Ads by Google X

رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2 الفصل الرابع 4 - بقلم قوت القلوب

الصفحة الرئيسية
الحجم

 رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2 الفصل الرابع 4 - بقلم قوت القلوب  

الفصل الرابع « أذن عمياء ...»

هكذا توجب علينا الإستمرار ، أن نسمع كما لو كنا أصماء ، علينا ألا نلتفت إلى الوراء ألا ننصت لأحاديث تثبط عزيمتنا وتحط من قدرنا ، فبعض الكلمات تخترق القلوب قبل الآذان لهذا توجب علينا أن نستمع بأذن عمياء ....

❈-❈-❈ــ

قسم الشرطة ...
تفيض المشاعر ممن حُرم منها حتى تغدقه بفيضها بعد جفاف دام لليالي طويلة مظلمة للغاية ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
تشبثت "زكيه" بإبنتها تضمها لصدرها بقوة ترتوي تعطشها للقائها منذ ثمانية أيام ، شهقات مختلفة لا يُدرك من منهما صاحبتها لكن الوقت قد طال ولم يتحدثوا بكلمة واحدة ، فقط إرتمت "نغم" بأحضان والدتها وإنهمرتا بالبكاء ...

ضغط "مأمون" برفق فوق مرفق "نغم" هامسًا ...
- كفاية بقى المحامي عايز يسأل مرات عمي شوية أسئلة ...

جفف "نغم" دموعها مبتعدة عن والدتها لتترك المجال للمحامي بالإستفسار عن بعض النقاط قبل أن يتحدث مع وكيل النائب العام ...

بدأ المحامي يتحدث مع "زكيه" التى ظنت أنها تتوهم وستفيق ببيتها وبين بناتها ، لكن يبدو أن الأمر واقع مرير وليس وهم وخيال على الإطلاق ...

لقد أُتهمت بقتل تلك السيدة الطيبة و وُجِدت ببيتها الذى سُرقت منه مصوغاتها وأموالها ، فقرها وحالتها المادية المتعثرة جعل الإتهام يقرُب للظن بنفوس الكثيرين أنها من قامت بهذا الفعل الشنيع خاصة وقد كانت ببيتها بوقت لا يتناسب مع موعد زيارة أحدهم فقد كانت تطرق بابها بالصباح الباكر ، ما أكد لهم الأمر هو وجود مبلغ مالي بحوزتها فظن بها الجميع أنه من المسروقات وإلا من أين أتت بهذا المال ...!!!

تطلعت "زكيه" بثلاثتهم بعد أن إنتهي المحامي من سؤالها لتردف بإمتنان تجاه "فخري" و "مأمون" ...
- كتر خيركم ، ده كفاية إنكم واخدين بالكم من "نغم" ...

مال "فخري" بوجه مقتضب معاتبًا "زكيه" ...
- وده إسمه كلام يا "أم شجن" ، ده إحنا أهل ، متقلقيش على "نغم" دي في عنينا ، وإن شاء الله وكيل النيابة يسمح لك بالخروج بكفالة النهاردة ...

رفعت عيناها للأعلى بتمني ..
- يا رب ، أنا مش قادرة على الحبسة دي ، والله ما جيت ناحية "خيرية" ولا سرقت منها حاجة وربنا العالم ...

عقب "فخري" مؤكدًا ذلك ...
- طبعًا يا "زكيه" ، هو إحنا لسه حنعرفك ، أصبري بس وربنا حيفرجها من عنده ..

هزت رأسها بيأس لكنها تتأمل بالحل من الله فقط لتردف بيقين رغم ضيقها ...
- ونعم بالله ، هو القادر إنه يخرجني من المصيبة دي ...

تطلع "مأمون" تجاه غرفة النائب العام ليردف بتنبيه لهم ...
- وكيل النيابة وصل ، يلا يا مرات عمي ، متقلقيش ، الأستاذ "عبد الصمد" المحامي راجل عُقر ، حيخلصها بإذن الله ...

ترقبوا جميعًا موعد إستكمال التحقيق معها فربما يسمح لها اليوم بالعودة لبيتها لحين تحديد موعد للمحاكمة ، لم يكتفي "فخري" بطمأنة إبنه لها ليدنو منها قبل أن يتم عرضها على وكيل النائب العام قائلًا بخفوت مساندًا تلك السيدة التى إمتلكت قلبه منذ زمن بعيد ...
- متقلقيش يا "زكيه" أنا حفضل جنبك لحد ما تطلعي من هنا بالسلامة ، ومش حسيبك لوحدك أبدًا ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

شعور طالما إحتاجته وتمنت أن ترزق بهذا الإحساس - السند - ، لقد أمضت عمرًا كاملًا هي الأب والأم معًا ، عليها الحزم والحنان ، تحملت أعمال قاسية وليالي حزينة قَصُرَت بها يدها عن بناتها ، تمنت لو كان هناك من ترمي عليه حمولها لكنها صبرت وتحملت ...

ترقرت الدموع تأثرًا بعينيها لتردف بإمتنان ...
- كتر خيرك يا سي "فخري" ، ده العشم برضه ...

لم يكن يفعل ذلك لمجرد مساعدة أرملة أخيه ، بل كان لمحبةٍ كُتب عليها التواري بداخل قلبه مجبرًا ، لكن الآن لم يعد هناك ما يمنع ظهورها والتعبير عنها ..
- لا مش عشم ، ده واجب عليا ، إنتِ غالية علينا أوي يا "زكيه" ...

طالت نظرتها نحوه دون فهم مقصده لكنها إنتفضت حين سمعت صوت الشرطي قائلًا ...
- البيه وكيل النيابة عايزِك جوه ...

رافق المحامي دخول "زكيه" ليبدأ وكيل النيابة إستجوابها ...

بعد مرور بعض الوقت خرجت "زكيه" بوجه محتقن بينما كان المحامي متحليًا بجدية ليتحدث نيابة عنها موضحًا الأمر ...
- للأسف ، الست "زكيه" جددوا لها الحبس الإحتياطي على ذمة التحقيق ، وكيل النيابة رفض الكفالة ...

أسرعت "نغم" نحو والدتها دون تحمل لغيابها لأكثر من ذلك فقد تأملت بأن اليوم ستعود لبيتها وتؤنس وحشتها ..
- لا يا ماما ، لأ ، إزاي مرضيش ، طب أدخل أكلمه ، والله ماما بريئة ، معملتش حاجة ، معملتش حاجة ...

حاوطتها "زكيه" بإشفاق على حالها خاصة حين أخذ الشرطي يزج بها نحو غرفة الإحتجاز ...
- يلا يا ست بلاش لكاعة ...

إضطرت "زكيه" لمرافقته وهي ترتجف بتخوف لتحدث إبنتها وقد تستدير برأسها للخلف ...
- حاولي تتصلي بـ"شجن" ، يمكن ترد عليكِ ، خدي بالك من نفسك ، متنسيش "شجن" يا "نغم" ، دوري على أختك وقوليلها ..

أسرع "مأمون" نحو "زكيه" منتهزًا تلك الفرصة قبل أن يزج بها مرة أخرى لغرفة الإحتجاز ...
- إستنى يا شاويش ، لحظة بس ...

قالها وهو يدفع بمبلغ مالي يُقحمه بجيب سترته ليتوقف إثرها الشرطي يسمح لهما بالحديث ، ليستطرد "مأمون" ...
- مرات عمي ، بقولك إيه ، بيني وبينك إحنا لحد دلوقتِ مش عارفين إيه إللي حيحصل ، والحكم حيبقى إيه وإمتي ، هو يعني إن شاء الله خير ، بس محدش عارف حاجة ...

بصدر ناهج تساءلت "زكيه" بدون فهم ..
- قصدك إيه ؟!!

زاغت عيناه تجاه "نغم" ليعيد بصره نحو "زكيه" موضحًا ...
- "نغم" يا مرات عمي ، مينفعش تقعد لوحدها ، وإحنا أجلنا الدخلة لحد ما نشوف موضوع حبسك ده ، أنا بقول لو الأسبوع الجاي نتمم الجواز عشان تبقى معايا وتحت عيني بدل ما هي قاعدة لوحدها كدة ...!!!

نظرت "زكيه" نحو إبنتها الباكية بحيرةٍ ، فهي لم تكن تتمنى مطلقًا أن تتزوج بهذا الشكل التعيس لتتحسر على حالها ، لكن فكرة "مأمون" هي الأوقع والأفضل لها فضلًا عن بقائها وحيدة دونهما ...
- الأمر لله ، خد بالك منها يا "مأمون" ، "نغم" دلوقتِ ملهاش غيرك ...

إبتهج "مأمون" على غير طبعه الغامض المتجهم ...
- في عنيا يا مرات عمي ، متقلقيش عليها خالص ...

ردد الشرطي بخشونة ..
- خلصتوا ، يلا يا ست متجبيلناش الكلام ...

تحركت "زكيه" مرغمة لتغيب عن عيونهم فيما أخذ "فخري" يوصي الشرطي على أن ينتبه لها ...

رافق "مأمون" تلك التعيسة قائلًا بإبتهاج وحنو ..
- كلها أسبوع بالكتير ونتجوز ، وتبقى في بيتي يا "نغم" ، ما أنا مكنش ينفع أفضل قلقان عليكِ وتفضلي في مكان وأنا في مكان ...

فرحة منقوصة لم تسعد لها "نغم" كما كانت تتخيل لتجيبه بإنكسار ...
- إللي تشوفوه ...

لحق بهم "فخري" ليصطحبهم لخارج قسم الشرطة مشفقًا على حال "زكيه" وإبنتها أيضًا ، لكن عليه بالفعل إتمام زيجتهم والإطمئنان على "نغم" بتلك الظروف العصيبة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈ـ

حي النعماني (مكتبة بحر) ...
سأظل أحارب حتى لو لم تدرك مدى بسالتي ، لن أستسلم حتى لو رفضت قلبي ، لن أقبل بهزيمة بمعركة لا تدري عنها شيئًا ، وإن هزمت بها فمازالت الحرب دائرة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وقف "بحر" يترقب هذا القادم بنفس متتوقة لإيجاد حل ، رغم أن طبعه يتحلي بالهدوء وعدم فرض نفسه مهما كلفه الأمر ، إلا أن "نغم" تستحق التغيير وتستحق المجازفة بما يقدر عليه وما لا يقدر أيضًا ...

وصل للمكتبة أحد الشباب غريبي الهيئة ، فلا قاسم مشترك بينه وبين هيئة "بحر" على الإطلاق صافح الشاب "بحر" بقوة قائلًا بلسان ثقيل كالسكارى ...
- إزيك يا صاحبي ...؟!!

تنحى "بحر" ليفسح المجال له للولوج لداخل المكتبة ..
- أهلاً يا "شوقي" ، تعالى ...

جلس "شوقي" دون دعوة يتفحص أركان المكتبة معجبًا بها ليردف بلكنة عجيبة كما لو أنه مغيب الوعي   ...
- حلوة مكتبتك ، ده إنت غيرت المكان خالص يا صاحبي ...

أومأ "بحر" بخفة لينتهي من مقدمته التى لا داعي لها ..
- أه أه ، المهم ، لقيت حل ؟!!

إعتدل "شوقي" بجلسته ليرفع ساقه فوق الأخرى بعنجهية وطمع ...
- أيوة يا صاحبي ، بس اااا، الحوار ده حيكلفك شوية ...

لاح بريق أمل بنفس "بحر" ليردف على عجالة متحمسًا بقوة ..
- أى حاجة ، بس قولي حتعمل معاه إيه ؟!!

بالتحقير من قدر "مأمون" أجابه "شوقي" بغرور ...
- ولا يساوي حاجة ، متشلش همه ، ده أنا بعون الله أطربقهاله على دماغه ...

زفر "بحر" بتردد بينما عقب بتحذير ...
- بقولك إيه ، أنا مش عاوز وش ، الموضوع ده يتم بعيد عني ، المهم تبعدوه عن طريقنا نهائي ..

- ولا يكون عندك فِكر ، أنا حعرف لك كل كبيرة وصغيرة وأخرته على إيدي ...

رغم توجسه من هذا الرجل لعدم وثوقه به ، فلا يعرِفه حق المعرفة فقد بحث كثيرًا عمن يراقب "مأمون" ليبحث عن ثغراته للتخلص منه وقد رشح له أحد معارفه "شوقي" الذى أثني على قدرته بالتخلص من أى عقبه بسهولة وبدون المساس بمن يستأجرة ...
- طيب يا "شوقي" ، المهم "مأمون" مسمعش عنه تاني ، فاهمني ...

- عيب عليك يا رجوله ، خلصانه ...

وضع "بحر" بعض لفافات المال بأحد المغلفات ليعطيها لـ"شوقي" الذى نظر نحو المغلف بإستهزاء قائلًا ...
- برضه ولاد الناس بيبانوا ، حاجة برفكتو بصحيح ...

حمل "شوقي" المغلف مغادرًا المكتبة بينما تبعته أعين "بحر" متمنيًا إتمام الأمر هذه المرة وأن يكون حظ خطته أفضل من سابقتها التى كشفها "مأمون" بسهولة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈ـ

لقاء عاصف كتلك الصخور التى توقف عندها "معتصم" بسيارته يطالب تلك المتوحشة بالترجل ...
- إنزلي ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
نيران ثائرة بنفسها لم تعد تقدر على إخمادها ، إنها قوية وستظل قوية ، هتفت به بإنفعال وهي تناظر هذا المكان الخاوي تمامًا...
- أنزل فين ، إنت فاكر نفسك مين عشان تتعامل معايا بالصورة دي وبالتحكم ده كل شوية ...؟!!!!

إحتدت عيناه ببريق هادر أرجفها وشعرت بإهتزاز ينبع من داخلها لحظة سماعه ليكون له الغلبة والقوة وأيضًا الشراسة ...
- بقولك إنزلي ، مش كل حاجة لازم تتم على مزاجك ...

لملمت نفسها لتترجل بشموخ رغم لحظة تخوفها الماضية ، وقفت فوق تلك الأرضية الصلبة من الصخور لتناظر هذا المكان الغريب الذى لا يتواجد به سواهما ...

إلتفت "عهد" حول مقدمة السيارة لتقف عاقدة ذراعيها بقوة ليتلقاها "معتصم" بنفس الهيئة بالمقابل ...

زوجان من النمور الشرسة يطلقان شررًا من أعينهما ، ليست تلك بنظرات محبة مطلقًا ، بل حرب دائرة لينتصر بها الأقوى ...

إنتظرت "عهد" لوهلة أن يبدأ "معتصم" حديثه ليخبرها لما أتى بها إلى هنا ، إنتظار لم يدوم طويلًا ليبدأ "معتصم" عتابها لكن بشراسته التى تستحقها فإلى متى سيتيهون بتلك المتاهة بسبب تقلب مزاجها ونفسها ...
- وأخرتها معاكِ ، لحد إمتى حنفضل كدة مع بعض ، نضرب ونجري ، مالك يا "عهد" ، لما كنا في إسكندرية قلت لك على إللي جوايا ، وبالعافية نطقتيها وفي ثانية رجعتي فيها  ...

زاغت عيناها بسوداوتيه لتهاجمه بشراسة ...
- وأنا قلت لك إنه مينفعش ، أنا مش عايزة أكون ضعيفة ، قبل ما أدور على الحب محتاجة سند وأمان ومشاركة ...

لوح بكفيه بعدم تحمل لتراجعها عما إتفقا عليه ...
- وقلت لك إدينا فرصة ، فرصة تشوفي من قريب يمكن تلاقي فيا الصفات دي ، إيه إللي جرى ، كل ده عشان جيت لك البيت إمبارح !!!!!

تذكرت أمر والدها وأنه لابد وقد شك به وأنه غريب المظهر يسيء لها أكثر مما يعلي من شأنها ...
- أنا وهو ااااا ....

قاطعها "معتصم" على الفور ينفي عن نفسه أي إتهام مما ستلقيه عليه ، فقد ظن أنها غاضبة من مجيئه وظنه بوالدها ورؤيتها معه دون فهم الصلة بينهم ...
- أنا مكنتش أعرف إنه والدك ، أنا مكنش قصدي أظن كدة ، الظروف والرسالة هــ ..

لم تعطه "عهد" الفرصة لإستكمال الأمر لتقاطعه هي تلك المرة وقد تهدج صدرها بإنفعال كما لو أن والدها تُهمة بحد ذاتها تود إقصائها عن نفسها ...
- متقوليش والدك !!! أنا معرفوش ، أنا مش عايزة أفتكر إن ليا أب عايش على وش الدنيا ، أنا مش عارفه إيه إللي فكره بيا ، بعد كل إللي عمله معايا أنا وأمي وأختي ، بعد ما رمانا في الشارع سنين ، راجع دلوقتِ يطلب إنه يكون أب لينا !!!!!  أنا ماليش أب ، وعمري ما حكون زي أمي ولا أختي ، أنا لا يمكن أكون ضعيفة وحد يأذيني ، أنا مش عايزة حياة غير حياتي ، أنا قوية من غير أي حد ...

إرتجاف جسدها وإنفعالها الحانق أوضح لـ"معتصم" سبب خشونتها وشراستها ، تشبثها بكونها قوية ورفضها للخضوع واللين ظنًا منها أنها تحمي نفسها من هذا الخزلان والأذى الذى سببه له والدها ، بتلك اللحظة فقط أطاحت بقوته وغضبه ، لقد تفهم بفراسته مدى ضعفها وإحتياجها لقلب حنون والشعور بالأمان ، لقد صدقت بما طلبته ، إنها لا تريد عشق فقط لكنها بإحتياج لما هو أكبر من ذلك ، إحتياج لما فقدته بغياب والدها ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

هدأت نفس "معتصم" ليتحول لشخص آخر لم يظهر من قبل ، شخص أخرجته هي فقط من داخله ، شخص متفهم حنون ، أهدئ من نبرة صوته المنفعلة ليردف بهدوء شديد ليظهر لأول مرة مدى عشقة لتلك المتوحشة ...
- ممكن تهدي ، لو سمحتي ...

نبرته الهادئة جعلتها تتمالك إنفعالها قليلًا لتردف بنبرة مختنقة تعبر عن إحساسها بالإنكسار الذى لم تكن تدرك أنه بداخلها ...
- أنا بجد نفسي أعيش ، نفسي مكونش قاسية كدة ، ولا عصبية كدة ، نفسي بجد أحب وأتحب ، لكن ، لكن .... (صمتت قليلًا تستجمع شتات نفسها لتستطرد بنبرة مهتزة ) ، لكن أنا بخاف ، بخاف يا "معتصم" ، بخاف أكون صورة تانية من كل ستات عيلتنا ، أنا عملت نفسي كدة بالعافية ، معنديش إستعداد أخسر نفسي وأضعف ، أنا مش عايزة أعيش ضعيفة ، ومقدرش أعيد مأساة أمي مع أبويا ، وأستحمل حياة كلها إهانة وخوف أنا قادرة أحمي نفسي ، مش مستنية حد يحميني ...

تقدم نحوها "معتصم" ببطء يحدثها بنبرة تذوب عشقًا بها ...
- أنا مش أي حد يا "عهد" ، طب جربي ترمي حمولك عليا ، جربي وشوفي إنك محتاجة لي ومحتاجة وجودي ، جربي شاركيني ...

نظرت نحوه "عهد" مطولًا بتخوف من المجهول إن إنصاعت له لتجيبه بشك ...
- إنت نفسك مش متأكد إنك بتحبني على فكرة ، أنا مجرد بنت مختلفة شدت إنتباهك ، أنا مجرد حالة غريبة عمرها ما عدت عليك ، أنا متأكدة لو إتحطيت في إختيار بيني وبين أى حاجة تانية ، حتختار أى حاجة غيري ...

حرك رأسه نافيًا وهو يتطلع بعسليتيها الناعستين المتوهجة بإحتقان ...
- بيتهيألك ، أنا عارف ومتأكد من مشاعري ناحيتك ، أنا مش متردد ولا موهوم ، ولا إنتِ بالنسبة لي مجرد حالة شدت إنتباهي ، "عهد" أنا بحبك ، حقيقي بحبك ...

واقع سماعها لكلمة (أحبك) من شفتيه لـ لها وقع يُطرب قلبها ، يخترق أذنها العمياء عن تلك المشاعر التى تتدفق منه ، تريد إطلاق العنان لنفسها ومشاعرها لكنها على ما يبدو معقدة ، لا تستطيع التجاوب معه بتلك السهولة ...

طأطأت رأسها قليلًا تتهرب برفض لحبه لكنه أدرك ذلك على الفور ليطيح بثباتها بصوته الشجي فوجودها بحياته كانت لأجمل صدفة على الإطلاق ولن يضيعها ...
- إوعي ترجعي تاني يا "عهد" ، إوعي تضيعي مننا أجمل إحساس ممكن نحس بيه ، أنا راضي بيكِ زي ما إنتِ ، قاسية وشرسة ومعقدة ، بحب توحشك وعصبيتك ، أنا وإنتِ زي قمر وإنقسم نصين ، مينفعش نص فينا من غير التاني إنتِ نوري وقمري ، بلاش تتمسكِ بفكرة وبس في دماغك ( ثبت سوداوتيه بعينها مستكملًا بعشق أذاب قلبها المنتفض ) ، أنا بحبك ، وعايزك بكل عُقدك ودماغك دي ، حبيني يا "عهد" ، إدي لنفسك وقت وإديني معاكِ فرصة مش يمكن نبقى حظ بعض الحلو ...

ترددت بقبول عشقه الصادق فهناك دائمًا بقلبها شيء لا يحكى ، لم تخرج بعد كل تخوفاتها التى تراكمت لسنوات لتخرج "عهد" الصلبة كالحجر ، لكنها وجدت نفسها تلملم شفتيها بإنصياع خارج عن إرادتها بالصمت ، صمت تقبل دون توغل ، صمت حذر خشية أن تسقط ببئر الهوى ولا تقوى على الهرب ...

إبتسم "معتصم" بهدوء وهو يرى تقبلها تلك المرة بصورة مختلفة فهي بحاجة إليه كما هو بحاجة إليها رغم عنادها لكنها تمردت مرة أخرى قائله ...
- خلاص قلت إللي إنت عاوزه ، ممكن نرجع الجهاز بقى ..

- بس أنا لسه مخلصتش كلامي ...

رفعت رقبتها تتشدق بجمود زائف ...
- بس أنا خلصت ، ويا ريت متضغطش عليا أكتر من كدة ...

ربما طلبت المغادرة لكن بطبعه المتحكم ليس عليه الإنصياع ليبقى يتحدث معها رغم صمتها وتظاهرها بعدم الإهتمام وقت سرقه من الزمن برفقتها لتمر الساعات دون أن يدري كلاهما بأن اليوم قد مر دون الشعور بالزمن ، فهما معًا عكسا مفهوم الفيزياء ليقف الزمن عند لقاء يجمعهما معًا ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈ـ

بعد عدة ساعات حل بها المساء ، و بأحد المقاهي القديمة (مقهى السلطان) ..
جلس ينفث أرجيلته بإستهتار لا يتناسب مع عمره كرجل تخطي الستون ، أشار نحو عامل المقهى ليعلي صوته مناديًا إياه ...
- يا "حُمص" ، زود لي المعسل ده ...

أقبل فتى لا يتجاوز السادسة عشر ليزيد من وضع المعسل بأرجيلته بينما إخترق مسامعه صوت حاد من خلفه يزج به بعيدًا عنه ...
- وسع كدة ، إمشي من هنا ...

تطلع الفتى بإمتعاض تجاه هذا الرجل ليدخل إلى المقهى يستكمل عمله بينما وضع "مسعود" مبسم أرجيلته فوق الطاولة مرحبًا بأعين ماكرة ...
- أهلًا يا "طه" باشا ، منور القهوة ...

جلس "طه" يتلفت حوله بإشمئزاز قبل أن يزجر "مسعود" بحدة ...
- إيه المكان البيئة ده ، ملقتش إلا هنا !!!!

أجابه "مسعود" بدون إكتراث لضيقه وهو يرفع مبسم الأرجيلة لفمه ...
- والله المكان هنا عزيز على قلبي أوى ، وبعدين إنت عاوز مني إيه تاني ، ما قلت لك إللي فيها يا باشا ...

ضرب "طه" الطاولة بكفه بغضب ليتدارك نفسه حين حملق به رواد المقهى بإستنكار ليتفوه من بين أسنانه ...
- وهو ده إللي إتفقنا عليه ، مش قلت لك لازم تسيطر عليها ، هو إنت مش أبوها ولا إيه ؟!!!

رفع "مسعود" أنفه بإستهتار كما لو كان يظن نفسه مازال شابًا لا يبالي ليردف بتملل ..
- أبوها بقى ، مش أبوها ، أهو كدة وخلاص ، أنا ما صدقت نسيتها هي وأمها ، ولولا إنك كلمتني لا كنت جيت ولا شوفت وشها ، دي بت مسترجلة ...!!!

تذكر "طه" ما قام به من بحث عن أى وسيلة تصلح للضغط على "عهد" ، لم يجد سوى والدها ، فعندما بحث وجد أنه مازال على قيد الحياة وقد تخلى عن "عهد" وأمها وأختها منذ زمن بعيد ، كانت فكرته أن يعيده إليها ليصبح متحكمًا بها ويجبرها على ترك "معتصم" وإجبارها على الزواج منه ، فهو بدونها لا يمكنه الحياة ...

إقناع "مسعود" لم يكن سهلًا مطلقًا بل كان عليه أن يُطمعه بالمال لإشباع جشعه لكن يبدو أن ذلك أيضًا لم يجدي نفعًا ، فـ"عهد" رفضته تمامًا بحياتها ، بل وطردته أيضًا من بيتها ...

زفر "طه" بغيظ من هذا المتصابي ليزجره بقوة ..
- إنت إيه يا راجل إنت ، إيه البرود ده ؟!! ده المفروض إنت إللي تحس على دمك وقلبك يحن على بنتك ، إنت إيه ، جِبِله ...!!!!

إكفهرت ملامح "مسعود" الغاضبة من صراخ "طه" عليه ...
- بقولك إيه يا باشا ، أنا بره الشغلانة دي ، وفلوسك أهي ، مصرفتش منها حاجة ، البت دي أنا ماليش دعوة بيها ، شوفلك حد تاني يعملك إللي إنت عايزة ، أنا ماشي ، ومن غير سلام ...

تركه "مسعود" بإنفعال فما أعطاه له لا يكفي جشعه ، فلا يتطاول عليه ظنًا منه أنه إمتلكه بهذا المبلغ الضئيل ...

وضع "طه" النقود بجيب سترته بوجه مقتضب فيجب أن يبحث عن طريقة أخرى يضغط بها على "عهد" ، فقد إنتظر ما يكفي وعليه التحرك الآن فلن يُبقى آذانه عمياء إلى الأبد ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈ـ

الجبناء من يحاربون من خلف الظهور ، يخفون حقيقتهم بقناع كاذب ، يتصنعون المثالية لكن أخطائهم ستكشف ألاعيبهم  ، فالكلاب ستنبح يومًا بالخطأ ...

فور مغادرة "مسعود" للمقهى يليه رحيل "طه" ، رفع أحدهم هاتفه بحرص شديد لينزوي بعيدًا قبل أن يبدأ حديثه ...
- تمام يا فندم ، "طه" لسه ماشي حالًا ، هو يا فندم ، تمام يا قائد ...

إنتهت تلك المكالمة ليلتفت "معتصم" إلى "عمر" و"نظمي" بإجتماع سري لم يعلم به أحد حتى "عهد" التى تركها منذ قليل قرابة بيتها قبل أن يعود إلى (الجهاز) لبحث أمر الخائن ...

مال "معتصم" بجذعه للخلف بدهاء وهو يخبر "عمر" و"نظمي" لما توصل إليه ...
- "طه" ، هو الخاين إللي بلغ عن معاد وصولنا ، فيه سبب أنا متأكد منه ، و إللي أقدر أقوله لكم إنه سبب شخصي بحت خلى "طه" عاوز يأذيني وفي نفس الوقت يقرب من "عهد" ...

حرك "نظمي" رأسه بدون إدراك لمقصده معترضًا على ظن "معتصم" ...
- لأ طبعًا ، أكيد فيه حاجة غلط ، "طه" ظابط مستقيم ، مش من الناس الخاينة ، حيعمل كدة ليه ، نجاح المهمة دي كان حيبقى نجاح له هو كمان ..!!!

نهض "معتصم" مستندًا بكفيه فوق المكتب بحركته المعتاده حين يتحدث بجدية ...
- إللي قاله "عبد الرحمن" ليا تحديدًا إن بعد ما إتحركنا أنا و"عهد" و "حليم" إنه أقنعه ينام وهو حيمسك المراقبة مكانه ، وبعد حوالي نص ساعة "عبد الرحمن" قلق ونزل يشوف "طه" ملقهوش ، مسك المنظار عشان يتطمن إن الدنيا تمام شاف سكان الفيلا خارجين كلهم زى ما يكونوا عرفوا حاجة خلتهم يسيبوا الفيلا ، رجع مكان نومه وحس بإن "طه" رجع تاني ...

إستقام "معتصم" مستكملًا لتوضيحه ...
- يبقى كدة إيه !!! إن "طه" خرج ودخل من غير ما يحسس "عبد الرحمن" بيه ، حتى لما "عبد الرحمن" عمل نفسه لسه صاحي من النوم وسأله إن كان فيه جديد أو خرج ولا حاجة ، أنكر ده كله ، وده اللي خلاه يشك فيه ...

إغتاظ "نظمي" من هذا الخائن ليهتف بإنفعال ...
- لازم يتقبض عليه فورًا ، ويتحول لمحاكمة عسكرية ...

- بس لازم الأول نعرف هو قال لهم إيه تاني ، ده غير إن عندي معلومات خطيرة عن التشكيل ده وأنا بنفسي إللي حقبض على الناس دي واحد واحد ...

تخوف "عمر" من ثقة "معتصم" الزائدة ..
- خد بالك يا "معتصم" ، الناس دي مش سهلة وعيونهم في كل حته ، بلاش تهور ، إنت مشوفتش عملوا إيه في "سليم" ...

هتف "معتصم" معتدًا بنفسه وبقدراته رغم تحذير "عمر" له ...
- أنا مبيهمنيش ، أنا مبخافش من حد ...

 وقف "نظمي" يحذره بتخوف ...
- "معتصم" لازم تكون حريص على نفسك أكتر من كدة ، بلاش ثقتك الزيادة دي ، دي ناس قلبها ميت ، "سليم" كان زيك كدة وقاوح ومسمعش الكلام ، وأهو راقد في غيبوبة بين الحياة والموت ، ما هو كان شغال مع "عمر" قبلك ، حتى "عمر" نفسه جاله رسايل تهديد ...

شاركهم "عمر" وقفتهم موضحًا ...
- إللي إنت بتقول إنك وصلت له ده حيخليك على وشك تقبض عليهم ، وهم مش بالسهولة دي ، ده ممكن إنت نفسك تكون على قايمة الإغتيالات بتاعتهم ...

لم يبالي "معتصم" بتحذيراتهم بل يراها ضعف وخضوع لتلك العصابة من الخارجين عن القانون ، هو الأقوى بطريق الحق ....
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈ـ

نيره إستور لمستحضرات التجميل ....
هناك فئة يجب أن تغلق لهم كل الأبواب ، أن تقطع لهم كل السبل ، أن يختفوا من حياتنا تمامًا ، إنهم المنافقون متصنعون الود ...

جلسة ظنتها "نيره" حميمية بين الأصدقاء حين إستقبلتها "إسراء" بتأثر بالغ لإفساد ليلة عقد قرآنها بهذه الصورة ، حتى أنها أظهرت حزن عميق حين علمت بشكوك الطبيب بمرض "رؤوف" ...

تنهدت "نيره" بتحير تنتظر أن تغدق عليها "إسراء" بأفضل تصرف في الوقت الحالي ...
- روحت أنا وبابا وماما ، ماما قالت لي إن كويس أوي إن كتب الكتاب متمش ...

رفعت "إسراء" حاجبيها بإعجاب لتعقب على الفور دون تفكير ...
- مامتك دي أستاذة ، صح جدًا على فكرة  ...

نظرت نحوها "نيره" بتردد ...
- تفتكري ؟!!  

أجابتها"إسراء" تؤكد لها ذلك ...
- طبعًاااا ، طب فكري معايا كدة ، إن "رؤوف" طلع عنده كانسر ، حتبقى حياتك كلها هم وغم ، حتبقي مجرد ممرضه ، ده لو عاش يعني ، أنا أسمع إن كل إللي بيجيله المرض ده بيموت ...

إتسعت عينا"نيره" بإندهاش ...
- معقول ، لأ طبعًا ، فيه ناس بتتعالج يا "سوسو" ...

زفرت "إسراء" تعجبًا من تلك الفتاة قليلة الإدراك ...
- وإفرضي ، يبقى تعيشي سنين سواد كلها من المستشفى دي للمستشفى دي ، ليه يعني ، إيه إللي يجبرك على كدة ...

تهدلت ملامح "نيره" بأسى ...
- "رؤوف" صعبان عليا ...

ضحكت "إسراء" بقوة تحاول أن تنبه تلك الغافلة لنفسها ...
- وإنتِ مش صعبانة على نفسك ، عمومًا يا ستي لما يبقى كويس إرجعوا لبعض ، لكن معلش يعني لو وافق إنه يكمل معاكِ بحالته دي يبقى أناني أوي ومش بيحبك ، هو بس عايزك جنبه تاخدي بالك منه وتخدميه ، لكن أصلًا لو بيحبك هو إللي المفروض يقولك إبعدي ...

تفكرت "نيره" بحديث "إسراء" جيدًا فهي محقة بالفعل ، لو أحبها لكان هو من طلب منها ذلك لتردد بتشتت ..
- صح يا "سو" معاكِ حق ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
لتبدأ "إسراء" طريقتها بالضغط على "نيره" للتخلص حالًا من أي إرتباط خوفًا من أنها تتورط معه بزواج محكوم عليه بالفشل ...

❈-❈-❈ـ

بيت المستشار خالد دويدار ...
كاد اليوم أن ينتهي لكن تلك الساعات التى مرت كانت كسنوات قاسية ، إلتزمت "منار" بيتها اليوم كل ما تفكر به هو ولدها الصغير وما ألم به ، بعد أن إرتاح "رؤوف" لعدة ساعات إستيفظ من بعدها ليتناول بعض الأدوية التى وصفها له الطبيب ليشعر ببعض الراحة ...

خرج لمشاركة والديه لبعض الوقت بدلًا من البقاء بغرفته بمفرده ، رؤيتهم له كانت مبهجة متألمة بمشاعر متناقضة بلحظة واحدة ...

يكفيهم وجوده بينهم وقد رُسمت على شفتيه تلك الإبتسامة المرحة التى تُميزه ، للحظات عصفت أفكار برأس "خالد" تؤنبه للغاية لما كان ينهره طوال الوقت ليحدث نفسه بلوم شديد ...
-( مكنش لازم أقفلها عليه وأسيبه يعيش زي ما هو عايز ، ليه أجبره يكون قوي ومتماسك ، ليه أفرض عليه معاد جوازه بالشكل ده ، لازم يعمل إللي هو عاوزه ، مش عايز أحرمه من حاجة هو نفسه فيها ...) ...

بينما كانت برأس "منار" أفكار مختلفة تمامًا وهي تناظر ولدها الذى يقف قبالها على قدميه بعد سقوطه ليلة الأمس ...
- ( ربنا ما يوجع قلبي فيكِ يا حبيبي ، ده إنت الضحكة الحلوة ، يا رب يطمنا عليك وميكونش فيك حاجة أبدًا ...) ...

تشتتهم بأفكارهم منعتهم من سماع حديثه نحوهم ، كما لو أن آذانهم أصبحت عمياء ، صماء ، ينظرون إليه ولا يرونه أو يسمعونه ، أعاد كلماته بنبرته المازحة مرة أخرى ...
- إيـــــــــــــه ، وحدووه ، مساء الخير عليكم ...

إنتبهوا له لتردف "منار" بإبتسامة زائفة فقد إتفقوا ألا يخبروه شيئًا إلا بعد التأكد من نتيجة العينة ...
- لا إله إلا الله ، مساء الخير يا حبيبي ، تعالى أقعد معانا ...

راقب "خالد" جلوس "رؤوف" بأعين مشفقة محبة دون أن يتفوه بكلمة ، نظرات غريبة إحتلت عيونهم ليبدأ "رؤوف" توزيع نظراته المتوجسة بينهم ..
- مالكم ، بتبصوا لي كدة ليه...؟!!

كما لو أن سؤاله كان تنبيهًا لهما ليتداركا نظراتهم على الفور ليجيبا بنفي ..
- لا ولا حاجة ...

رفع "رؤوف" كتفيه وأهدلهما وهو يقوس شفتيه للأسفل بمعني لا أدري ، صدح رنين هاتفه لينظر لإسم "نيره" الذى يضيء شاشته ليتذكر إعيائه بالأمس وإلغاء عقد القرآن ...

رفع الهاتف لأذنه مجيبًا إياها وهو يتحرك مستأذنًا منهما نحو غرفته ليتحدث معها ببعض الأريحية ...
- عن إذنكم ، ألو ، أيوة يا "نيره" ...

نظرت "نيره" نحو "إسراء" التى تشجعها على إكمال مكالمتها كما إتفقتا لتستطرد بنبرة مختنقة يشوبها تأثر مصطنع ...
- أيوة يا "رؤوف" ، عامل إيه دلوقتِ ؟! 

- الحمد لله ...

لوت فمها قليلًا نحو الجانب لتستكمل بجفاء ..
- بص يا "رؤوف" ، متزعلش مني ، إنت لو مكاني كنت حتعمل كدة ، وإنت لو بتحبني أكيد ده حيكون طلبك قبل مني ...

تسائل "رؤوف" بعدم فهم ...
- طلب إيه و أعمل إيه ؟! إنتِ عايزة تقولي إيه بالضبط يا "نيره" ؟!! 

ألقت بها كطلقات الرصاص على غزال أعزل مباغتة دون مراعاة لشعوره أو تألمه ...
- "رؤوف" إحنا لحد دلوقتِ مفيش إللي يربطنا كزوج وزوجة ، مكتبناش الكتاب عشان أبقى مضطرة أستحمل مرضك وتعبك ، أنا مقدرش أتحمل الحياة القاسية دي ، أنا صغيرة أوي إني أتحمل مسؤولية وعلاج ومستشفيات ، إنت عندك كانسر مش حاجة سهلة ، مش دور برد ويعدي يعني ، أنا ........

حتى هذه اللحظة وأصبحت كل كلماتها مبهمة لم يستطع سماعها أو إدراكها إنها مجرد ضوضاء ، فقد توقف به الزمن عندما ألقت عليه كلمة ( عندك كانسر) ، منذ متى وهو مريض بهذا المرض اللعين  ...

تشوش وتخبط دار بعقله بلحظة واحدة ، لا يصدق ذلك ولا يستطيع إستيعاب هذا الإختبار العظيم الذى وضع به ، نعم يشعر بآلام معدته بأوقات عدة ، لكنه لم يكترث لها ، لم يدرك أنه مصاب بمرض ، أهذا سبب إعيائه بالأمس ؟!! أهذا سبب تجهم والديه بهذه الصورة ؟!! 

إتسعت عيناه مدركًا للأمر ليهمس بصدمة ...
- أنا عندي كانسر ؟؟!!!!!

هنا فقط توقفت "نيره" عن الحديث لتؤكد ذلك بتعجب ...
- أيوة ، إنت متعرفش ولا إيه ؟!!!

سحب الهواء من رئتيه ليشعر بضيق ودوار ليستند بطرف الفراش ليهوى ملقيًا جسده بذهول ...
- أنا !!!!!!!

صمتت "نيره" لبعض الوقت فيبدو أنها تسرعت بإخباره ، فقد ظنت أن والديه أخبراه بما حدث بالأمس ، إبتلعت لعابها بتوتر حينما نادته برفق ...
- "رؤوف" إنت معايا ؟؟!

رغم صدمته إلا أنه حاول ربط حديثها وطلبها الذى تتحدث عنه بفراسة ...
- معاكِ يا "نيره" ، وإنتِ بقى شايفه إني عشان مكونش أناني إننا نفسخ الخطوبة وكل واحد يروح لحاله ، لأن أنا مش ضامن حيجرى لي إيه وحتعالج ولا ...( أكمل بنفس متحشرجة وصدر مقبوض ) ، حموت ...

صمتت "نيره" دون رد فوقع الكلمات كان مؤلم للغاية ، هي تحبه لكنها لا تتحمل تلك الحياة القاسية عليها ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
أسرع "رؤوف" بإنهاء الأمر بشكل تام فمن يتخلى عنه بمحنته لن يعطيه أكثر من لحظة يفكر به ...
- عندك حق ، كل واحد مننا لازم يروح لحاله ، أنا مش أناني ومش حجبرك تعيشي مع واحد مريض محكوم عليه بالموت ، من النهارده كل واحد فينا في طريق وأنا بتمنى لك الخير دايما ، مع السلامة ...

أنهى الإتصال فيم شعرت بأن قلبها متألم للغاية ، كانت تود أن تخبره أنها ستنتظر شفائه لكنه أنهى كل شيء بلحظة ...

هتفت بها "إسراء" بإستحسان ما حدث حتى لا تتراجع ...
- برافو عليكِ ، شوفي بقى حياتك ومتبصيش وراكِ تاني أبدًا ...

كانت كمن فعل ذنب لا يغتفر لكنها حاولت إقناع نفسها أنه إن كان بمحلها لكان فعل نفس الشيء ...

شحب وجه "رؤوف" محاولًا إمتصاص الصدمة قبل أن يخرج لوالديه ، وقف أمامهم بعد دقائق يناظرهم بأعين تعيسة للغاية يتمعن بعيونهم التى تحمل من الكلمات ما لا ينطق به ألسنتهم ليردف بنبرة منكسرة حزينة ..
- خبيتوا عليا ليه ؟!! أنا عرفت إني عندي كانسر ...

قفز كلاهما يحاوطانه بحنان من كلا الجانبين ليهتف والده بحزم ...
- الكلام ده مش صحيح ، ده مجرد تخمين وبإذن الله حتكون بخير ومش مريض أبدًا أبدًا ...

لتؤكد "منار" حديث "خالد" ...
- أيوه ، هي شكوك بس ، وبإذن الله تحليل العينة يكون سلبي ونطمن كلنا ...

تمسك "رؤوف" بكفيهما بقوة فهما رزق يحلم به الكثيرون وهو محظوظ بوجود عائلة كعائلته تسانده بكل الأوقات ، حتى وإن كان الأمر صحيحًا فهو سيرضي بقضاء الله وسيحارب بعلاجه هذا المرض الذى يدعو الله أن يشفى منه هو وكل من أصابه من المرضى ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب

❈-❈-❈ـ

بيت المستشار خالد دويدار (شقة عيسى) ...
كل تلك الأمور التى تسبب لها ضيق التنفس جعلتها تقبع بشقتها مستاءة للغاية منذ الظهيرة ، دلفت "غدير" للمطبخ تحاول أن تمضي بعض الوقت لحين عودة "عيسى" فمازال هناك متسع من الوقت حتى يحين موعد عودته ...

وضعت بعض الخضروات أمامها تتفكر بصنع طبق مميز قد شاهدت وصفته اليوم ، لكنها فوجئت بصوت باب شقتها يفتح للتو ...

سحبت "غدير" إحدى المعالق الخشبية لتخرج من المطبخ تلوح بها ظنًا منها أنه لص أتى لسرقتها ، لكنها تفاجئت بوجود "عيسى" ، لتهتف بقلق ...
- "إيسوو" !!!! جيت بدري ؟!!!

تنفس "عيسى" بأنفاس متسارعة وهو يدلف لغرفة مكتبه الخاصة ...
- كنت في المكتب وإفتكرت إني جبت الملف هنا وكنت عاوز منه حاجة ضروري ...

رفعت "غدير" كتفيها وأهدلتهما بدون تركيز ...
- أوك ... 

بإنتباه شديد فتح "عيسى" درج مكتبه ليخرج ملف قضية "رمزي" لتسحب الدماء من وجهه ليعيد البحث عدة مرات بعصبية حتى كادت الأوراق تتقطع من بين يديه ليهتف بـ"غدير" ...
- "غديــــــــر" ...

أسرعت "غدير" نحو غرفة المكتب بقلق ...
- أيوة يا "عيسى" ...

ظهر الإنزعاج على ملامحه الجادة ليشير بالأوراق تجاهها ...
- الملف حد حد جه جنبه ، حد فتح درج المكتب ...؟!

أومأت "غدير" بالنفي رغم نظراتها القلقة فهو منزعج للغاية ...
- لأ ، خالص ، إنت يا "عيسى" إللي حطه بنفسك ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
ضرب جبهته بقوة ليلتف حول نفسه بإنفعال شديد ليزيد من قلق "غدير" التى سألته بتخوف ...
- مالك يا "عيسى" ، فيه إيه ؟!

أشار بكفه نحو الملف ليتحدث بنبرة حادة وضيق بالغ ...
- الورق بتاع القضية ، الورق إللي كنت جبته عشان أثبت الرشاوي والتحويلات كلها ضاع ، الورق إختفى مش لاقيه خالص ...

إتسعت عينا "غدير" بصدمة لتحاول مساعدته ...
- يمكن واقع هنا ولا هنا ، أو يمكن وقع منك في المكتب قبل ما تجيبه هنا ، إنت دورت هناك ...

رفع "عيسى" رأسه متذكرًا لتلمع عيناه ببريق متوعد ...
- يكونش اااااا ....

ويبقى للأحداث بقية ،،،،

✨ فضلًا إذا أعجبتكم الرواية شاركوا الفصل بصفحاتكم منعًا لسرقة مجهودي و توثيق حقي بها ولا تنسوا لايك و كومنت كتقدير منكم لمجهودي بكتابة الرواية ✨

رشا روميه قوت القلوب

 •تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent