Ads by Google X

رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2 الفصل الثاني 2 - بقلم قوت القلوب

الصفحة الرئيسية
الحجم

 رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2 الفصل الثاني 2 - بقلم قوت القلوب  


الفصل الثاني « ضربة في مقتل ...»

أسوأ ما في الخيانة أنها لا تأتي من العدو ، ذلك الإحساس الشبيه بصوت الرعد تهتز له الآذان و تُرجف له القلوب ، فحين تأتى الخيانة إما أن تَعلن القلوب الإستسلام أو ... الحرب ، لكنها ضربة لكل قوى وليست ضربة هينة إنها .. ضربة في مقتل ...

❈-❈-❈ــ

قلق وتوتر عم أرجاء مستشفى (السلامة) بعد وصول "رؤوف" في حالة إغماء يلحق به عائلته وعائلة "نيره" بالكامل ، حتى أن "مودة" أصرت على مرافقة "غدير" و"عيسى" فقلبها لم يتحمل أن تكون بعيدة عنه وعليها الإطمئنان عليه أولًا قبل أن تبتعد وبشكل نهائي ، فلن تقبل أن تكون طرف ثالث متطفل على حياتهم فقد إختار "رؤوف" ولن تقف بسبيل سعادته بعد الآن ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب 
نُقل "رؤوف" لأحد غرف الطوارئ بينما وقف البقية بالخارج ينتظرون خبر من الطبيب ليطمئنوا على حالته وما أصابه فجأة ...

إمتعضت ملامح "نيره" بضيق يميل للغضب وهي تهمس بغيظ بأذن والدتها ...
- ده إيه البخت ده ، يعني كان لازم يتعب النهاردة ، أنا متضايقة أوي يا ماما ، كتب كتابي باظ وملحقتش أفرح ...

همست والدتها بأذنها تتمتم بحنق ...
- مش عارفه ليه كان قلبي حاسس ، من ساعة ما روحتي البيوتي سنتر وأنا مش مطمنة ..

مالت "نيره" بفمها بإستياء متفكرة بصوتها الهامس ...
- تفتكري لو بقى كويس حنروح نكمل كتب الكتاب ؟...

قوست والدتها شفتيها للأسفل بمعني لا أدري ...
- مش عارفه ، بس أظن الشيخ مشي ، مين ساعتها إللي حيكتب الكتاب !!...

زفرت "نيره" بإختناق وتذمر ...
- أووووف ، ده إيه الحظ ده ...

بزاوية أخرى وقفت "غدير" مع "مودة" بحالة من القلق لتسحب "غدير" مرفق "مودة" تنبهها بنبرة خفيضة للغاية ...
- إهدي شوية ، الناس حتاخد بالها ، ملهوش لازمة تبيني قلقك كدة ، ولا أقولك ، روَّحي ، روَّحي وأنا حطمنك عليه ...

حركت "مودة" رأسها بعنف بالنفي قائله ..
- لا لا ، بالله عليكِ ، حسكت خالص أهو ، أتطمن عليه بس ووالله حروَّح وماليش دعوة بيه تاني ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
عقدت "غدير" ذراعيها أمام صدرها متقبلة الأمر على مضض ليعتريها شعور متخوف من أن تلاحظ "نيره" قلق "مودة" الظاهر على ملامحها بقوة ...

فرك "خالد" كفيه بتوتر لتظهر على ملامحه الجادة إضطراب وقلق من النادر جدًا أن يشعر بهما هذا الثابت الراسخ بمشاعره ، لكن قلقه على ولده جعله يشعر بإحساس لم يتخيله من قبل ، الآن فقط أدرك أن أبنائه وأسرته هم نقطة ضعفه الوحيدة ...

أشار بكفه نحو "منار" المرتجفة إلى جواره قائلًا ...
- إنتِ مش دكتورة ولا إيه ؟؟! ما تدخلي تشوفي الولد يا "منار" ..!!!

بهتت ملامحها وتثلجت أطرافها خوفًا على صغيرها ..
- مش قادرة يا "خالد" ، شكل "رؤوف" وهو مرمي في الأرض مخلي أعصابي مش مظبوطة أبدًا ...

دار "عيسى" برأسه بجميع الإتجاهات ليتسائل بضيق ...
- أُمال "معتصم" راح فين هو كمان ؟!! هو مجاش معانا ولا إيه ؟!!!

دارت عينا "خالد" و "منار" حولهما ليزداد قلقهما لتجيبه "منار" بتخوف ...
- لأ بقى هي مش ناقصة "معتصم" كمان ، مش كفاية عدى من ضرب النار الإسبوع إللي فات بأعجوبة ، أنا مش عارفه بتعملوا فيا كدة ليه ، أنا قلبي ميستحملش كدة يا ولاد ...

ربت "عيسى" برفق فوق كتف والدته يطمئنها ...
- بإذن الله مفيش حاجة ، تلاقيه هنا ولا هنا ، هو "معتصم" يتخاف عليه ...

صمت "خالد" كان مقلقًا ، فلقد دارت به الظنون عن سبب ما حل بـ"رؤوف" وقلقه على "معتصم" أيضًا ليهتف بقلق لم يعتاده "عيسى" من والده ..
- كلم "معتصم" شوفه فين وإطمن عليه ...

بإنصياع لرغبة والده أخذ "عيسى" يدق بأخيه يحاول الإتصال به لكن النتيجة دومًا لا رد ...

لم يشأ أن يزعجهما بهذا الأمر ليردف "عيسى" يخفي الأمر ..
- مفيش شبكة ، تلاقيه موجود هنا ولا هنا متقلقوش ، أنا حفضل وراه لحد ما يرد ...

