Ads by Google X

رواية في ظلال الحب المفقود الفصل العشرون 20 - بقلم مهجة

الصفحة الرئيسية
الحجم

  

 رواية في ظلال الحب المفقود الفصل العشرون 20 - بقلم مهجة

" بقايا الأمان "
                                    
                                          
مرّ الأسبوع سريعًا، كأنما تسارعت الأيام خوفًا من لحظة الفراق.



حان وقت رحيل سُكرة وعائلتها، وعلى وجوههم طيف من الحزن المغلّف بالمحبة. تركوا خلفهم الجدة، وعائلة الخالة ياسمين، وقلب وسيم الصغير، الذي لم يكن يعلم أن الوداع الأول قد يُعلّمه كيف يخفق.



عانقوا بعضهم عناقًا طويلًا، امتزجت فيه الدموع بالضحكات المرتبكة، وتعانقت الأرواح قبل الأجساد.



دعوات الجد والجدة أحاطت بهم كستار من طمأنينة:




قالت والدة سُكرة وهي تتأمل وجوه الجميع بنظرة وكأنها تحاول حفظ كل تفصيلة فيهم :



"انتبهوا على بعضكم... وكونوا بخير."




الجدة، بعينيها الدافئتين: "وأنتم أيضًا، استودعتكم الله الذي لا تضيع ودائعه."




توجهوا إلى (بورتسودان)، حيث كان من المفترض أن يستقلوا الباخرة التي ستُقلّهم عائدين إلى مدينتهم استعدادًا لعام دراسي جديد، يحمل في طيّاته الكثير من الأحداث المنتظرة.



لكن ما لم يكن في الحسبان، أنهم حين وصلوا، اكتشفوا أن الباخرة قد غادرت منذ ساعات، ولم يبقَ لهم إلا الانتظار أسبوعًا كاملًا قبل موعد الرحلة التالية.



كان في استقبالهم عند الميناء ابن خال والدتهم، الخال "مهند"، الذي يقيم في بورتسودان مع زوجته، المُعيدة في إحدى الجامعات. ورغم أن مهند يعمل في المدينة التي تقيم فيها العائلة بالدولة الأخرى، إلا أنه كان يزور أهله في إجازات العمل.



استقبلهم بوجهٍ بشوش وقلبٍ رحب، وفتح لهم أبواب منزله بكل ترحيب.



كان منزل الخال مهند هادئًا ودافئًا، مليئًا برائحة الطمأنينة والضيافة.



منذ اليوم الأول، بدا الخال مهند لطيفًا بشكل خاص مع سُكرة.



كان يحملها معظم الوقت، يمازحها، يضحك معها، ولا يسمح لأحد بأن يضايقها، حتى إن ضايقها أطفاله، عنّفهم بلطف لأجلها.



شعرت سُكرة براحة غريبة معه، وسعدت بوجوده، وهمست ذات مرة لأمها:



"خالي مهند طيّب جدًا، زي بابا."



في صباح اليوم التالي، قررت العائلة القيام بجولة زيارات لأقاربهم المقيمين في المدينة.



اصطفوا جميعًا في السيارة استعدادًا للانطلاق.



كان الإمام، والد سُكرة، يجلس خلف المقود، وإلى جواره الخال مهند.



في الخلف، جلست والدة سُكرة بجانب زوجة مهند، وكان سالم يجلس فوق أمه، وصالح بين ذراعي أبيه بالأمام.



أما في المرتبة الأخيرة، فجلست سُكرة بجوار ملاك وملاذ، ومعهم طفلا الخال مهند.



في تلك الزاوية من السيارة، حيث النافذة نصف المفتوحة، جلست سُكرة تتأمل الطرقات، تُراقب المحلات والبسطات، اللوحات الملوّنة، والوجوه العابرة.


     
                
كانوا يتوقفون عند كل بيت قريب، يسلمون، يجلسون دقائق، ثم يستأذنون وينتقلون لغيره.



حلّ المساء، ومعه التعب.



وقبل العودة إلى المنزل، قرروا المرور على مطعم لشراء العشاء، ثم على محل آيسكريم كُتب على لوحته الكبيرة:



(آيسكريم ريم)



ترجّل الجميع من السيارة، وكلٌّ منهم اختار نكهته المفضلة.



اختارت سُكرة آيسكريم الفراولة، نكهتها الأحب، لكن النعاس كان قد بدأ يثقل جفنيها.



جلست تُحدّق في الآيسكريم بعين شبه مغمضة، لا تملك طاقة لتذوقه، فقط تُراقبه بكسل طفولي.



ركب الجميع السيارة من جديد، وعادت سُكرة إلى مقعدها في الخلف، وبينما كانت تتسلق المقعد، سقط منها الآيسكريم دون قصد على الكرسي.



همّت بسرعة بتنظيفه بطرف فستانها، ثم جلست بصمت، تتأمل الطريق للحظات... ثم غفت.



وصلوا المنزل بعد حوالي ربع ساعة.



خرج الجميع واحدًا تلو الآخر، يتثاءبون ويضحكون، وبدأوا بالدخول.



سأل والد سُكرة وهو يغلق السيارة عن بُعد:



"هل نزل الجميع؟"



قالت ملاك وهي تعبر عتبة الباب:



"نعم، كلنا نزلنا."



وأضافت الأم بابتسامة قلقة:



"هل أيقظتم سُكرة؟"



قالت ملاذ وهي تلحق بملاك:



"نعم نعم، لقد سبقتنا للداخل."



أُغلِقت السيارة، ودخلوا جميعًا، تناولوا العشاء، احتسوا القهوة، وتبادلوا أطراف الحديث، حتى دقّت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل.



**



في المقعد الخلفي للسيارة...



فتحت سُكرة عينيها ببطء، رفعت قدمها وهمست:



"أعتذر منكِ ملاك... ما شعرت... وضعت عليكِ."



صمت.



تحسّست المكان بجانبها، همست من جديد، بصوتٍ ضعيف:



"ملاك؟"



لا صوت... لا حركة.



فزعت. التفتت من حولها.



الظلام كثيف، السيارة ساكنة، وكل شيء خارجها صامت... إلا نباح الكلاب خلف المنازل.



انكمشت في مكانها، قلبها يخفق بشدة، ويداها ترتجفان.



زحفت نحو المقعد الأمامي، فتحت تأمين السيارة دون تفكير...



انطلق صوت الإنذار، عاليًا، مخيفًا... صرخة معدنية خرقت هدوء الليل.



صرخت سُكرة داخليًا، عادت إلى المقعد الخلفي، اختبأت خلف الكرسي، وجسدها يرتعش.



خرج والدها والخال مهند بسرعة، العصي في أيديهما، يبحثان عن طارئ.



تقدما إلى السيارة، فتح كلٌ منهما بابًا بحذر...



وعينان دامعتان تبرزان من العتمة، بين المقاعد.



"سُكرة؟!" قال مهند بذهول.



"جميلتي!" صاح والدها، وهو ينحني نحوها، "ماذا تفعلين هنا؟"



لم تتكلم، فقط نظرت إليهما بصمت، ودموعها تنساب بهدوء.



قال مهند بلطف وهو يفتح ذراعيه:



"لا بأس... تعالي."



نظرت سُكرة إلى والدها، لم تنبس ببنت شفة.



تحركت ببطء، واتجهت إلى خالها، الذي احتضنها بين ذراعيه...



لكن كانت يده تتحسس جسدها بشكل غريب، لم تدركه سُكرة، فقط شعرت بجسدها يتصلّب، لم تعرف السبب، ظنّت أنها ما زالت خائفة.



دخلوا بها المنزل، وسط دهشة الجميع، لأنهم نسوا سُكرة في السيارة.



واعتذر والدها، وقدّم لها مبلغًا ماليًا ليُسعدها بعدما هدأت.



وفي اليوم التالي، أقاموا وليمة كبيرة، ودعوا فيها جميع الجيران، على شرف "سلامة سُكرة".



ضحك الجميع... لكنها لم تضحك كما اعتادت.



في داخلها... بدأت أشياء لا تُرى تتغير.






        


google-playkhamsatmostaqltradent