المرح؟"



افترقا ببطء، ونظرت إليه نظرة طويلة، قبل أن تركض نحو السيارة، وصوته يرافقها:



"أخبِريني عندما تعودي، أريد أن أكون أول من يعلم!"



ابتسمت وهي تركب السيارة، ودمعة صغيرة تسللت من عينيها دون أن يشعر بها أحد. جلست بجانب النافذة، ولوّحت له، وهو يلوّح لها بقوة، حتى اختفى وجهه خلف الغبار الذي أثارته إطارات السيارة.



وانطلقت المركبة، حاملة معها قلوبًا صغيرة تثق أن الفراق مؤقت، وأن المشاعر الحقيقية لا تعرف المسافات.



كانت الطريق طويلة، يمرّون خلالها بسهول خضراء وقرى هادئة وأشجار متناثرة على جانبي الطريق كأنها تلوّح لهم بالترحيب أو الوداع. سُكرة كانت تحدّق من النافذة بصمت، تارة تبتسم حين تتذكّر عناق وسيم، وتارة تغفو قليلاً، مستندة برأسها إلى كتف ملاذ، التي كانت تغني بصوت خافت مع أسيل في المقعد الخلفي.



حين اقتربوا من مشارف المدينة المجاورة، بدأت المعالم تختلف، الهواء بدا ألطف، والسماء أكثر صفاءً، والبيوت ذات طراز مختلف يضفي على المكان شيئًا من الغرابة المحبّبة. رفعت سُكرة رأسها وغمغمت:



"أظنّ أننا وصلنا..."




        

                                  


google-playkhamsatmostaqltradent