أنهى عبارته وعاد لزوجته وأختها وهو يحاول الإتصال بـ"معتصم" الذى لا يجيب على إتصاله مطلقًا ...

شقة عهد ...
غِيرة أم حنق وغضب ، خزلان أم خيانة ، مزيج من المشاعر المتضاربة كلها تدفعه للإنفعال بقوة ، هو الشرس المغوار الذى لا يتقبل أن يكون مغفلًا إنها له وحده لا تخص غيره ليتجرأ بفعل مثل هذا ، لقد إتقدت غِيرته و ثارت الدماء بعروقه وهو يناظر هذا الرجل الذى إحتضن "عهد" أمام عيناه بهذا الشكل ...

إنه لم يكترث لوجوده بل يبدو أنه يعرفها جيدًا وهي أيضًا ، فقد سمعها للتو متعجبة لوجوده حين نطقتها ...
- إنت ...!!!!!

تفحص هذا الرجل الذى أولاه ظهره بزمجرة شرسة لا تقل شراسة عن تلك التى تقوم بها "عهد" ، كان رجل متصابي لا يستطيع تحديد عمره بدقة لكنه كان يصبغ شعره باللون الأسود فذلك يظهر بشكل ملحوظ ، يرتدي ملابس تميل للشباب عمن هم بمثل عمره ، رجل منفر للغاية ليمتعض "معتصم" بقوة ينهره عن تشبثه بها ...
- إييييه ، فيه إيه يا راجل إنت ، إنت مين ؟!! (ثم بأعين تصب إتهامها لـ"عهد" سألها "معتصم" بحدة ) ، مين ده ؟!! وبيعمل إيه هنا ؟!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
زاد تهدج أنفاس "عهد" وهي تدفع بذراعي هذا الرجل بنفور شديد لكنها بذات الوقت تطلعت بتخوف نحو "معتصم" الذى يبدو أنه يتهمها بشيء مخل الآن ...

صراع قوي بداخل رأسها فهل تُخبره من يكون أم أنها لا تقبل أن تكون بموضع إتهام ، وهل تدفع هذا الرجل بعيدًا عنها أم تتقبل الأمر بهدوء فلا داعي لنشر غسيلها المتسخ أمام "معتصم" ...

زاغت عيناها بِحِيرة بينهما لتعلو دقات هاتف "معتصم" لعدة مرات متتالية لم يكترث لها مطلقًا ، بل تسلطت قاتمتيه الثاقبتان نحوها حتى كادت تُجزم أنهما يشعان بريقًا خفيًا يدب الفزع بقلبها ، لما تخشاه وهي التى لا تخشى أحد ؟!!!!...

ضغطت بأسنانها بقوة وهى تلاحق نظراتها بينهما ، لكن غلب غضب "معتصم" من هذا الرنين المتكرر ليجيب أخيه "عيسى" بإنفعال حانق ...
- فيه إيه يا "عيسى" ...!!!!

أخفض "عيسى" صوته حتى لا يثير قلق من حوله ليردف بنبرة مستهجنة ...
- مبتردش على التليفون ليه !!! بابا وماما قلقانين عليك أوى ، إنت فين ؟!!

أكمل بعصبية ليس معتادها مع أخيه وهو يحملق بقوة بـ"عهد" يتمنى لو يدرك علاقة هذا الرجل بها والذى أتى به لشقتها ليلًا ...
- هو أنا صغير ، جرى إيه يا "عيسى" !!!!!

لم يجد "عيسى" بُد من أن يخبره بما أصاب "رؤوف" فيبدو أن هناك أمر قوي يشغله ويسبب له هذا الضغط العصبي الآن ..
- مش وقته ، "رؤوف" تعب أوى ونقلناه المستشفى ، إحنا هناك دلوقتِ ، لغينا كتب الكتاب ...

زاغت عينا "معتصم" لينكسهما قليلًا محاولًا الإستفهام ..
- إيه !!! وعنده إيه ؟!! الدكتور قال إيه ؟!!

أجابه "عيسى" بقلة معرفة ...
- مش عارفين لسه ، خلص إللي إنت فيه وتعالى على مستشفى السلامة ...

- طيب طيب ، سلام ...

أغلق هاتفه ليحاط بين أمرين كلاهما مُر ، فعليه المغادرة فى الحال للإطمئنان على صحة أخيه ، وبين أن يبقى ليفهم الأمر الشائك الذى يحدث هنا ، فلا داعي لأن يترك الأمر للظنون ...

كما وقفت تلك المتمردة على نفسها قبل أن تتمرد عليه بأنها لا يمكن أن تكون بموضع إتهام يومًا وليس عليها التبرير ، لكن شيء ما بداخلها يدفعها لتوضيح الأمر حتى لا يساء بها الظن ...

مال "معتصم" برأسه للأمام ومازالت سوداوتيه ترمقانها بقوة يحثها على النطق وتوضيح الأمر في الحال ، تلك النظرة التى جعلتها تشعر بأنها كطفلة صغيرة أخطأت خطأ فادح وعليها الإعتذار ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
لقد خشيته ، تخوفت من رد فعله ، شعور لم تشعر به من قبل ، إنها تشعر الآن أنه الأقوى ، المُسيطر بلا منازع ، له سطوة قوية على نفسها كافة وليس قلبها فحسب ، شعرت برجفةٍ قويةٍ و رغبة بتوضيح الأمر حتى لو على حساب عِنادها و كِبر نفسها ، لقد أصبحت له الغلبة الآن رغمًا عنها ...

