رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2 الفصل الثالث 3 - بقلم قوت القلوب
الفصل الثالث « إنك لغريب ...!!! »
قُربك لم يكن يكفيني فلقد رأيتُ مِنك ما يجعل من الغريبِ أقرب ، لقد أصبحت أخشى كل شيء لكني لم أعد أخاف ، فهل سأخشى النيران وأنا الحريق نفسه ..
مرت ساعات الليل الطويل لتشرق شمس صباح جديد ، بداية يتأملها البعض ويهرب منها البقية ...
خلال تلك الساعات الماضية بقى "معتصم" بمستشفى السلامة بإنتظار الخروج بصحبة أخيه "رؤوف" ، شعور بالإستغراب يطوف به كلما نظر تجاه "مودة" التى رفضت بشكل قاطع عودتها للبيت برفقة "غدير" و"عيسى" ليلوح برأس "معتصم" أمر واحد فقط ، أنها بلا شك تحب أخيه وإلا فلما مازالت تنتظر رؤيته ...
تحاملت "مودة" قلة النوم والإرهاق بإنتظار لحظة السماح لهم برؤيته بعد إعطاء "رؤوف" مهدئ جعله يغفو بعد الفحص وأخذ العينة ...
دقت تمام السادسة لتبدأ مناوبة أخرى للتمريض بالمستشفى مع مرور الطبيب ببعض الحالات ومن بينها "رؤوف" ...
دلف الطبيب للغرفة ليفحص "رؤوف" للمرة الثانية ليخرج بعد قليل محدثًا "معتصم" وإنصات "مودة" ...
- هو أحسن دلوقتِ ممكن يروَّح البيت ، وممكن أشوفه بعد نتيجة العينة ما تطلع ، بإذن الله خير ، حمد الله على سلامته ..
كلمات ثابتة مكررة ما بين مريض وآخر ، تَفهم "معتصم" الأمر لينظر نحو "مودة" بتفحص يكشف ما تخفيه تلك الصغيرة ليسألها مستكشفًا بعينيه الثاقبتين كعادته ...
- مروحتيش مع "غدير" ليه ؟!! تعب عليكِ كدة !!
شعرت "مودة" بالإرتباك لتردف بتردد ...
- قلت أطمن على دكتور "رؤوف" الأول وبعدين البيت مش بعيد عن هنا ...
بإيمائة كاشفة وإبتسامة جانبية إكتفى "معتصم" ردًا عليها ليدلف لغرفة "رؤوف" ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
لم يتذكر "رؤوف" شيئًا بشأن ليلة الأمس ، لحظة غفوة أفاق منها يدور برأسه يتفحص تلك الغرفة متغاضيًا عن الألم الطفيف الذى مازال يشعر به ، تحركت عيناه تجاه المغذى الموصل بكفه فيبدو أنه تناول بعض الأدوية المسكنة للألم ...
دلف "معتصم" أولًا لينتبه له "رؤوف" متسائلًا ...
- "معتصم" ، إيه إللي جابني هنا ، و .....
قطع حديثه طلة "مودة" الهادئة من خلف "معتصم" ، صمت لوهلة يتأكد من رؤيته لها ليعلنها قلبه صراحة بدقاته المتسارعة إنه سعيد برؤيتها ، لو كان قلبه ينطق لصرح بأنها الوحيدة التى كان يتمنى رؤيتها الآن ...
صمت "رؤوف" المباغت وإنتظار "مودة" كان واضحًا للأعمى بأن هناك عشق خفى يربط قلبيهما ، لكن !!! أليس هذا العشق من حق "نيره" وهي أولى به ؟!!!
همس "رؤوف" بوهن ...
- "مودة" ..
وقفت "مودة" خلف "معتصم" تشعر بالحرج لبقائها لتردف بعجالة ...
- أنا بس كنت بطمن عليك ، و كويس إنك بخير ، حمد الله على السلامة ...
قالتها لتستدير مغادرة تهرب مما وضعت نفسها به موبخة نفسها بشدة على تهورها وبقائها بهذا الشكل ، توقفت عن الحراك حين قام "رؤوف" بندائها يمنعها من المغادرة ...
- إستنى بس ، رايحه فين ؟!!
نظرت بالبداية نحو "معتصم" بقلق فعيناه تؤكد إدراكه لمشاعرها بوضوح لتعيد عينيها تجاه "رؤوف" معتذرة ...
- معلش ، أصل يا دوب أروَّح ، وبإذن الله حطمن عليك من "غدير" ، سلام عليكم ...
خرجت بعجالة تؤنب نفسها على إصرارها على البقاء ، فهذا القرار خاطئ للغاية ، فـ"رؤوف" بالنهاية يعد غريب ولا يصح بقائها هنا ، لكنها عادت تبرر ذلك بأن هذا كان الحل الوحيد لتطمئن بعينيها عليه أولًا ...
بهدوئه المستفز مال "معتصم" تجاه أخيه يمط شفتيه الممتلئتان قائلًا ...
- طب ما كانت قدامك قبل "نيره" ، ما خطبتهاش ليه ؟!!!
بأعين متفاجئة نظر "رؤوف" تجاه أخيه المتقد الذكاء متلعثمًا بحديثه ...
- قصدك إيه ، هي مين ، مفيش حاجة يا "معتصم" ...
ضحك "معتصم" بقوة لتظهر أسنانه المتراصة و تتجلى وسامته المثيرة ...
- "أوفه" ، باين على وشك ، مش حتخبي عليا أنا ...
تنهد "رؤوف" بحنق ثم أردف بتحسر ...
- مكنتش واخد بالي ولا منها ولا من إللي جوايا ناحيتها إلا الإسبوع إللي فات ، ويوم ما عرفت بابا حدد معاد كتب كتابي أنا و "نيره" ...
أكمل"معتصم" عن أخيه بإدراكه للأمر ...
- وطبعًا مش حتقدر تسيب "نيره" وتخلى بيها ، فوافقت على إتمام الجواز غصب عنك ...
حرك "رؤوف" رأسه بخفة مصدقًا على ما تفوه به أخيه ، عقب "معتصم" بجدية ...
- عمومًا ربنا مش بيجيب حاجة وحشه ، يلا بينا نروح دلوقتِ وكل حاجة لها وقتها ، المهم تشد حيلك وتبقى كويس ...
بدون توضيح لأكثر من ذلك أشار "معتصم" لأخيه بمرافقته بينما لم يفهم "رؤوف" مقصد "معتصم" جيدًا لكنه كان يود العودة للبيت ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
بعد أقل من النصف ساعة كان "معتصم" يصطحب "رؤوف" عائدًا للبيت ليجد الجميع مازالوا بإنتظاره ليطمئنوا عليه ...
نظرة متوجسة رآها "رؤوف" بعيونهم ودموع خفية تتحجر بداخلها ، حديث مخفى يظهر بوجوههم دون أن يدرك سبب تلك النظرات المشفقة التى تملأ قسماتهم ...
لكنه شعر ببعض الألم بمعدته جعله يتغاضى عن ذلك ليلتمس بغرفته بعض النوم والراحة فيما خرج "معتصم" مرة أخرى متجهًا لعمله بالجهاز ، فقد إنتهت إجازته للتو وعليه إستئناف عمله و بالأخص رؤية تلك المتمردة الشرسة ليفهم سر غموض الأمس الذى لم يتسنى له الفرصة لمعرفة الأمر كافة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
إنه موعد الإستيقاظ الثابت لديها ، دقات منبهة علت لتصدح بالغرفة الساكنة تعلن عن موعد الإستيقاظ ، لكن هذا لمن إستطاع أن يغفو وينال راحة الليل ، تطلعت "عهد" برنين هاتفها لتغلق الصوت فهي لم تغفو بعد ...
نظرت لصورة تجمعها مع والدتها وأختها "وعد" ، تذكرت مقدار المشقة التى مرت بحياتها حتى هذه اللحظة ، أرادت لو تعيد لذاكرتها كل لحظات العناء التى سببها لهم والدها حتى لا تضعف وترضخ لبعض الكلمات الكاذبة عن الندم ، لقد أصبح كالغريب ، بل هو بالفعل غريب عنهم ، لا يعرف شيئًا عنها وعن طباعها عن تفاصيل حياتها ومشاعرها ، إنه حتى لم يتقابل معها منذ أن كانت طفلة بالرابعة عشر ، فما الذى ذكرَّهُ بها وبأختها الآن ، هل عاد ليزيد أوجاعهم ويذكرهم بأنهم على هامش تفكيره وحياته ، أليسوا هم أنفسهم من تركهم دون مال ولا سند ...
تنهدت بقوة لتنهض من فراشها لتبدأ روتين حياتها بالعودة لعملها فقد إنتهت الإجازة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
بنطال أسود وكنزة صوفية رمادية ، كان هذا إختيارها لما سترتديه اليوم كنوع من التغيير لسهولة حركتها فلا تدري ماذا ستقتحم من مفاجآت لم تحسب لها حساب كيومها الأخير بالمهمة بالأسكندرية ...
إتجهت بعد ذلك مباشرة نحو الجهاز وقد زاد تجهمها وإقتضابها عن المعتاد ...
مقابلة لم تكن تودها بتلك اللحظة ، لحظها وصولها لمبني المخابرات العامة (الجهاز) كان نفس توقيت وصول "معتصم" ، وما بين كلاهما شعور مختلف ، أراد أن يتحدث معها ويتفهم منها ما حدث بالأمس ويخبرها سبب حضوره لبيتها بهذا الشكل ، بينما شعرت أنه يسرق قلبها رغمًا عنها ، سيحولها لصورة متكررة من إمرأة ضعيفة لن تتحمل أن تكون كالبقية ...
أشاحت بوجهها عنه مصطنعة عدم رؤيته بلا مبالاة أدركها "معتصم" على الفور ، فقد رأى عيناها التي لمحته قبل أن تشيح عنه ، لن يركض تجاهها ليسعى لإرضائها فهو أكبر من ذلك ، لكن الأمر قد إستفزه بصورة غريبة ...
لكن قلبه دفعه لندائها ولو لمرة واحدة ...
- "عهد" ، يا "عهد" ...
أغلقت أذنيها كما لو أنها لا تسمعه لتتعجل بخطواتها القوية نحو الداخل مما أثار حنقه وإستفزازه مرة أخرى ليغمغم بضيق ...
- ده شكل النهاردة مش فايت ...
رفع نظارته الشمسية فوق عينيه برغم أنه دلف لداخل المبني وتشدق بعنقه لتتخذ خطواته قوة وشموخ كنوع من التحدي ليعبر الردهة الطويلة بخطوات تكاد تثقب الأرض من تحتها ، زاد الأمر حينما مر إلى جوارها متخطي وجودها ليتجه نحو مكتب السيد "نظمي" ...
عناد من نوع آخر جعلها تستشيط غضبًا ، ألم يكن منذ وهلة يناديها ، والآن هو يتخطاها دون الإلتفات لها ، أى مزاح هذا ...!!!
إتجهت صوب مكتبها لتدور بإنفعال حول نفسها مغمغمة بسخط ...
- ماله ده ؟!! منين كان بينادي عليا ومنين سابني وراح المكتب ، إيه أصله ده ؟!!!
تهدج صدرها بإنفعال بينما أخذت تلوم نفسها بقوة تنهرها عن ضعفها ...
- بس يا "عهد" إنتِ إتجنني ، مش هو ده إللي إنتِ عاوزاه ، مش عايزاه يبعد عنك عشان ميضعفكيش ، مش هو ده إللي إنتِ خايفة يسيطر عليكِ ويتحكم فيكِ !!!!!
لكن هذا الثائر بين ضلوعها يترجاها بأن تقبل حُبه و قُربه ، إنها بالفعل بحاجة إليه وإن أنكرت ذلك ، قلبها بأمس الحاجة لقلبه الذى لن يتكرر بحياتها مرة أخرى ، فهو فرصة نادرة إن لم تقتنصها ستخسرها للأبد ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وما بين قُرب و بُعد بداخلها فقط ظلت تتخبط الأفكار برأسها ويقيم بقلبها وعقلها صراع أجهدها تمامًا حتى أُرسل إليها طلب لحضور إجتماع عاجل بمكتب السيد "نظمي" ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
طبيعة ساحرة تخطف العيون قبل الأنفاس لكن رغم ذلك هناك من يُحرَم من التمتع بها ، بوجه شاحب وجسد متيبس جلس "أيوب" يطالع وجه مرافقته الحسناء التى أضفت روحًا وحياة على حياته الرتيبة ...
أعدل "أيوب" من وضع رقبته حين ساعدته "شجن" بوضع وشاح صوفي سميك تدثر به ساقيه حين جلس بالمقعد المتحرك خاصته ، بروحها المرحة أردفت "شجن" ..
- إيه رأيك بقى بكوبايتين شاي بالنعناع في البلكونة ، الجو النهاردة تحفة والشمس ملعلعة ..
إبتسم "أيوب" إيجابًا ...
- ده يبقى حاجة حلوة أوى ..
غمزت "شجن" بشقاوة وفضول أيضًا ...
- وأهو بالمرة نكمل رغي مع بعض ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
دفعت "شجن" المقعد نحو الشرفة ثم ألقت نظرة خاطفة مرة أخرى نحو داخل الغرفة قبل أن تردف ...
- ثواني يا عم "أيوب" حأسقي الزرعة إللي جوه الأوضة وأجيب الشاي من "أم محمد" ...
على عجالة أسقت هذا الأصيص الذي وضعته بنفسها بداخل الغرفة ليبعث بعض البهجة بنفس "أيوب" ثم أحضرت أكواب الشاي لتشارك "أيوب" جلسته بالشرفة يستمتعان بهذا الأجواء الساحرة ، لتسأله "شجن" بسؤال طالما راودها منذ لقائها به ...
- إنت ليه عايش لوحدك يا عم "أيوب" ، فين أهلك وحبايبك ، معندكش أولاد ولا حاجة ؟!!
ضحك "أيوب" ساخرًا من حاله ليجيبها بتحسر رغم تهكمة بمفارقة على حياته القاحلة ...
- عارفة يا "شجن" ، أنا إتجوزت ثلاث مرات ...
أوسعت عيناها بصدمة لتردف بإندهاش ..
- ثلاث مرات ... !!!!!
أكمل بضيق نفس رغم تظاهره بعكس ذلك ..
- أيوة ثلاث مرات ، كنت شاب بقى وسرقاني السكينة زي ما بيقولوا ، منكرش إني كنت أناني وكمان كنت وحيد أبويا وأمي ، يعني شاب وحيد ومعايا فلوس ، مكنتش عارف إن العمر والوحدة حيعملوا فيا كدة ...
سألته "شجن" بجدية لتأثرها بحياة الدلال التى يعقبها ألم ووحدة ..
- وهم فين الثلاثة دول ، وإزاي إتجوزتهم ..؟!
عاد لذكريات الماضي متذكرًا ليقص عليها ...
- كنت شاب هوائي أوي ، إتجوزت "نعمة" بنت خالي ، أنا ليا أعمام كتير مش شقايق أبويا لأ من أم تانية ، إلا إني كنت قريب لخالي والد "نعمة" ، هي كمان كانت مختلفة عن الكل ، إتجوزنا ثلاث سنين وبعدين حسيت إنها مش هي دي الإنسانة إللي تناسبني ، مكنتش كملت تعليمها وحسيت إن ده عيب كبير أوي فيها ، كمان كانت من المنطقة من هنا فيها طبع ريفي شوية ، مع إن أنا إللي كنت أخترتها لكن حسيت إني إتسرعت ، رحت لأبويا وقلت له أنا عاوز أتجوز تاني واحدة تفهمني وأفهمها ، أبويا زعل جدًا لكن مع ضغط والدتي عشان هددتهم إني حسيب البيت وأمشي وافق ...
تهدل حاجبي "شجن" بضيق معقبة ...
- ومراتك ، وافقت ؟؟؟؟
تنهد بتحسر قبل أن يردف ..
- للأسف لأ ، مستحملتش فكرة إني أتجوز عليها ، كمان كانت بتحبني أوي طلبت الطلاق ، أنا وقتها كنت طايش ، ما صدقت بصراحة عشان أكمل حياتي بدون ضغط أو مسؤولية خصوصًا مكنش فيه بينا أطفال ...
حزنت "شجن" لظلمه لتلك السيدة ..
- وطلقتها ؟!!
- طلقتها ، ورحت إسكندرية ، دورت على بنت حلوة تعجبني بقى مش الريفية بتاعتنا ، وفعلًا الناس رشحت لي بنت جميلة أوي إسمها "سوزان" وإتقدمت لها ، بس بعد الجواز إتضح لي إنها إنسانة مش كويسة ، طماعة و أنانية ، لسانها طويل ، مقدرتش أكمل معاها هي كمان وطلقتها بعد خمس شهور ...
لوت "شجن" فمها بإستياء كما لو أنها تتشمت به نيابة عن بنات جنسها ..
- ده ذنب "نعمة" بنت خالك ...
رغم إدراكه لذلك إلا أنه أكمل بتحسر ..
- أنا فعلًا قلت كدة ، عرفت الفرق بينها وبين "سوزان" وإن ظفر "نعمة" بألف من واحدة زي "سوزان" ...
إعتدلت "شجن" قائلة بحماس ...
- طيب ، يبقى ترجعها على طول ..
- ده إللي أنا فكرت فيه إني أرجعها وأعتذر لها وأستسمحها وإني عرفت قيمتها فعلًا بس للأسف ملقيتهاش ...
ضيقت "شجن" حاجبيها بإستغراب ...
- ملقيتهاش ، ليه ؟؟! راحت فين ؟!!
- خالي طبعًا زعل مني دي مهما كانت بنته الوحيدة ، وأخد على خاطرة لما عملت كدة في بنته وكسرت قلبها ونفسها ، بعد الطلاق سابوا البلد كلهم وسافروا مصر وحاولت أوصل لها لكنها رفضت تمامًا تقابلني أو تتكلم معايا ...
عقبت "شجن" بإنفعال ..
- طبعًا ، كرامتها وجعاها ...
أومأ "أيوب" إيجابًا ...
- أيوة ، وعشان كدة قعدت سنين طويلة حاسس بالذنب وفعلًا حسيت قد إيه إني غلط وخسرتها ، ندمت بجد إني فكرت بالسطحية دي ، لكن لما والدي إتوفي وبعدها والدتي ولقيت نفسي لوحدي قلت أتجوز والسلام وحصل ، إتجوزت أرملة كبيرة في السن ما أنا كمان وقتها مكنتش صغير وشباب زي الأول ، قعدنا مع بعض ثمان سنين لحد ما إتوفت السنه إللي فاتت وبقيت زي ما إنتِ شايفة ، عايش لوحدي ...
رغم أخطائه إلا أنها أشفقت عليه بالفعل لتردف بحنو ...
- طيب متزعلش نفسك ، وأديني معاك أهو بونسك ...
بسمة مجاملة لاحت للحظات ليردف بعدها ...
- مش عارف من غيرك الأيام دي حتعدي إزاي ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
طرقات صدحت بباب الغرفة تلاها صوت السيدة "أم محمد" ...
- يا حااچ ، يا ست "شچن" ...؟؟
أعلت "شجن" من صوتها ...
- تعالي يا "أم محمد" ...
دلفت السيدة نحو الداخل تطل برأسها قائلة ..
- فيه واحد غريب عاوز الحاچ تحت ...
نظر "أيوب" لـ"شجن" قائلًا ...
- شوفي إنتِ يا "شجن" مين الغريب ده وعاوز إيه ...
تحركت "شجن" برفقة "أم محمد" لمقابلة الغريب ببعض التوجس فهو أول زائر يمر بهما منذ أن جائت إلى هنا ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
بيت النجار (شقة زكيه) ...
سحبت "نغم" حقيبتها الصغيرة لتعلقها بكتفها فقد تجهزت تمامًا في الموعد المحدد ، دقائق قليلة وسمعت طرقات بباب الشقة لتتلهف لأصحابها وتفتح الباب على عجالة ...
- صباح الخير يا عمي ،(ثم تطلعت نحو "مأمون" من خلف "فخري" ) ، صباح الخير ...
تطلع "فخري" لملابسها متسائلًا بما يدرك إجابته مسبقًا ...
- جاهزة يا "نغم" ...؟
أومأت "نغم" بالإيجاب ليجتاحها توجس وتخوف سبب برودة لأطرافها ..
- أنا جاهزة بس ااا ، هو ممكن ماما تفضل في الحبس يا عمي ..؟؟؟
أجابها متأملًا بذلك بالفعل ...
- إن شاء الله المحامي يحاول النهاردة يطلعها بكفالة وتروح معانا إن شاء الله ...
تضرعت "نغم" بالدعاء بتمنى ...
- يااااا رب ...
هبط "فخري" الدرجات أولًا ليبقى "مأمون" مرافقًا لـ"نغم" متحدثًا بنبرة خفيضة للغاية ...
- مش عاوزك تشيلي هم خالص ، المحامي ده أكبر محامي في البلد وإن شاء الله مرات عمي تروح معانا النهاردة ...
تنهدت "نغم" بضيق وهي تعد الأيام بإحباط شديد ...
- النهاردة بقالها ثمان أيام في الحبس ، أنا مخنوقة أوي ، ماما وحشتني أوي ، لولا إنها أصرت لما رحنا لها المرة إللي فاتت إننا لازم نكتب الكتاب مكنتش رضيت بكدة وهي بعيد عني هي و "شجن" ، عارف ، والله يا "مأمون" ماما متعملش كدة أبدًا ، أبدًا ...
هتف مؤكدًا الأمر ليبث بها بعض الطمأنينة ..
- أنا متأكد يا "نغم"، وبعدين هي فاهمه كويس الظروف وعارفة إن مينفعش تقعدي لوحدك وهي مش ضامنة حيحصل لها إيه في القضية ، من خوفها عليكِ أصرت نتمم كتب الكتاب مش هي إللي قالت كدة، كمان أنا مش عاوزك تقلقي خالص ، ولا أنا حسيبها ولا بابا حيسيبها ، هو وعدني إنه حيفضل جنبها لحد ما يثبت برائتها ...
بعفوية لا تناسب فتاة تمر بكل تلك الضغوط والعقبات عقبت بإندهاش ...
- الصراحة متزعلش مني ، أنا متفاجئة جدًا من موقف عمي "فخري" ووقفته مع ماما ، ده حتى هو إللي جاب المحامي وسعى كتير أوى عشان نزورها النهاردة ...
أكمل "مأمون" طريقه برفقة "نغم" للحاق بوالده دون أن يكفا عن الحديث متجهين لقسم الشرطة لزيارة "زكيه" برفقة أحد المحامين البارعين ...
لم يدركا أثناء مرورهم أمام شقة "فخري" أن "صباح" كانت كعادتها تقف خلف الباب تسترق السمع لهم لتستدير بوجه متوهج تكاد الدماء تثور منه وهي تستكمل توعدها ...
- بقى كدة يا سي "فخري" ، بقى سايبني مرميه هنا وداير ورا الست "زكيه" تجيب لها محاميين وتزورها كمان ..
لتنتبه لما هو أبعد من ذلك ...
- ده مش بعيد لو طلعت من الحبس يتجوزها ، أيوة ، هو عاوز يتجوزها من زمان ، وخلاص الجو خلي له ...
لتعلي من صوتها الخشن مهددة ...
- ده أنا أطربقها على الكل ، ولا يهمني ، ده أنا لو روحي فيه ، يا يبقي ليا لوحدي ، يا بلاش ...
ليبقى عليها فقط الإنتظار لثبوت التهمة على "زكيه" أولًا وإلا فعليها البحث عن أمر آخر يخلصها منها ومنه إذا لزم الأمر ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
فيلا الأيوبي ...
ربما تموج الظنون بالعقول لكنها لا تظهر للعيان ، فإن كانت ظنونك سيئة لم لا تملك قوة المواجهة ، لما تتيقن بما يُطلق عليه ظن ..؟؟!! ، فلتكن كالصاعقة تضرب ولا تبالي فهي على قسوتها إلا أنها حقيقية مباشرة لا تطعن بالظهر كسوء الظن ...
بخفة ورشاقة خرجت "شجن" من باب الفيلا الخشبي الكبير لمقابلة هذا الغريب ، رغم جرأتها التى تتمتع بها إلا أن لها بسمة عذبة للغاية ترسم بشفتيها طوال الوقت ، تقدمت لعدة خطوات لتعبث الرياح بخصلات شعرها القصير بحالمية ، كانت خاطفة للأنظار بشكل ملفت ، خاصة أنظار هذا الشاب الذى وقف بإنتظارها والذى لقب بالغريب ...
شاب وسيم ذو ملامح لطيفة مبتسمة أيضًا له وجه مثلث وشعر ناعم ذو خصلات طويلة مصفف بعشوائية أظهرت عيناه البنيتان الواسعتان ذات الأهداب الطويلة ، كان مظهره لطيف بشكل ملحوظ، لكن بملابس بسيطة للغاية ليدل على حالة إجتماعية بسيطة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
توقفت "شجن" بمقابلته تنتظر منه التعريف عن نفسه فيما فاه بوجود فتاة حيوية بهذا البيت فلم يكن يعلم بأن هناك أيه أولاد هنا ...
مالت "شجن" برأسها تحركه بدون فهم تحثه على التحدث لتهتف بالنهاية ...
- أه ، إيه ، مين إنت ؟!!
إنتبه الشاب لها ليجيبها ببعض التشتت ..
- ااا ، أنا "رحيم" ...
عقبت "شجن" بسخرية مازحة ...
- وااو ، برافو ( ثم تساءلت تنبهه أنه لم يوضح بعد من هو ) ، أيوة برضه مين حضرتك ؟!!
تشتت "رحيم" بتلك الأفكار التى تواردت إليه فمن تكون تلك الفتاة ؟!! وماذا تفعل ببيت هذا الرجل ؟؟! الجميع يدرك أن "أيوب" رجل وحيد لا أولاد له ، أيعقل أن تكون هذه زوجته !!! أو ربما على علاقة ما به ؟؟! ...
تلاعبت الظنون برأسه كما فعلت مع العديد ممن يحيطون بـ"أيوب" ، فلم يدرك أحدهم سبب وجود فتاة غريبة ببيت رجل بمفردهما ...
شعر "رحيم" بالإرتباك فهي جريئة خفيفة الظل ، مختلفة عمن يعرفهم ليردف بهدوء فهو يتمتع بشخصية لطيفة هادئة بشوش الوجه ، سحب شهيقًا طويلًا ثم زفره دفعة واحدة ليجيبها بإبتسامة متوجسة من الرفض ...
- أنا كنت جاي عشان شغل ، حد هنا قالي إنكم محتاجين سواق ...
رفعت رأسها بإدراك للأمر ...
- ااااه ، طيب تعالى ...
قالتها وهي تستدير نحو الداخل ليتبعها بينما تعجب "رحيم" من أمر تلك الفتاة فيبدو أن لها سُلطة ما بهذا البيت ...
لحق بها "رحيم" حين دلفت لداخل الفيلا ليتطلع بأركانها وثراء صاحبها بعكس حالته المادية المهترئة ليجد "شجن" تصعد الدرج مما جعله يثبت بموضعه فبالتأكيد لن يقتحم البيت ويلحقها نحو الأعلى ...
إستدارت "شجن" تحثه على المواصلة بإنتقاد لتوقفه ...
- وقفت ليه يا إبني ، يلا تعالى ...
تطلع بها "رحيم" بإندهاش ممتعض من جرئتها الزائدة ، أتطلب منه الصعود للأعلى نحو غرف النوم ، يا لها من فتاة غريبة !!! إنها تدفع الجميع لسوء الظن بها ...
لحق بها ليرى نهاية هذا الأمر فيجب أن تكون هي من تخشى قدومه وليس العكس ، دلفت للغرفة الكبيرة ليتبعها "رحيم" ببعض النفور لكن حين دلف من خلفها وجد غرفة واسعة بنهايتها يجلس رجل مسن مقعد على أحد المقاعد المتحركة قرابة الشرفة ...
لقد أساء بها الظن ، فقد كانت ترشده لـ"أيوب" ، لكنها لم توضح له الأمر لتترك الأفكار تعبث بخياله زادها وساوس الشيطان ...
حرك "أيوب" المقعد تجاه "رحيم" يناظر وجهه الغريب فهو لم يراه من قبل ، لتوضح "شجن" الأمر لـ"أيوب" ...
- ده "رحيم" يا عم "أيوب" ، مش عارفه مين قاله إننا محتاجين سواق !!!!!
قلب "رحيم" نظراته بين "شجن" و"أيوب" محاولًا فهم تلك العلاقة بينهما فهي تناديه (عم) ، أهي إبنة أحد أقربائه ؟؟! أم أنها فتاة غريبة تتلفظ بها لكبره بالسن ...
تفحص "أيوب" هذا الشاب فبرغم أنه لم يلتقيه من قبل إلا أن به شيء مألوف للغاية ...
- أهلًا يا إبني ، إنت من هنا ، أصل شكلك مش غريب عليا ، زي ما أكون أعرفك ؟!!
إتسعت إبتسامته لتتجلى وسامته بهدوء طبعه وتظهر أسنانه البيضاء لتكسبه طلة محببة للنفس تخترق القلوب ، أجاب "رحيم" دون تباطئ ...
- لا يا حاج ، أنا مش من هنا ، ده أنا غريب وبدور على شغل ، لما وصلت هنا حد من البلد قالي إنك كنت بتسأل على سواق ...
تفهم "أيوب" الأمر متسائلًا بفضول ...
- إنت أصلًا سواق ، متأخذنيش يا إبني ، أصل شكلك كدة متعلم ؟؟!
أجابه "رحيم" بقلة حيلة ...
- وهو فيه شغل يا حاج ، أنا معايا ليسانس حقوق بس ملقتش شغل ، فكنت بدور على أى شغلانة كويسة وخلاص ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
سأله "أيوب" مرة أخرى ليزداد إطمئنانًا له ...
- إنت منين طيب ؟!!
إجابة تلقائية بإبتسامة بشوشة حين أردف ..
- أنا من البحيرة يا حاج وبقالي فترة بدور على شغل ، كنت عارف إن فيه هنا مزارع فقلت آجي أشوف رزقي ..
شعر "أيوب" بالألفة لهذا الشاب ليومئ بالإيجاب ليوجه حديثه لـ"شجن" ...
- شوفتي بقى ، أهو حييجي كمان واحد يونسنا أهو ، خلي "محمد" يشوف له الأوضة إللي في الجنينة يسكن فيها ويسلمه مفاتيح العربية ...
أجابته "شجن" بتفهم ...
- ماشي يا عم "أيوب" ( إلتفت نحو "رحيم" قائله ) ، إتفضل معايا يا "رحيم" أوريك الأوضة إللي تحت ...
أوقفهما "أيوب" قبل مغادرتهم بطلبه الإستلقاء قليلًا ...
- طيب قبل ما تمشوا عاوز أنام ، حاسس إني تعبان شوية ..
تمعنت به "شجن" للحظات قائله بفراستها ...
- مخبي إيه تاني يا راجل يا عجوز ، إنت فيه حاجة بتوجعك صح ؟!!!
تغاضى"أيوب" عن آلامه مردفًا بمحبة ...
- كل يهون بأمر الله يا بنتي ...
حاولت "شجن" مساعدة "أيوب" ليستند بيده فوق الفراش محاولًا رفع جسده الثقيل عن المقعد ليسرع "رحيم" بمساعدتهم بوضعه بالفراش للإسترخاء قليلًا فيما خرجا كلاهما بعد ترك "أيوب" بوضع مريح بعض الشيء ...
هبطت "شجن" الدرج تشير نحو الخارج موضحة ...
- فيه أوضة بحمام في الجنينة تحت بس حلوة جدًا دي حتقعد فيها زي ما عم "أيوب" قال ، ومفاتيح العربية مع "محمد" ...
تسائل "رحيم" بعدم إدراك ..
- مين "محمد" ؟!!
أجابته "شجن" موضحة بصورة مبهمة أكثر ...
- "محمد" إبن "أم محمد" ....
تعالت ضحكات "رحيم" بصورة ساحرة لخفة ظل تلك الفتاة مما جعلها تشاركه الضحك رغم عدم تقصدها لهذا الإيضاح المُبهم ، فهي كانت تجيبه بالفعل لتعيد توضيحها للأمر بصورة أكثر دقة ..
- "أم محمد" دي الست إللي قابلتك من شوية ، بتيجي كل يوم هي وإبنها تنظف البيت وتعمل الأكل وكدة ...
وجد "رحيم" نفسه يسألها مباشرة بما سبب له تلك الظنون ...
- طب وإنتِ !!! مين وبتعملي إيه هنا ؟!!
أدركت "شجن" أنها لم توضح له شيء عن نفسها لتجيبه بعفوية ...
- يا خبر ، هو كل ده وأنا مقولتلكش ، أنا "شجن النجار" ، ممرضة مقيمة هنا مع عم "أيوب" ، لسه جاية هنا طازة من إسبوع بس ، يعني جديدة زيك ...
هنا أدرك "رحيم" سبب وجود "شجن" ليتفهم الأمر لكن يبقى أمر توجسه عن سبب إقامتها بشكل دائم ، أيمكن أن تكون طامعة بمال هذا الرجل ، أومئ رأسه بتفهم دون الإفصاح عما يظنه ليستكمل طريقه برفقتها نحو الخارج لتفقد تلك الغرفة ليتأقلم على وظيفته الجديدة كسائق هنا وتقبله للإقامة بهذه الغرفة لبدأ حياة جديدة برفقة مجموعة من الأغراب يظلهم بيت واحد ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
شركة عسرانكوا للإستيراد والتصدير ...
وجوده بالبيت رغم تلك الضغوط كان سيشكل أمر أكثر إيلامًا ، فـ"خالد" القوى الصامد شعر برجفة من داخله لمجرد ظنه بأن ولده مصاب بهذا المرض اللعين ، فما بال إذا تأكد الأمر ...
وصل "خالد" لمقر الشركة بعد أن دلف "رؤوف" للنوم وبقاء "منار" و"غدير" إلى جواره دون المغادرة ، لكنه لم يستطع البقاء ، ولن يقوى على تحمل هذا الإختبار القاسي على قلبه بالتأكيد ...
جلس بمقعد مكتبه يتلمس ألم إجتاح مقدمة رأسه بضيق شديد يتمنى بداخله لو أن كل ما مروا به ليلة الأمس ما هو إلا حلم سوف يستيقظ منه بالقريب لتعود حياتهم لطبيعتها كما كانت ...
دلف "فوزي" بعد أن طرق الباب بخفة ثم أغلق الباب من خلفه متحدثًا بنبرة ماكرة منخفضة للغاية ...
- باشا ، أخبارنا إيه النهاردة ...؟؟!!!
سؤال إستفز هذا الساكن الصامت لينهره بحدة فهو لا يتحمل سخافته الآن ...
- مش ناقصك يا أستاذ "فوزي" ، أنا تعبان ومش فايق للكلام ...
إمتعض "فوزي" قليلًا ثم ألقى ما بجعبته قبل أن يقطع حديثهما قدوم أحدهم ...
- أنا عارف ومقدر مشغولياتك يا باشا ، بس الأستاذ "حسين" بيأكد على حضرتك إن إحنا تمام ومستنيين زي ما إتفقنا ، إحنا ناس بتوفي بوعودها ، وإنت كمان حتوفي بوعدك ونظبط العقود دي ، تمام يا باشا ...
زفر "خالد" بقوة يريد التخلص من هذا الأفاق ...
- طيب ، طيب ، سيبني لوحدي دلوقتِ ...
حرك "فوزي" رأسه بحنق فمع رضوخه وإتفاقه معهم مازال يتعامل معهم بتعالي وترفع ...
- ماشي يا باشا ، سلام ...
خرج "فوزي" بعجالة كما ولج ليبقى "خالد" متفكرًا بتلك الضغوطات التى تحيط به من كل جانب ....
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
مبني المخابرات العامة (الجهاز) ...
بعد إجتماع مطول بين "نظمي" و "معتصم" و "عمر" قرر "نظمي" حضور بقية المجموعة التى إختصت بالعمل تحت قيادة "معتصم" لبحث أسباب الخلل التى أدت لإصابة "معتصم" و "حليم" ....
حضر جميع أفراد المجموعة بإستثناء "حليم" الذى مازالت إصابته تمنعه من مواصلة العمل لكنه كان محظوظًا ببقائه على قيد الحياة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
جلس "معتصم" بغرور طبعه يسترق بعض النظرات خلسة نحو "عهد" التى دلفت للتو دون أن تنتبه لتلك النظرات ، أخذ يعبث بشفتيه بإبهامه كنمر شرس ينتظر لحظة إنقضاضه على فريسته ...
جلس جميع أفراد المجموعة حول طاولة الإجتماعات البيضاوية يترأس جلستهم السيد "نظمي" يتوسط كلا من "معتصم" من اليمين و "عمر" إلى اليسار ...
تلك المرة ترك "عمر" مجال الحديث لقائدهم القوى "معتصم" والذى إنتظر بموضعه حتى جلس الجميع لينهض ببطء ليزيد طوله إستقامة وقد عُقدت ملامحه بجمود وحلت تلك النظرة التى تعرفها "عهد" جيدًا ، إنها نظرته الثاقبة التى أطاحت بثباتها وقلبها بسويسرا ، نظرة تحمل القوة والشراسة والغموض معًا ...
إجتاحها نفس الإحساس عندما رأته لأول مرة لتزيغ عينيها عن حادتيه متهربة من النظر المباشر نحوه ، فرصة ليستغلها هذا القناص ليتطلع نحوها من آن لآخر دون أن تنتبه له فقد أخذت تنظر بعدة إتجاهات إلا صوبه ...
بدأ "معتصم" حديثه بجدية وحدة فما حدث لا يمكن التهاون به ...
- ممكن أعرف رأيكم في إللي حصل في إسكندرية ؟!!!!
همهمات بين الجميع ليدلي كل منهم بتبرير يبرئ ساحته بأن لابد والخطأ غير مقصود أو ربما تم كشف غطائهم دون إدراك ، تبريرات عدة تفوهوا بها بينما إلتزمت "عهد" الصمت تشعر بالسخرية من مبرراتهم الطفولية والتى ليس هذا مكانها ...
تفاجئوا جميعًا برد فعل عنيف من "معتصم" حين ضرب الطاولة بكفيه بغضب ليستند بهما ناظرًا بشراسة يوزع نظراته بين الجميع قائلًا ...
- ده كلام عيال في مدرسة ، مش شغل ظباط ، أرواح الناس متعلقين في رقبتنا وإنتوا جايين تستهتروا ، يعني إيه التشكيل ده يعرف معاد وصولنا إسكندرية ويجهز لنا كمين ، كان ممكن كلنا نروح فيها ، ده غير إننا إنكشفنا ولازم نغير طريقتنا ، إحمدوا ربنا إننا قدرنا ننقذ اللاجئ ده وإلا كان حيبقى الحساب أصعب من كدة ...
إستقام بجمود ليستكمل توبيخه لهؤلاء الصامتين اللذين يزدردون لعابهم بصعوبة ...
- عايز من كل واحد فيكم تقرير مفصل عن شغله في المهمة دي ، وملاحظات عن كل فرد فيها ...
عقب "عبد الرحمن" بتوجس ...
- هو حد فينا قصر يا قائد ، ده كله صدفة أكيد ...
مال "معتصم" بإندهاش ليردف بحدة ...
- نعم !!!! صدفة !!! إحنا في شغلتنا دي مينفعش نسيب حاجة للصدفة ، أنا متأكد إن فيه خاين ما بينا ، سواء مجموعة الرائد "عمر" أو المجموعة إللي كانت معايا ، وفي الحالتين أنا بقولكم أهو أنا حعرفه ، وبطريقتي ...
أومأ "عبد الرحمن" بتخوف من حدة "معتصم" فربما يطاله عقاب لا يستحقه بسبب أفعال خائن مندس بينهم ...
كان طريقة "معتصم" لإرهابهم هي طريقة متفق عليها بين ثلاثتهم قبل طلب حضور بقية المجموعة فقد توصلوا بالفعل للخائن العميل الذى سرب تلك المعلومات ، إرهابه بهذا الشكل لجعله يتخبط ويظهر ما قام به بخلاف موعد وصولهم ...
أشار لهم "معتصم" بالإنصراف لنهاية الإجتماع لكن روح القناص تملكته لينهي ظنونها والتحدث معها الآن ...
بدأت المجموعة يغادرون المكتب حين هتف "معتصم" بإسمها ليمنعها من المغادرة ...
- إستني يا "عهد" ....
كما لو ضغط بزر ليتضارب دقات قلبها إثر سماعها لإسمها بصوته الشجي ، أغمضت عيناها لوهلة تلوم نفسها الضعيفة التى تتمرد على إرادتها ، تصنعت عدم سماعه لتهم بالمغادرة سريعًا ، هذا الأمر الذى زاده إستفزازًا فشرسته لا تروض بيسر مطلقًا ...
خرجت من المكتب دون الإلتفات خلفها بينما لم يبالي "معتصم" بكل المحيطين فلن يتركها مهما حدث ...
إقتحم الجموع للوصول إليها بينما كانت خطواتها المتسارعة لا تضاهي سرعة نفاذه بينهم فهو النمر المهاجم الذى لا يخسر معركة يود الظفر فيها ...
تفاجئت "عهد" به يلحق بها حتى أوقفها عنوة قائلًا بقلة صبر ...
- مش أنا بنادي عليكِ ...
توقفت "عهد" مرغمة متهربة بوقاحة ...
- وإيه يعني ، إللي عندك قلته وخلاص ...
زمجر بقوة ليدفعها من مرفقها نحو خارج المبني ...
- إتفضلي قدامي ، عايزك ضروري ...
أزاحت يده محذرة إياه ترفض الإجبار من أى نوع ...
- لو سمحت ، إلتزم حدودك ...
وقف "معتصم" بمواجهتها كندٍ عنيد ...
- أيوة بالضبط ، هو ده إللي عاوز أعرفه ، إيه حدودي يا "عهد" ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
كظمت إنفعالها بينما كان كلاهما موضع مراقبة من الجميع ليهمس أحدهم بخفوت ...
- هما مالهم كدة ، هو فيه بينهم حاجة ..؟!
ليهمس آخر بإستحسان للأمر ...
- مش عارف ، بس تصدق لايقين على بعض ...
تطلع "طه" نحو زملائه يرمقهم شزرًا ليهتف بهم بإنفعال ..
- يلا يا أخويا إنت وهو على مكاتبكم ...
ليتحرك الجميع نحو عمله بينما تظاهر باللامبالاة بينما كانت تنهشه الغيره لرؤية "عهد" مع "معتصم" ...
أشار "معتصم" نحو الخارج بدعوة دون إجبار رغم أن نبرته كانت آمرة إلى حد بعيد ....
- أرجوكِ تعالي معايا عاوزك ...
نفرت بوجهها لتتقدم نحو الخارج وهو يتحرك معها جنبًا إلى جنب في تعادل قوى كقائدان بأحد المعارك وليس لعاشقان يتهربان من حديث قلبيهما ....
ويبقى للأحداث بقية ،،،
✨ فضلًا إذا أعجبتكم الرواية شاركوا الفصل بصفحاتكم منعًا لسرقة مجهودي و توثيق حقي بها ولا تنسوا لايك و كومنت كتقدير منكم لمجهودي بكتابة الرواية ✨
رشا روميه قوت القلوب
•تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2" اضغط على اسم الرواية