بصوت متحشرج للغاية تفوهت بإحتقان ..
- ده ، ده يبقى والدي ...

قالتها كما لو أنها ترفض تلك العلاقة ، تشعر بالخزي من مجرد التفوه بها ، لكنها جعلت "معتصم" يهدأ قليلًا وتتحجم ثورة غضبه ليردد كلمتها بدون إستيعاب لها ..
- والدك !!!!!!

أومأت عدة مرات وهى تحاول رفع رأسها بتعالى ، فلن يتواجد أبدًا من يحط منها ومن قدرها ..

رفع "معتصم" كتفيه ثم أهدلهما بعدم فهم لكن توضيح الأمر مقبول لنفسه إلى حد كبير ...
- أنا ، مكنتش أعرف إن والدك ااا .... !! أقصد يعني ربنا يديه الصحة ، مكنتش أعرف إنه حي ، موجود هنا معاكِ ...

حاولت تقبل الأمر بغصة علقت بنفسها دون إجابة ليعتذر منها "معتصم" ..
- أنا أسف ( ثم تنهد بقوة مستأذنًا للإنصراف) ، أنا لازم أنزل دلوقتِ ، وبكرر أسفي مرة تانية ...

تركها "معتصم" برفقة والدها غريب المظهر المتصابي ليلحق بهم إلى المستشفى لكن مازالت الأسئلة المتوجسة متعلقة برأسه ، فمن هذا الذى أراد الإيقاع بينهم ورؤيته لوالدها معها بالشقة وأن يظن بها السوء ، من يعلم بعشقه لها ويحاول أن يفسد الأمر ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈ـ

بيت محفوظ الأسمر (شقة وعد) ...
للمرة الثانية وهي تقف بذات الوقفة ، أيدي مرتجفة ووجه شاحب ودماء هاربة من عروقها ، هكذا كانت "وعد" بمنتصف الصالة تشير تجاه "محب" بإحدى قارورات العصير تتسائل بنبرة تميل للفزع ...
- إنت إللي جبته ؟!!

تقدم "محب" من "وعد" غير عابئ بما تحمله بيدها لكنه كان قلقًا للغاية لمظهرها الشاحب المذعور ليمد ذراعيه الطويلتان تجاهها متلمسًا مرفقيها بحنان ثم تسائل بحيره ..
- مالك يا "وعد" ، فيكِ إيه تاني ؟!!

رفعت كفها بالقارورة وهي تناظر عيناه دون حياد ثم أخذت تكرر نفس سؤالها لا غيره ..
- إنت إللي جبته ؟!!

أسقط "محب" نَظَرِه تجاه ما تحمله ليرفع وجهه يتطلع نحوها بدون فهم قائلًا ..
- قصدك إيه !! العصير يعني ؟!!

أومأت بالإيجاب وهي تنتظر إجابته بترقب شديد ...
- أيوه ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
حرك "محب" رأسه بالنفي ..
- لا يا حبيبي ، إنتِ إللي جبتي العصير إللي بيحبه "زين" ، مش إنتِ إللي قلتي أنا عارفه العصير إللي هو بيحبه .. !!!

إرتجفت نفسها وتساقطت دموعها سريعة التجمع بمقلتيها لتردف بنفس مهتزة ...
- لأ ، لأ يا "محب" ، أنا مجبتش العصير ده ، أنا جبت عصير الفراولة ، أنا مش بحب عصير الكيوي ، "عاطف" بس هو إللي بيحبه ، أنا لا يمكن لا يمكن أكون أنا إللي جبته ...

أحاط "محب" وجهها الناعم بكفيه ليردف بهدوء شديد ...
- إهدي بس يا "وعد" ، يمكن جه بالغلط ولا حاجة ، متضايقيش نفسك كدة ...

إرتجف جسدها بالكامل وهي تنفعل بقوة لا تتمالك أعصابها التى أوشكت على الإنهيار ...
- لا يا "محب" ، أنا حاسه إن ، إن ، إن فيه حاجة غلط ، أنا حاسة إن "عاطف" هو إللي بيعمل كدة ، حاسة إن "عاطف" لسه موجود حوليا ، أنا متأكدة ، أنا ، أنا .....

تهدجت أنفاسها المضطربة بقوة وهي ترتعد خوفًا وهلعًا لتؤكد ما تظنه ...
- قبل كدة الخاتم ، ودلوقتِ العصير ، لا ، ده أكيد "عاطف" مفيش غيره ...

إجابة مختلفة تمامًا كانت بالفعل تحتاج إليها حين دفعها نحو صدره برفق ليضمها بحنو ...
- شششش ، بس يا حبيبي بس ، إزاي بس ، "عاطف" خلاص مات ، متخليش دماغك تتخيل حاجات لا يمكن تحصل ، "عاطف" خلاص مش موجود ، ولا يمكن يكون موجود ، ولا يمكن حيأذيكِ ولا يأذي "زين" أبدًا ...

ثم أبعدها لوهلة ينظر مباشرة بخضراوتيها يعدها بقوة وهيام بعشقها ...
- وحتى لو موجود ، خلاص إنتِ مراتي ولا يمكن حسمح له ولا لغيره إنه يقرب منك ولا يأذيكِ ، بلاش الخيال ده وإتطمني ، أنا معاكِ ولا يمكن أسيبك أبدًا ...

ليستطرد محاولًا طمأنتها ...
- ده أكيد إتحط بالغلط فى الأكياس بلاش تخلي تفكيرك يروح لبعيد ، طمني قلبك يا قلب قلبي ...

تنهدت "وعد" ببعض الراحة لكن بدون إقتناع تمامًا لكن وجوده إلى جوارها لتستكين بهدوء متغافلة عن تلك الأفكار التى تجمح بخيالها فالمنطقي أن ما تفكر به مجرد هواجس لا أكثر ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈

مستشفي السلامة ...
"العائلة دائمًا أولًا" ، هكذا كان دومًا والدهم يبث بهم هذا المعتقد ، فلا شئ أهم من العائلة مهما كلفهم الأمر ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
أسرع "معتصم" راكضًا نحو داخل المستشفى يبحث عن عائلته جميعها تاركًا كل ما يشغل ذهنه خلف ظهره فأخيه يحتاجه الآن ...

تنشئة إستطاع بها "خالد" أن يشعر بالفخر والإعتزاز ، فأبنائه هم ثروته الحقيقية التى إستطاع إستثمارها على مدار سنوات عمرهم الطويلة ...

وقف "معتصم" يدور بقاتمتيه كما لو كانت جهاز حاسوب يحدد أماكن الجميع وتعبيرات وجوههم قبل أن يدنو منهم ويسألهم عما حدث ...

إجتمع مع والديه و "عيسى" ليتسائل بإهتمام وقلق ..
- إيه إللي حصل ، ماله "رؤوف" ؟!!

كانت إجابة والدته أسرعهم جميعًا لشدة قلقها وتلهفها على سماع خبر يطمئن قلبها المضطرب ..
- مش عارفين ، أخوك أغمى عليه فى القاعة ومن ساعتها جوه مع الدكتور ومحدش قال حاجة ...

عقد "معتصم" وجهه بحدة ليتفوه بإنفعال أثناء تحركه نحو غرفة الطبيب المناوب ..
- هو إيه ده ، وإزاى لوحده جوه ، هو ملهوش إخوات ولا إيه ...!!!

لكن قبل أن يشتد إنفعاله وقلقه فـ بالفعل نفسِه مشحونة من قبل وصوله للمستشفى فمازال آثار ما حدث مع والد "عهد" باقيًا بنفسه ، فُتح باب غرفة الطبيب والذى أغلق الباب من خلفه قبل أن يُحدث أهل "رؤوف" ...
- حضراتكم أهله ..؟!!

سؤال بديهي لكن عليه سؤاله تنبيهًا لهم ، فيما أسرع "معتصم" متصدرًا حديثه مع الطبيب ، فحتى والده القوى كان يخشى لحظة توضيح حالة "رؤوف" فمن داخله أب حنون يخفيه خلف ستار الحدة والقوة ...

أجابه "معتصم" منصتًا بإهتمام ..
- أيوة ، إتفضل أنا أخوه ، ماله "رؤوف" ..؟!

إمتعض وجه الطبيب قليلًا قبل أن يصرح بتشخيصه المبدئي لحالته ...
- أنا آسف فعلًا ، بس التشخيص المبدئي بيقول إن أخو حضرتك مصاب بورم فى المعدة ...

خبر مفجع إنهال عليهم جميعًا كالصاعقة حتى يكاد يجزم بأن جميع من كان بالمستشفى شهق بأنين صادم لهول الخبر ...

إستكمل الطبيب رغم ما أدركه من رد فعل حزين ظهر بوجوه كل المحيطين به ...
- الإغمائه إللي جات له سببها ضغط أو إرهاق ، لكن لما عملنا أشعة تشخيصية لقينا فيه ورم بالفعل ، وعشان نتأكد أخدنا عينة نعمل لها مزرعة ونحللها عشان نشوف نوع الورم ده إيه بالضبط ...

هتفت "منار" بصدمة لإدراكها كل هذه التفاصيل الطبية لكنها لم تكن تتخيل أن هذا قد يصيب ولدها يومًا ..
- إبني ....!!!!!! ... لا ، لا يا "رؤوف" ، أنا مش بعترض على حكمك يا رب ، بس إبني ، يا رب والنبي حبيبك بلاش توجع قلبي عليه يا رب ...

ضغط "خالد" بكف "منار" يدعوها للتماسك الذى لا يقوى عليه إلا بصعوبة ...
- إستني بس يا "منار" خلينا نفهم ، ( ثم سأل الطبيب مستفسرًا ) ، قصدك إن لحد دلوقتِ يا دكتور مش واضح ده ورم حميد ولا ، لا قدر الله خبيث ، صح ؟؟؟

أومأ الطبيب بالإيجاب موضحًا ...
- بالضبط كدة ، المزرعة دي هي إللي حتحدد ونعرف نوع الورم إيه ، لكن يا ريت نكون متماسكين شوية عشان خاطر المريض نفسه ...

أنهى الطبيب وصف الحالة تاركًا إياهم بردود أفعال مختلفة تنبع من داخلهم دون تزييف ، فالحقائق التى تظهر وقت الشدائد لـ هي شيء متأصل بالنفس ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
كتمت "منار" فمها تمنع شهقاتها الباكية لتلقى برأسها فوق كتف شريكها الفرح والألم والحزن معًا ليغمض "خالد" عيناه متأملًا في الله أن يمروا من تلك المحنة ولا يصيب ولدهم الضر ...

إهتز هذا الجبل العتيّ من داخله فصغيرهم مريض وربما مرضه خبيث لا يحتمل ، إكفهرت ملامح "معتصم" بصمت لبعض الوقت يحاول إستيعاب تلك الكارثة التى حلت بهم وتبدل فرحهم بتعاسة بتلك الليلة ، أخفض من نبرته محدثًا أخيه "عيسى" الذى لم يختلف رد فعله عنه ...
- خد بابا وماما و"غدير" وأختها و روَّحهم البيت ، ملهوش لازمة وجودهم هنا ، وأنا حفضل هنا مع "رؤوف" ولما يبقى كويس حجيبه على البيت ...

تفهم "عيسى" ذلك ليتجه صوب والديه ليقنعهم بالأمر فلا داعي لوجودهم الآن ...

على جانب آخر تحاملت "مودة" ألا تنهار بصدمتها بهذا الخبر المفجع لكنها ألقت رأسها تحبس دموعها فوق كتف أختها ، فتلك الضربة جائت في مقتل لقلبها ، لتتمنى من صميم قلبها ألا يكون هذا الورم خبيثًا أبدًا ، فهو نقي القلب لا يستحق الألم ، بينما ضاق تنفس "غدير" فـ"رؤوف" بمثابة أخ أصغر لها وقد تأثرت للغاية بهذا الخبر المشؤوم ...

لم يتبقى سوى تلك المُفترض أن تُلقب بزوجته اليوم لكن القدر شاء بعدم حلول ذلك ، و رُب قدر محتوم يكشف نوايا القلوب ...

فلتتيقن أن الله في النهاية سيحفظ لك علاقتك بمن يستحق أن يبقى بحياتك ، فرب الخير لا يأتي إلا بالخير ، هذا ما يحدث عندما تضع من هو ليس بقدرِة فيضعك بما لا يناسب قدْرَك ...

زاغت عينا "نيره" بتفاجئ شديد كمن تشاهد مشهد تمثيلي وليس حقيقة واقعة أمامها ..
لم تتأثر بالشكل الذى كان من المفترض أن يُرى منها ، بل تيبست تمامًا لتهمس بنبرة منخفضة للغاية تجاه والدتها ...
- إلحقى يا ماما ، ده "رؤوف" شكله عنده كانسر ..!!!!

لوت والدتها فمها بإمتعاض ثم أردفت ببعض الراحة ...
- ده إنتِ باين عليكِ ربنا بيحبك ، إن كتب الكتاب متمش ، كان زمانك مراته رسمي دلوقتِ ...

دارت أمام عيني "نيره" صورة تخيلية لحياتها القادمة مع "رؤوف" وهو يدور من مستشفى لأخرى ومن علاج لعلاج ، يتساقط شعره ويصبح دميم الخَلق ، يطلب دعم ومساندة ومساعدة مستمرة ، وربما بالنهاية يموت وتصبح أرملة وهي لم تتمتع بحياتها بعد ، لا ، ليست تلك الحياة التى رسمتها بخيالها الحالم لمستقبلها القادم ، إنه يحتاج لممرضة وليس لزوجة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
أومأت بذهن مشتت و أعين زائغة متفقة مع والدتها برأيها ...
- عندك حق ، كويس إن كتب الكتاب متمش ، أنا مقدرش أتحمل كدة ، أنا أه بحبه ، بس نفسيتي بتتعب أوي من الحاجات دي ، مش بستحمل أشوف حد عيان قدامي ...

ربتت والدتها بدهاء فوق كتفها لتردف بتنبيه لها ...
- أيوة ، إنتِ مش وش البهدلة دي ، تعالي معايا نسلم على أمه بسرعة ونروَّح بيتنا على طول ، ويبقى بينا كلام بعد كدة لما نتأكد من موضوع الورم ده ، عشان لو فعلًا خبيث يبقى ميزعلوش مننا ، إحنا مش راميينك يا بنتى ...

حركت "نيره" رأسها بالإيجاب لتنساق كالحَمل خلف أمها تخرج من فمها بعض كلمات المواساة التى لا تشعر بها من داخلها لتنتهى تلك الليلة بعودة الجميع لبيوتهم بينما ظلت "مودة" متشبثة ببقائها بالمستشفى مع "معتصم" لرؤية "رؤوف" والإطمئنان عليه قبل أن يعود للبيت ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈

شقة عهد ...
حين تسألني من أنتِ ؟؟ سأجيب بما يريح عقلي من هذا العبث و أخبرك بأني السئ والأسوأ وأنتم ملائكة من السماء ، فلن أُجهد نفسي حتى بعناء معاتبتكم ، فالعتاب بين الأحبة ، ولست حبيبة أحد ...

وقفت "عهد" تناظر الفراغ الذى خلفه "معتصم" منذ قليل بعد رحيله ، لم تكن تتمنى هذا الرحيل ، بل كانت تتمنى لو بقى لتخبره بما بها ، هو فقط من أرادت أن تلقى بأثقال قلبها عليه ، لكنه رحل ، رحل وهو يظن أن هذا الرجل له علاقة بها ، حتى لو صدق أن هذا والدها ، فقد ظن أيضًا أن هناك ما يجمعها به وهي أبعد من ذلك حقًا ...

كل ما تراه حُلوها تتذوق مرارته بحلقها ، كانت تظن بعد أن أخرج ما بقلبه تجاهها أنها يمكنها أن تنسى ماضيها وتلقى آلامها خلف ظهرها لتبدأ من جديد ، ليظهر هذا العابث بحياتها مرة أخرى ليدمرها كما دمرها من قبل ...

عدوانية شرسة لم تعد تتحمل كل مرة يهدم حياتها برعونته ، لقد كرهت حياة الخضوع والإستسلام من أجل هذا المدعىّ بأُبُوتَه ، ألقت كل ما يذكرها بكونها أنثى ناعمة خلف ظهرها من أجل ألا تلتقى بمن هو على شاكلته ، هو الذى يجسد كل معاني الخزلان والخزي والبغض ...

لم عاد الآن بعد أن تأقلمت على حياتها بدونه ؟؟! منذ متى له دور كأي أب سمعت له يومًا ، فلا وجود له ، غيابه أكثر شيء إعتادت عليه ، عشقت غيابه فهو الأكثر تأثيرًا بحياتها ...

إستدارت نحوه بأعين متوهجة حادة للغاية فإن جاء ليكسر لها غُصن فستقتلع له شجرة ، فهي لم تعد ورقة بمهب الريح لقد مدت جذورها لتصبح أقوى مما يظنه بمخيلته ...

لم تعطه فرصة ولم تعامله كأب غائب إشتاقت لوجوده ، بل كانت حادة فظة بشكل كبير ...
- إنت جاي ليه ؟!!

وقف هذا الرجل المتصابي بطول يناسب طولها الممشوق ووجه أبيض مستدير وشعر أسود مصبوغ بشكل بدائي للغاية ، تغطت ملامحة بصدمة مزيفة لا تنبع من داخله ...
- "عهد" !!!! هو ده ينفع ، بقى دي طريقة تكلمي بيها أبوكِ إللي جاي مشتاق يشوفك ...!!!

رفعت أنفها بتهكم دون تصديق هذا الرجل الذى تعدهُ غريب عنها ...
- مشتاق إيه !!!!!!!! إنت مصدق نفسك ؟!!! إنت فاكر إنك أب زي بقية الأبهات ولا إيه ؟!! ولا تكون فاكر إنك راجع من الخليج وعيالك وحشينك !!! إنت جاي النهاردة عاوز إيه ؟؟؟

بحزن مفتعل لصدها له نكس "مسعود" رأسه يحركها بنفي وخزلان من إبنته الكبرى ...
- ليه بس كدة يا بنتي ؟!! ليه تطعنيني في قلبي كدة !! هو أنا مش أبوكِ برضه ، ده ربنا إللي يعلم أنا بحبك إنتِ وأختك قد إيه ؟!!

عقدت "عهد" ذراعيها أمام صدرها تناظره بإستهزاء لتضحك ضحكة ساخرة قصيرة قبل أن تعقب ...
- لا والله ، ويا ترى بقى بتحبنا قد إيه إن شاء الله ؟!!!

تنهد "مسعود" بضيق ليردف بإستكانة لا تليق مع مظهره المُغثي للنفس ...
- و ليه بتستهزأي بيا كدة ، مش يمكن أكون حسيت بالندم ونفسي أرجَّع ولادي في حضني ، أنا كبرت يا "عهد" ونفسي تسامحوني وترجعوا في حضني أعوضكم عن إللي فات ...

هو من سبب لها هذا الإهتزاز النفسي والذى جعلها لا تصدق أيًا كان ، هل بتلك السهولة ستنسى كل ما فات وتصدق كذبه !!!!! ، هتفت به بإنفعال ترفض هذا اللين الذى يدنو به نحوها ، إنه خلسة الثعابين ، لم تصدقه من قبل ولن تصدقه اليوم ...
- إنت تعوضنا !!!! هو إنت شايفني إيه ، عبيطة وساذجة زي أمي ولا أختي ، لا ، أنا "عهد" ، الدنيا دي كلها بتعمل لي ألف حساب ، وإنت كمان لازم تعمل لي ألف حساب ، فاكرني بسهولة ممكن أصدقك كذب التعابين بتاعك ده ، وقال يا عيني راجع تلم عيالك في حضنك ، شوف إنت عامل إزاي !!!!! شوف كنت فين السنين دي كلها وإرجع مكان ما جيت ، أنا مش محتاجالك ولا ححتاج لك عمري حتى لو بموت ، إمشي ، إمشي من هنا وشوف مصلحتك في حته تانية ، أنا لا يمكن أصفى لك وأسامحك أبدًاااااا مهما حصل ...

بإصرار على إقناعها بأنه تغير وشعر بالندم أخذ "مسعود" يستجدي إبنته أن تسامحه وتغفر له قسوته معها ...
- سامحيني يا بنتي ، ده ربنا غفور رحيم ، أنا إتغيرت ونفسي أرجع لكم ، أنا مش عاوز غير إنك تسامحيني وتديني فرصة تانية أثبت لك فيها إني فعلًا ندمت وإتغيرت ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

كان كمن ضغط زر الإنفجار لتشتد حِدة نظراتها القاسية نحوه وتزداد ثورتها إشتعالًا وإنفعالًا لتصرخ بشراسة فقد أتت فرصتها السانحة ...
- أنا أسامحك إنت !!!!!! وكمان عايز فرصة تانية !!!! ليه ، عشان إيه أديك فرصة تانية ؟؟! وإنت مديتناش ليه فرصة واحدة إننا نعيش زي البني آدميين ، ليه كنت مؤذي وقاسي ، ليه سبتنا وجريت ورا نفسك ومصلحتك وسبت أمي بمرضها عشان مزاجك و دماغك ، ليه رمتني أنا وأختي بعد ما عرفت إن أمى ماتت ورحت تجري ورا نزواتك وراحتك ، رمتنا بنتين لوحدنا للدنيا تخبط فينا يمين وشمال ، وقتها مكناش نستحق فرصة تانية ؟!!!!!! ، وقتها مصعبناش عليك ؟!!!!!!! ، مفكرتش يوم واحد حناكل منين ونصرف إزاى !!!! ، أمى المريضة دي مفكرتش في يوم توديها لدكتور ولا تجيب لها علاج ، مفكرتش غير في القسوة والحرمان من كلمة تطبطب بيها علينا ، مفكرتش غير في نفسك وبس ، طفشت وسبت البيت يولع باللي فيه ...

أخذ جسدها ينتفض بقوة فتلك لم تكن مجرد كلمات عابرة تنطق بلسانها بل كانت تتحدث بكل جوارحها لسنوات عمرها التى جرعتها القسوة و هشمت قلبها اليانع ، خزلان وحرمان و قسوة هذا ما لاقته منه ، هذا ما تجرعته لسنوات عجاف لم تلاقي ولو لمرة واحدة طيفه قريب منهم بل هرب منهم ومن مسئوليتهم فكيف ستسامحه بتلك السهولة وهو من أسقاها العلقم بيديه ، كيف يطالبها بلين القلب وهو من جرعها قسوة الأيام ...

إشرأبت بعنقها بشموخ فلن تهتز ولن تنكسر أمامه بالخصوص لتشير نحو باب الشقة بجمود شديد ...
- مالكش مكان هنا ، إتفضل مع السلامة ...

لملم "مسعود" بقية كرامته ليخرج متهدلًا بخزي من طردها له ...
لحظات حتى خرج من الشقة لتدفع بإغلاق الباب بصفقة قوية تقطع بها محاولته لوصلهم ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

تحركت ببطء نحو الداخل لتشعر برجفات متتالية لم تتحملها أعصابها الهشة ونفسها المحطمة ، تذكرت نفسها كفتاة بالرابعة عشر تترجى والدها الذى حمل حقيبته لمغادرة بيتهم القديم ألا يتركهم ...

﴿ - بالله عليك يا بابا خليك متمشيش ...

رمقها "مسعود" بنفور ليدفع كفيها الصغيران عن ذراعه الذى تشبثت به "عهد" يدفعها بقوة نحو الخلف لتهوى أرضًا مصطدمة بصلابتها كما لو إرتد الألم بقلبها بذات اللحظة ليردف بقسوة إعتادتها عليه لسنوات سابقة ...
- غوري يا بت من وشي ، مش ناقصة إلا البنات وخلفتها ، روحي إلزقي في أمك خليها تنفعك إنتِ وأختك ، أنا ناقص قرفكم ( ثم إستدار نحو "عايدة" زوجته الطيبة المستكينة تمامًا كـ"وعد" حتى أنها تشبهها إلى حد كبير ليتطلع نحوها بإشمئزاز مستكملًا) ، يعني عيانة وخيبانة وإستحملتك ، رضيت بحياة الذل معاكِ وإنتِ لا بتروحي ولا بتيجي زي الستات الشاطرة الواعية دي إللي بتعرف تكسب القرش وتعيش أجوازها في نعيم ، كمان خِلفتك كلها بنات !!! يعني حفضل طافح الذل ده طول عمري ، أنا حغور من هنا وأشوف نفسي ، حفضل مدفون ما بين شوية حريم !!!! ، أنا إللي زيي يتاقل بالألماظ ، راجل مفيش بعد كدة ، قيمة وسيمة ، أروح أشوف نفسي وأعيش شبابي إللي حيروح في القبر إللي عايش فيه ده مع واحدة كئيبة متتعاشرش زيك ...

خرج "مسعود" ، خرج ولم يعد ولم يسأل عنهن بعد تلك اللحظة ، رحل تاركًا إمرأة لا تقوى على العمل وإطعام بناتها ، يتذللون مرارة البحث عن لقمة تسد جوعهم وملاذ آمن يحميهم من السؤال ، قسوته و أنانيته دفعت تلك الطفلة للصمود والتحلي بقوة لا تمتلكها ، لم تعد لديها رفاهية الطفولة وعليها البحث عن كسب المال لتعيل أمها المريضة وأختها "وعد" ذات الست أعوام ، طفلة لا تدرك من الحياة شيئًا ولا تتذكر هذا الأناني المتصابي ، فقد وعيت "وعد" على أختها القوية التى تتحمل مسئوليتها هي وأمها لسنوات تتخبط من عمل لآخر ، تجتهد بتعليمها ورعاية أختها ووالدتهم ، ساعدتها إحدي السيدات كنوع من المساعدة بدفع مقدم تلك الشقة التي تسكن بها الآن وعليها توفير إيجارها الشهري منذ ذلك اليوم حين إنتقلت هي وأمها و "وعد" إليها بعد معاناة لسنوات لمرض الربو الذي تعاني منه "عايدة"...

لم تكل ولم تشتكي بل أصبحت قاتمة ، قاسية ، تتحمل كل الصعاب ولا تخر قواها ولا تلين لذكر ، فكلهم "مسعود المدبولي" ، لا يفكرون سوى بأنفسهم و أغراضهم فور تملكهم للجنس الآخر ، يسقطون عليهم عقدهم ويعلقون عليهم أخطائهم ويتملصون من مسئولياتهم تجاههم ...

وفاة والدتها كان صدمة أخرى قاسية على نفسها لتزداد إنغلاقًا ، حتى أنها أبدلت ألوان الشقة وأثاثها للألوان القاتمة كلون مميز لحياتها التى تشبهها حتى تزوجت "وعد" بشخصية تشبه والدها لتزداد يقينًا بأنهم جميعًا لا يختلفون بالنهاية ولو تبدلت الوجوه ﴾ ...

سنوات قاست بهم "عهد" الحياة حتى بدأت تعمل كخبيرة تقنيات لدراستها الحاسوب كدراسة تخصصية ، تفوقت بمجال سمح لها بالتقدم للضباط المتخصصين لتسلك طريق قوى يشد أذرها ويصقل شخصيتها الجافة لكنها لم تستطع نسيان ما فات ، ليتها إستطاعت لكانت تركت لقلبها العنان وشعرت ببعض المحبة والحنان الذى تفتقدهم ، لكنها تفتقد الأمان والسند أكثر من الحب ومشاعره ، تفتقد أن تكون الأولوية بحياة أحدهم ...

ضغطت "عهد" بكلا كفيها فوق فمها تكتم شهقات بكائها ، فلماذا عاد والدها اليوم ليعيد إحياء جراحها القديمة ، ألن تكف الدنيا عن صفعاتها التى كيلت إليها ، أكل هذا لمجرد أنها بدأت تميل تجاه "معتصم" ، ألن يكتب لها السعادة والفرح مطلقًا !!!!!....

برفض تام لأن تكرر مأساة والدتها وأختها وخالتها "زكيه" إنها لن تنصاع لحديث القلب ، لن تهوى من تحب ، لقد كُسرت من قبل حتى أصبحت كل حوافها حادة ، من أراد قُربها لابد وأن تجرحه ، فلم يعد لديها القدرة على تضميد كسور كلما لملمتها تهشمت ، إنها قوية أقوى مما تتصور وأقوى مما يتخيلها الجميع ، وستظل قوية ولن ترضخ أبدًا مهما حدث ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈

بيت النجار (شقة زكيه) ...
إنتهى وقت التجمعات وحان وقت الخلو بالنفس ، دارت "نغم" حول نفسها بتعاسة وهي ترى وحدتها تحيط بها بين تلك الجدران المتهالكة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

لقد كانت تتقبل هذا المكان لوجود أحبائها به ، لكن بعد غيابهم أصبح البيت لا يحمل هذا المعنى بداخلها ، لقد عادت لكونها جدران صماء لا حياة فيها ، وحتى بكونها جدران فهي لا تتحمل بشاعتها و قُبحها ...
بدلت فستانها بمنامة شتوية باهتة لتجلس حاملة لفافة من الخبز تتناول طعام عشائها الذى لا طعم له ولا قابلية لها ...

تذكرت "نغم" بعد مرور يوم الجمعة الحزين برحيل "شجن" وما شعرت به والدتها من حزن و هم ، حتى أنها حاولت إخراج والدتها من دائرة حزنها حين أحضرت لها مرتبها الذى أحضره لها "بحر" ....

عم رأسها ضجيج أفكارها الصامتة وتذكرها لما حدث باليوم التالي حين أخذت "زكيه" المال الذى إقترضته من السيدة "خيرية" لتعيده إليها ...

﴿ تحركت "زكيه" بتخوف مما حدث باليلة السابقة مع "صباح" لتسرع بخطواتها نحو منزل "خيرية" القريب ...

قبل أن تدق الباب لاحظت أن الباب مفتوحًا لتدلف مباشرة بخطوة واحدة نحو الداخل تنادي "خيرية" لتنبهها بوجودها ...
- "خيرية" ، يا "خيرية" ....

نداء في الفراغ لا يتبعه سوى السكون ، قلق ما إعتراها ودفعها للتقدم للإطمئنان على تلك السيدة الوحيدة ، لكن هول الصدمة حين وقعت عيناها على داخل الغرفة جعلها تصرخ بهلع وتشدقت عيناها عن وسعهما فقد طعن أحدهم السيدة "خيرية" ، قتلها في مقتل ...

أخذت تهتف "زكيه" بهلع شديد حتى يلحق أحدهم بتلك السيدة الطيبة الخيرة ...
- يا نااااااس ، يا هووووو ، إلحقونا يا ناس ...

ظنت أنها بذلك تساعد "خيرية" وأن يقوم أحدهم بإسعافها أو نقلها للمستشفى ...

لكنها فوجئت برجال الشرطة وليس الجيران أو المسعفين ، إلتف رجال الشرطة حولها وحول خيرية ليتم القبض عليه بتهمة قتلها ، صرخات إستغاثة لكن هذه المرة ليس لنجاة "خيرية" بل لنفسها ...
- لاااا ، إلحقوني يا ناس ، أنا معملتش حاجة ، معملتش حاجة ....

توقفت عن صراخها حين سمعت حديث الشرطي يحدث الضابط الواقف أمامها ...
- تمام يا فندم ، كل المصوغات والفلوس إتسرقوا يا فندم ...

إستدارت "زكيه" نحوهم بفزع ليعقب الضابط الذى عادت إليه ببصرها ...
- "زكيه" إنتِ مقبوض عليكِ بتهمة سرقة الست "خيرية" وقتلها عمدًا ، قدامي يلا ، خدها على البوكس يا عسكري ....

عاشت طوال عمرها تهرب من كلمة وموقف ، تحارب الجبروت بالإستكانة والخضوع وفي النهاية لما تكبدته وتحملته تُتُهِمَ بالقتل والسرقة ...

لم يتحمل قلبها الضعيف ما حل بها لتسقط مغشيًا عليه بحالة إنكار وعدم تصديق لما حدث ...﴾

ويبقى للأحداث بقية ،،،

✨ فضلًا إذا أعجبتكم الرواية شاركوا الفصل بصفحاتكم منعًا لسرقة مجهودي و توثيق حقي بها ولا تنسوا لايك و كومنت كتقدير منكم لمجهودي بكتابة الرواية ✨

رشا روميه قوت القلوب

 •تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent